يخطئ من يقول ان مصر عدمت رجالها.. وأن عقولهم جفت؟ وأصابها الوهن.. وأن مصر العظيمة الأمس لن تعود بل سوف تسوء أحوالها عاما وراء عام.. وهذا كله هراء وادعاء من المتشائمين.. وإذا كنت - في لحظة ضعف أو انتكاسة سياسية - قد اعتقدت ان آخر فرصة للنهوض بمصر قد ذهبت إلي غير رجعة.. الا انني علي المدي البعيد أري شعاع الضوء في آخر النفق.. وأن الشمس سوف تشرق من جديد وتنهض مصر، بفضل رجالها وعقولهم.. وأيضا بسبب عرقهم وعملهم الجاد المستمر.. وهذا سوف يتحقق ان شاء الله بفضل من يعمل في صمت وبلا صخب او ادني ضجة.. تنفيذاً للقول الكريم من جاءه اليوم الاخير وفي يده فسيلة عليه ان يزرعها.. وقد جمعني لقاء مع الدكتور فتحي البرادعي، الذي لا أراه فقط وزيراً للاسكان والمرافق والتنمية العمرانية، ولكنني أراه عقلاً جديداً يمثل امتداداً «للبناة الكبار» الذين أقاموا الدول ونهضتها.. وقد عرفت الرجل وخبرته منذ كان محافظاً لدمياط ووضع فيها اسس تطويرها العمراني وعبر بها إلي عالم آخر، وبالذات رأس البر ومدينة دمياط.. والدكتور فتحي البرادعي يعمل وكأنه مستمر في موقعه لعشرات السنين.. ولا يخشي أن يترك موقعه ربما غداً قبل بعد غد.. ولكنه جمع حوله كوكبة من عقول مصر وخبرائها في التخطيط العمراني بكل مراحله وأحلامه ويذكرني ذلك بالبداية الصحيحة التي فعله الدكتور عزت سلامة عندما انشأ الهيئة العليا لتخطيط القاهرة الكبري، وجمع لها ولجهازها التنفيذي أفضل العقول المصرية. والدكتور البرادعي فعل ذلك - وأكثر - وهو يؤكد أن هذا المشروع الكبير الذي يحلم به لتطوير كل مصر وتنميتها يجب ان يتم ويقوم علي العقول المصرية لأن المصري المتفتح العالم الحالم، هو الاكثر قدرة علي الاحساس بقضايا مصر ومشاكلها.. وأين وسائل النهوض بها.. وانطلق الرجل مع كوكبته الرائعة هذه - في كل المجالات - يبحث ويبحثون عن الافضل والأكثر بإمكانية للتنفيذ.. وكان أمامه كل المحاولات القديمة للنهوض وكانت قفزات عدد السكان أمام الكل.. كان البعض يري ان امكانيات الحياة علي الارض المصرية لن تكفي كثيراً إلا لعدد محدود من السكان.. فماذا نفعل بباقي السكان.. هل نطردهم اي نجبرهم علي الهجرة.. ام انه بالفعل يمكننا استيعابهم.. ولكن كيف وأين ومتي.. وكم تتكلف كل هذه العمليات الرهيبة. التطوير والتنمية اذن هما اساس مواجهة هذه المشكلة.. واكتشف الرجل وكوكبة رجاله أن 23٪ من أرض مصر يمكن تطويرها بأقل جهود ممكنة وبأقل التكاليف.. وهذه المساحة قادرة علي استيعاب الزيادة السكانية إلي حين.. ولكن ماذا عن المستقبل القريب.. والبعيد أيضاً.. واستطاع الرجل ان يزرع بذرة الامل في العقول التي عملت معه واستطاعت ان تخرج لنا خلاصة حلمهم الكبير.. وتم ذلك في نوفمبر الماضي، أي قبل معركة انتخابات رئاسة الجمهورية بفترة طويلة.. وجاءت نتيجة اعمالهم في ثلاثة مجلدات ضخمة رأت النور في نوفمبر 2011، الاول هو المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية اساسه الوضع الراهن في مصر عام 2011 وحجم المساحة المأهولة من كل مساحة مصر فكانت حوالي 50 الف كم في الدلتا ووادي النيل.. ومناطق اخري مأهولة ثم نهر النيل والبحيرات.. واعترف العلماء بكل المعلومات حتي ولو كانت مخيبة للآمال من حيث مستوي الفقر الذي وصل إلي 22٪ من السكان هم تحت مستوي خط الفقر.. إلي الأمية ومستواها الذي يقترب من 30٪ من اجمالي السكان الي البطالة التي تصل إلي 10٪ من جملة القوي العاملة ثم الكارثة التي تقول ان سكان مصر يتضاعفون خلال الاربعين سنة القادمة، وكل ذلك يواجهه ندرة في الموارد التقليدية من المياه والبترول والغاز.. ويقابل ذلك تركز السكان في 5.7٪ من المساحة الكلية والزحف العمراني الذي يأكل الارض الزراعية.. ثم وهذا هو الاهم مدي صلاحية الاراضي للتنمية.. وأرقام واحصاءات رهيبة في هذا الجزء من المخطط القومي.. أما المجلد الثاني فيقوم علي تقسيم مصر إلي أقاليم تنموية أي تفعيل توجهات المخطط الاستراتيجي القومي.. وربما يأتي الهدف الاول ليقول لنا انه يمكن اضافة حوالي 12 مليون فدان إلي الرقعة المعمورة لتصبح 11٪ من مساحة مصر وهذا حلم لم يداعب أي مصري حتي الآن، ثم الاكثر اهمية وهو الاعتماد علي الموارد غير التقليدية للمياه والطاقة لمقابلة احتياجات الزيادة السكانية وغيرها.. أما المجلد الثالث فهو عمل سريع لمواجهة مشكلة الاسكان وعمره التنفيذي 5 سنوات لبناء مليون شقة للناس.. أقول جلست مع الدكتور البرادعي لمدة تقترب من ثلاث ساعات استمع وأحلم معه.. وأتناقش وأعرض معلوماتي واحلامي أنا ايضا وخرجت بأن مشاكل مصر غير تقليدية وغير نمطية وبالتالي هي بحاجة إلي حلول بل وعقول غير تقليدية وغير نمطية.. وأحسست انني امام مصر جديدة بالفعل.. ويضيف الدكتور البرادعي ان هذا الحلم انتهي في نوفمبر الماضي بعد ان اصبح علي الورق.. وانه قدم بنفسه لكل الذين رشحوا انفسهم في انتخابات الرئاسة لعل وعسي يري هذا الحلم النور لننهض بمصر.. تلك كانت مقدمة سريعة أبدأ بها مقالاتي عن حلم تطوير مصر الذي وضعته أفضل عقول مصر.. فماذا عن هذه الاحلام.. ماذا عن هذه الأفكار غير التقليدية.. غداً موعدنا مع سلسلة مقالات تقدم لنا: مصر الجديدة التي نحلم بها..