ظهرت تباشير النصر في سوريا مع حلول الشهر الكريم.. سقط أعوان الأسد وجنرالاته وأركان حكمه علي أيدي المجاهدين السوريين.. وصل الأبطال إلي عرين «الأسد» وحصدوا أرواح المجرمين الذين سفكوا الدماء وعاثوا في الأرض فسادا.. ظنوا أن حصونهم مانعة، وأن عدالة السماء لم تصل إليهم.. ولكن فعلها الأبطال.. ففي وسط العاصمة دمشق وفي حي الروضة الراقي دخل الثوار مبني الأمن القومي.. ذلك المبني الحصين الذي لا يقل أهمية عن مبني قصر الرئاسة الذي يقيم فيه الأسد وعائلته.. دخلوه رغم العدة والعتاد.. رغم الدبابات والجنازير والأسلاك الشائكة.. دخلوه رغم عمليات التأمين المرعبة سواء علي الأرض أو في الجو.. دخلوه وقتلوا الأربعة الكبار في النظام السوري وأصابوا الخامس بإصابات خطيرة. كانت عدالة السماء حاضرة.. فقد سقط المجرم آصف شوكت صهر بشار الأسد ونائب رئيس أركان الجيش السوري.. كان شوكت هو الرجل الدموي الأول في سوريا.. كان يعشق الدماء وكانت الاغتيالات هي هوايته المفضلة.. بدأ تاريخه الأسود في اراقة الدماء عندما كان رئيس السرية المكلفة باقتحام وارتكاب المجزرة الشهيرة ضد الإخوان المسلمين هناك.. تلك المجزرة التي هزت العالم أيام حكم الديكتاتور الراحل حافظ الأسد.. وواصل شوكت اجرامه في قمع الثورة السورية علي مدار العام الماضي، وقاد تلك السرية الإجرامية التي اقتحمت المنازل وقامت بتصفية الرجال والنساء في حي الحاضر الذي شهد مجزرة جديدة علي غرار مجزرة حماه. جاء اغتيال شوكت الرجل القوي في سوريا بمثابة ضربة قاصمة للنظام الدموي ودفعة قوية للثوار الأحرار الذين يخوضون حربا شرسة غير متكافئة. وسقط داود راجحة وزير الدفاع السوري الذي يتولي بنفسه عمليات القتل والتشريد وسفك الدماء واغتصاب النساء وقتل الأطفال في حماه وحمص وإدلب.. سقط المجرم وسط حراسه وداخل أكبر قلعة أمنية في البلاد ليلقي جزاء ما فعل. وسقط محمد الشعار وزير الداخلية وحسن التركماني مساعد الرئيس للشئون العسكرية وأصيب اللواء هشام بختيار مدير مكتب الأمن القومي ورئيس غرفة عمليات القوات المسئولة عن قمع الثورة. سقط كل هؤلاء وبقي الأسد وحيدا يمتلكه الخوف والفزع من مصيره المجهول.. هل سيلقي حتفه بنفس السيناريو الذي رحل به رجاله؟ أم أن القدر سيمهله فترة يمثل فيها أمام المحكمة التي ستحكم حتما بإعدامه؟. يقف الأسد وحيدا يستخدم آخر ما تبقي من أسلحة بعد وصول الثورة إلي دمشق العاصمة التي كان يتحصن بها.. لم يجد الأسد أمامه سوي ضرب المساجد بالطائرات وقتل المصلين ظنا منه أن في ذلك الخلاص.. ولكن الحقيقة علي الأرض تقول إن نظام الأسد إلي زوال ولعل انفصال العميد مناف طلاس ومهاجمته للنظام وكذلك اثنين من كبار الدبلوماسيين لمياء الحريري سفيرة قبرص ونواف الفارس سفير العراق.. هو خير دليل علي انهيار النظام.. ولعلنا نذكر أن ما يحدث في سوريا الآن هو نفسه ما حدث في ليبيا قبل أيام النصر. إن ما حدث في سوريا هو رسالة لكل من يراهن علي العدة والعتاد والقوة في مواجهة الثورات.. رسالة لكل من يظن أن هناك قوة أكبر من قوة الشعب.. رسالة لكل من يظن أن الدبابة والمدفع والطائرة يكن أن تقمع شعباً وتواجه ثورة. وما حدث في سوريا هو تتويج لثورات الربيع العربي، ورد قاطع علي كل من يتصور أن الديكتاتورية مازالت صالحة لحكم الشعوب.. رد علي أذناب النظم التي سقطت وأصحاب الثورات المضادة وعلي كل من يريد أن يعود بنا إلي الوراء. إن ما حدث في سوريا هو رسالة لكل أصحاب الأقلام المسمومة والقائمين علي أمر الفضائيات المشبوهة بأن العدل والحرية هما الطريق للبناء وأن الشعوب لن تعود إلي الوراء. لقد بدأ حصاد الربيع العربي.. ففي مصر انتصرت الثورة، وجاء الرئيس عبر صناديق الاقتراع في أول انتخابات رئاسية حقيقية تشهدها البلاد، وبدأنا نتجاوز أياما عجافاً عشناها طوال عام ونصف لعبت فيها أياد كثيرة في الداخل والخارج وكان هدفهم هو إجهاض الثورة وإعادة انتاج النظام القديم. والآن لم يبق أمامنا إلا انجاز الدستور الذي بدأت اللجنة التأسيسية في صياغته.. لم يبق أمامنا إلا أن نتكاتف لإحباط محاولات عرقلة التأسيسية ونتصدي لمؤسسات الدولة العريقة التي تحاول إعادة عقارب الساعة إلي الوراء. لم يبق أمامنا إلا انجاز الدستور وفضح كل من يحاول إفشال الرئيس الجديد خاصة المؤسسات الهامة التي كانت تعمل بأوامر من الرئيس المخلوع.. علينا أن نسقط الذين تسللوا إلي مواقع رفيعة وكانت كل مؤهلاتهم هو تقبيل أيادي حرم الرئيس. علينا أن نتصدي لأصحاب الأقلام المسمومة والفضائيات المشبوهة لنكتب الدستور ونعبر بالبلاد إلي بر الأمان. وبدأ حصاد الربيع العربي في ليبيا الشقيقة التي شهدت أول انتخابات برلمانية منذ 40 عاما.. وضرب الشعب الليبي أروع الأمثلة في الالتزام واحترام قواعد الديمقراطية عندما أصدر الإخوان المسلمون هناك بيانا قبلوا فيه بنتائج الانتخابات التي حصلوا فيها علي 17 مقعدا مقابل 35 مقعداً لتيار جبريل ويتنافس الاثنان علي ضم المستقلين وعددهم 120 نائبا.. لم يفعل الإخوان هناك كما فعل البعض هنا عندما حشروا في الانتخابات الرئاسية وراحوا يشككون في العملية الانتخابية.. لم يفعل الإخوان كما فعل أحد المرشحين الذي لم يترك فرصة إلا ويحاول فيها النيل من الرئيس الفائز وحزبه وجماعته وإنما دعوا إلي التكاتف والوحدة من أجل ليبيا المستقبل. أما تونس الشقيقة فقد بدأ فيها الحصاد مبكرا.. وعندما سمعت الرئيس المرزوقى في حواراته التي أجراها أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة تأكدت أن النجاح المبكر هناك لم يكن لشخصية الغنوشي وحده، وإنما شارك في ذلك رموز وطنية مثل المرزوقى. إن حصاد الربيع العربي هو ثمرة للدماء التي سالت والتضحيات التي بذلت من أجل الحق والعدل والحرية.. وسيستمر الحصاد حتي يعرف القاصي والداني أن الثورات هي من نواميس الكون.. وأن دولة الظلم ساعة.. ودولة الحق إلي قيام الساعة.