لم يعرف الشعب المصري عن وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية طوال العقد الماضي، إلا أنها أداة من أدوات الفساد. عن طريق هيمنتها علي بيع وتوزيع أراضي الدولة الصالحة للزراعة أو للاستثمار السياحي للمحظوظين من كبار المسئولين وعائلاتهم. وباستثناء حسب الله الكفراوي لم ينجح وزير للإسكان من استغلال نفوذه في توزيع أراضي الدولة علي الأقارب والمحاسيب. وفي تنفيذ مشروعات عمرانية لخدمة الطبقات ذات الدخل، بما في ذلك إقامة الطرق والكباري التي تخدم مجتمعات الصفوة ومنتجعاتهم علي السواحل. ولكن في ضوء المتغيرات التي تبدو محلقة في الأفق، ومع بروز مفاهيم ورؤي جديدة مدفوعة بأفكار الشباب وقوي الثورة.. قدمت وزارة الإسكان والتنمية العمرانية رؤية مستقبلية للتنمية، مشفوعة بمخطط استراتيجي علي مستوي الوطن، ناقشها وزير الإسكان الدكتور فتحي البرادعي مع عدد من المفكرين باعتبارها تقوّم رؤية استراتيجية شاملة، ترسم خريطة المستقبل في مصر بعد 40 عاما مقارنة بالوضع الراهن في 2011 من حيث السكان والمساحة وقوة العمل والمساحات المأهولة في الدلتا ونهر النيل.. إذا نجحنا في مواجهة التحديات الأساسية للتنمية.. وأهمها وأخطرها تضاعف السكان، وتآكل الأرض الزراعية 'بمعدل 13 ألف فدان سنويا'. تبدو الصورة التي تقدمها الأرقام والاحصائيات في تقرير التنمية بالغة القتامة، ويكفي أن تعرف أن عدد السكان في مصر سوف يقفز إلي 184 مليون نسمة خلال الأربعين سنة. مما يتطلب توفير أكثر من 60 مليون فرصة عمل. ومع تضاعف السكان سوف يقل نصيب الفرد من الموارد المائية المتجددة. ولن يكون هناك مفر حينئذ من تطوير أنظمة الري عن طريق تكنولوجيا إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والصرف الزراعي. والاستعانة بتكنولوجيا تحلية مياه البحر.. إلي غير ذلك من المشكلات، فكيف يمكن تحقيق ذلك أو جانبا منه علي مدي زمني معقول؟ من هنا يبدو أن جيل الثورة سوف يواجه تحديات بالغة الصعوبة حين يؤول زمام الأمور إليه. وأن وضع مصر كدولة متقدمة ومنافسة لن يكون الطريق إليه سهلا بل مملوءا بالعقبات والأشواك. ولكي تتحقق الآمال المعقودة علي هذا الجيل، فلابد من تغيير جذري لكثير من المسلمات والأساليب القديمة.. وفي مقدمتها إرساء أسس مناخ ديمقراطي حاضن للإسراع بالتنمية، وبناء اقتصاد متنوع يرتكز علي التكنولوجيا والمعرفة المتقدمة. ولبلوغ درجة معقولة من الكفاءة الاقتصادية التي تسهل تحقيق العدالة الاجتماعية، وتكفل القدرة علي مواجهة المخاطر الأمنية والبيئية، فلابد من تطوير الصناعة والزراعة والخدمات الإنتاجية بطرق غير تقليدية للارتفاع مثلا بعدد السائحين إلي 52 مليون سائح! أما في مجال الزراعة، فلابد من استخدام تقنيات الزراعة بالمياه المالحة لزراعة أشجار تختص بإنتاج الوقود الحيوي، وتحتمل أقصي أنواع الجفاف، وتنتج ثمارا غنية بالزيت! تحتم الرؤية المستقبلية لتحقيق هذه الأهداف التنموية ضرورة الاعتماد علي مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة إلي جانب الغاز والبترول.. وأن نبدأ في ذلك سريعا خلال فترة لا تتجاوز 15 عاما، خصوصا بعد أن أصبحت مصر جزءا من شبكة مشروع الطاقة الجديدة الأوروبية في الصحراء الكبري، والذي يجري التخطيط عن طريقه لإمداد أوروبا ب15٪ من احتياجاتها من الطاقة عام 2050. فإذا رأينا كيف تتلكأ مشروعات الطاقة النووية حاليا في مصر، وتعتمد الدولة علي المساعدات الأجنبية فقط في إنتاج الطاقة المتجددة من الرياح والشمس، فإن الآمال المعلقة علي المستقبل قد تنتظر طويلا! غير أن المهم في ذلك كله، وحتي لا تظل كل هذه المشروعات مجرد أحلام نخرجها من أدراج المكاتب مع كل وزير أو وزارة جديدة، أن تشترك أجهزة الدولة بكاملها في وضع خطط زمنية شاملة لتنفيذها، وإعداد الكوادر الفنية ومراكز التدريب اللازمة لها، مع ربطها بمراكز البحث العلمي والجامعات، وبالأخص مشروع زويل للمستقبل