منذ نجاح جماعة الإخوان المسلمين ووصولها إلى حكم مصر فى الجمهورية الثانية.. وفى أقل من اسبوع من حلف الرئيس الذى ينتمى الى هذه الجماعة شكلا ومضمونا وأيديولوجيا.. شهدت مصر عدة احداث كان آخرها مقتل الشاب أحمد على أيدى ملتحين فى مدينة السويس بعد أحداث مماثلة كمقتل اثنين من الموسيقيين فى محافظة الشرقية اضافة الى عدة تحرشات واعتداءات ضد النساء اللاتى لا يرتدين الحجاب... كل هذه الأحداث تؤشر على ان هناك قواعد جماهيرية وقوى اجتماعية تتربص بحقوق الفرد وأمنه مستغلة صعود تيار وجماعة الاخوان المسلمين الى السلطة، مما يدعها تتصور - اى هذه القوى الاجتماعية وبعض الأفراد المتعصبين – انهم محميون ومصانون بحكم ان رئيس البلاد ينتمى إلى التيار الإسلامى.. وهنا تكمن الخطورة.. وهنا لابد من التأكيد على أهمية ان يحسم الوطن مصيره، فإما مع المدنية ام ستكون السلفية والتعصب هى محطة الوطن الأخيرة.. إن العامل الأكثر حسما بالنسبة للديمقراطية من مسألة التنظيم الداخلى هو العلاقة بين دين معين ودين الدولة.. فكلما كانت العلاقة بينهما اوثق، قل احتمال معاملة اولئك الذين ينتمون الى دين آخر أو أى عقائد أخرى ليس كمواطنين على قدم المساواة أو السماح بالتعبير العام الكامل عن هذا الدين أو العقيدة – أيا كانت – المغايرة. وفى الحالات القصوى تنظر السلطات الدينية إلى الدولة على انها الهيئة المقدسة المنوط بها الوفاء بمهمة دينية على الأرض. ومن هنا فان السياسة ببساطة شديدة تأخذ طابع حملات عسكرية دينية يجرى فيها المساس بحقوق المواطنين واضطهادهم أو على أقل تقدير ممارسة سياسات التميز أو التهميش وبالتالى تختنق كل أنواع حريات التعبير المنصوص عليها فى المواثيق الدولية. ولعل التاريخ يذكرنا بالتجارب الأليمة لحملات القمع واعمال العنف التى كان من نتيجتها الطائفية التى ولدتها.. ولكن سرعان ما التفتت الدولة المدنية الحديثة لذلك.. ومنها انبثقت فكرة التسامح الدينى والعقائدى والأيديولوجى.. فحتى ان كنا نعتقد ان ديننا هو الحقيقة الوحيدة التى لا معقب عليها.. فان التسامح لا يعنى التخلى عن معتقداتنا.. وإنما يعنى منح الناس الكرامة الإنسانية الاساسية يقررون لانفسهم ويشاركون فى صياغة أحلام الوطن... وعلينا ان نتذكر ان التعصب هو اعتقاد باطل بان الانسان يحتكر لنفسه الحقيقة وان غيره يفتقر إليها، والتعصب له أوجه عدة، فهناك التعصب العنصرى والتعصب القومى والتعصب الدينى وكل هؤلاء يشتركون فى سمة واحدة وهى الانحياز إلى موقف الجماعة التى ينتمون اليها دون تفكير وإغلاق ابواب العقل ونوافذه اغلاقا محكما حتى لا تنفذ اليه نسمة من الحرية. ويجتمع التعصب مع المحتوى الاجتماعى لدعاة الظلامية والماضوية ليجعل من الإنسان عدوا لذاته كادحا بالساعد، فى حين تمتلىء رأسه بافكار مستغليه من أصحاب هذا الخطاب الماضوى. ماذا يحدث للوطن.. شعارات جاهلة ومتعصبة.. تشكك فى الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعى وتخترق القانون.. يستكبر المتطرفون والجهلاء عن القانون ويزاولون مهنة البلطجة التى اصبحت شعار كل ما هو خارج عن القانون ولا يحترمه.. وراحوا يشدون بالحان الفتنة على اوتار الوطن المذبوح بعقليات وذهنيات ألفت الانقسام وتدنيس نسيج الوطن المشترك. إن الوطن الذى يعج بالمشكلات والتحديات ويعانى العديد من المواجع فى المضاجع.. يتربص به وكلاء العنف.. لا يلتفتون الى هذه التحديات.. ويصرون على زيادة نزيف الوطن الجريح.. فبدلا من تضميد جراحه نراهم يهرولون الى دفنه ملطخ بالدماء.. خطابات انقسامية تشطر الوطن تحت دعوى أسلمة الدولة والمجتمع. وراح العنف يخنق العقل فى الحنجرة ويزيد من أحمال الوطن الشقى ويضعف ظهره ويزيد أحماله.. فرغم الخطوات الفعالة للوصول للدولة المدنية والمجتمع المفتوح لكل المواطنين.. ودخول عصر احترام حقوق الانسان والدولة العصرية إلا انه مازال فى جوف ارضنا جحافل وميليشيات من الماضوية والتعصب والجهل وجيوش من عاشقى ومدمنى العنف.. ومازالت هناك أقدام قذرة تخرج متكدسة تدوس على المدنية والمواطنة بكل عنف وبلا رحمة وترسى ثقافة حلقات الذكر المتعصبة وتضرب اسفين الفرقة والخصام فى نسيج الوطن.. جيوش من الجهلة والمرضى ورداءة الفكر وذهنيات ضعيفة وعقليات رثة ووجدان منحط. لك الله يا مصر. وللحديث بقية. بقلم: صبرى سعيد EMAIL: