بسرعة البرق تحول رمز الطهر والخير رمز المجد والفداء إلى مرتع لكل الموبقات ، أخذنى الفضول بالأمس فترجلت فى أنحاء الميدان أطالع الخيام المتناثرة والكعكة الحجرية ، الأرصفة وبعض المنصات ، طالعت الوجوه ، قرأت الشعارات وتمعنت فى اللافتات ، لكنى سرعان ماعدت أدراجى من هول مارأته عينى ، أعداد الباعة الجائلين فاق كل حد والملفت للإنتباه أن كل بائع وضع علم مصر فوق عربة الكشرى أو الفول أو نصبة الشاى التى جمع حولها عدد من الكراسى والطاولات وجهز جراكن الماء والسخانات من أجل طلبات الزبائن وكأننا فى قهوة بلدى كالتى نشهدها على طرق السفر ، أعداد غفيرة ترتدى ملابس البيت والبعض بسبب الحر تخفف وجلس بالملابس الداخلية والحريم بالجلاليب وأطفالهن يلهون حولهن بأكواز الذرة بعضهم يقضى حاجته أمام المارة وكأن شيئا لم يكن ربما على اساس أنهم أطفال وليس على الأطفال حرج ، صراخ هنا وبمب هناك ، ميكروفونات تذيع بعض الأغانى الوطنية حتى لاننسى أن هذا هو ميدان التحرير ، ينظم المرور عدد من الصبية ولا أثر لشرطى واحد ، صبية تبدو على ملامحهم الشراسة كاد يشتبك معهم بعض السائقين لأنهم يوقفون السيارات عن عمد إذا طالبوهم بفتح الطريق ، الكلمة كلمتهم وإذا لم يمتثل السائقون يعترضونه بأجسادهم ، على مقربة من الميدان حدثت مشاجرة بين أحد بائعى فوانيس رمضان الذى يفترش الأرض وبائع التين الشوكى وسرعان مالمعت المطاوى ، بالنسبة لبائع التين فالسكين أو المطواة من صميم عمله أما بائع الفوانيس فليس أقل فهو يحمل أيضا بين طياته مايؤمن به نفسه فى مثل هذه الظروف فلم يعد هناك شئ مضمون ، والتف الجمع محاولين فض الإشتباك بينهما ، وبعض آخر وقف حبا للإستطاع ، تفوح من الميدان رائحة كريهة فمخلفات جميع أنواع الأطعمة الملقاة فى كل شبر مع ارتفاع حرارة الجو وعدم وجود وسائل للإغتسال والإستحمام جميعها يزكم الأنوف ويجعلك تترحم على الثمانية عشر يوم التى كان عبق الميدان يغلف أرجاء المحروسة من أقصاها إلى أقصاها ، كانت دماء الشهداء بخورا وعطورا وطريق التحرير مزدانا بالورود ، هنا الميدان الذى شهد فيه كل حجر نبل الشعار وصدق النية والكلمة ، فتح الشباب صدورهم يتلقون رصاصات الغدر وكم فقأت عيون من أجل الوطن ، أتذكر أحدى أمهات الشهداء التى قالت انها حملت بكفيها مخ وحيدها عندما إخترقت رصاصة رأسه ، فى هذا الميدان قيل ( إرحل ) ورحل نظام الفشل والفساد وكان أملا بعيد المنال ، فكيف يتحول الميدان إلى سوق للبيع والشراء وهل بيع الأعلام سيعطى له الشرعية ليتحول إلى وكر للخارجين عن القانون ، هل كل من تمسح فى العلم من حقه أن يتعدى على جزء غال من أرض مصر سيذكره التاريخ قبسا من نور ؟ تحول رمز الشهادة والتغيير والثورة المجيدة التى تحدث العالم بأسره عن سلميتها وتحدى أبناء مصر البواسل من أجل تحقيق الحلم ، تحول التحرير إلى سوق عكاظ ينادون على البضائع ، هناك هرج ومرج ، ومطالب ترفع ولايفهم أصحابها أولويات هذه المطالب المهم هو إثبات الوجود أو تنفيذ إرادة أبو اسماعيل المستبعد من إنتخابات الرئاسة والذى يدعو أتباعه للإحتشاد وألا يبرحوا أرض الميدان لتستمر الفوضى بالإعتراض على أحكام القضاء ، كان أملنا أن يتحول الميدان إلى ساحة دون خيام أو متظاهرين ساحة نظيفة تتوسطها مسلة بأسماء الشهداء تحيطها الأشجار تتحول إلى مزار ومعلم يضاف إلى النيل والهرم يتحول أيضا إلى قبلة للسائحين