بمناسبة ذكري مرور عشر سنوات علي إعلان الجماعة الإسلامية احدي ( طوائف الفاشية والظلامية في تاريخ الفكر السياسي المصري) مبادرة وقف العنف التي اعتنقتها طوال ثلاثة عقود قرر المحامي منتصر الزيات ( المحامي الأول عن هذه الجماعة) إعلان تأسيس حزب سياسي تحت اسم (حزب الاتحاد من اجل الحرية) يهدف إلي احتواء عناصر الجماعة الإسلامية احد الابناء الشرعيين " لطائفة الإخوان الفاشية". وادعي السيد الزيات ان الهدف من حزبه المدعو إدماج بعض العناصر المستتابة في العمل السياسي مع الأخذ بعين الاعتبار ان حزبه يدعي حزب الاتحاد من اجل الحرية فما معني (يا تري الاتحاد / وما معني يا حبذا (الحرية) وما معني أصلا (حزب) فمن المعروف ان أنواع الأحزاب السياسية معروفة للعالم كله والتي تبدأ من الأحزاب الأممية والايديولوجية والقومية والبيئية، أما الأحزاب الدينية والتي من المعروف أنها أحزاب تتكون من أفراد ينتمون إلي نفس الديانة وتتقاطع مع الأحزاب الايديولوجية بكونها تتبع إيديولوجية دينية واحدة قد تجاوزها العالم المتمدين والحضارة الحديثة حيث لا مكان للدين إلا في دور العبادة فقط .. وبالتالي وبغض النظر عن السجال بين منتصر الزيات الذي ادعي انه بصدد إنشاء الحزب الذي قال انه يعمل منذ ستة شهور علي تأسيسه وبين نفي قادة الجماعات الإرهابية سواء الجهاد أو الجماعة الإسلامية هذا التنسيق من خلال البيان الذي بثته لوكالات الأنباء وان هذه الجماعة لا تحتاج لاحد غير قادتها ومسئوليها لكي يعلنوا عن هذا في حالة ما إذا كان لدي اجندتها فكرة إنشاء حزب.. والسؤال كيف يتجرأ السيد منتصر علي الإدلاء بهذا التصريح عن إعلان حزب يدعي انه مدني ولكن ذو مرجعية إسلامية .. ما هذا اللبس والتدليس والانقضاض علي الدستور المدني للبلاد والذي يعد مناقضا لمبادئه التي تحرم إنشاء أي حزب علي أساس ديني ولماذا هذه الممارسات التي تسئ إلي التعددية الحزبية المدنية في وطن يتكيء للوصول إلي دولة المدنية الكاملة والتي ستأخذ أشواطا كثيرة فهل مصر كانت بحاجة لان يخرج بيان لهذه الجماعات الفاشية والإرهابية وليقولوا لنا انه ليس مطروحا علي اجندة هذه الجماعة تشكيل حزب سياسي (وهي تري بعض ابنائها في السجون وبعضهم مازال حكم الاعدام يمثل سيفا مسلطا علي رقبته) هذه هي افكار هذه الجماعات الاسلامية ومازالت رغم الاختلافات التي تبناها كتاب وصحفيي هذه الانتماءات الايديولوجية الماضوية اقول مازالت افكارهم كما هي رغم الادعاء بانهم تراجعوا واستتابوا ولم نر أي دليل علي ذلك سوي تصريحاتهم الشفهية انهم تراجعوا عن ممارسة العنف ومعلوم ان هذه التراجعات سببها ما عانوه من مكوثهم في السجون وتضييق الخناق عليهم , ولن يصدق أي عاقل انهم سيتراجعون عن مبادئهم التكفيرية والماضوية وخطاباتهم العنصرية ،رغم كتابات العديد من الباحثين عن صدق نواياهم كما يصف " ضياء رشوان" مراجعاتهم بالصادقة تماما وانه منذ الاعلان عنها لم ينخرط أي من اعضائها في أي عملية هو اكبر دليل علي صدق هذه المراجعات " فالامر لا يعدو كونه هدنة بين هذه العناصر الماضوية وبين الدولة والمجتمع الذي لقنهم درسا قاسيا فالاخطر - من مراجعاتهم في نبذ العنف والاحتفال بمرور عشر سنوات علي ذلك كأنها هدية من هؤلاء إلي المجتمع السياسي المتمدين- والأولي ان يتراجعوا عن برامجهم الماضوية وانتماءاتهم ما قبل الدولة الحديثة، دولة كل المواطنين والمجتمع المفتوح فما زال المجتمع السياسي في حركة دائرية مفرغة مع طائفة الاخوان الفاشية من خلال تصريحاتهم المتضاربة والمتناقضة وبرنامجهم السياسي الملتبس، فهل نحن في حاجة لمزيد من هذه الطوائف الماضوية اسري حلقات الذكر والانقضاض علي مدنية مصر فهل نسي المجتمع ما أقدمت عليه هذه الطوائف من اغتيال الرئيس السابق السادات وكل الأحداث الدموية وشق الصف المصري من خلال ممارساتهم العنصرية والطائفية هل نسي هؤلاء الذين يحتفلون بمبادرة هؤلاء الأشرار لنبذ العنف انهم هم الذين مارسوا العنف وصدروه للمجتمع السياسي الآمن طوال عشرات السنين، هل نسي هؤلاء ان هذه التنظيمات كانت تسعي _ ومازالت _ للانقضاض علي السلطة وتغيير النظام السياسي من خلال انقلاباتهم وحقول البارود التي تسكن أدمغتهم الهدامة، هل نسي هؤلاء ان مبادرتهم التي يحتفلون بها لم تأت سوي لأنهم فشلوا علي ارض الواقع في تنفيذ مشروعهم الانقلابي السوداوي .. إذا أراد هؤلاء الانخراط في المشاركة السياسية فلابد اولا من مراجعة ليس فقط أساليب العنف وانما كافة الأفكار والمبادئ الدينية التي اعتنقوها وان يمارسوا العمل السياسي من خلال الاحزاب السياسية المدنية القائمة بالفعل حتي يقدموا الدليل علي انهم بالفعل مع الدولة المدنية بنظامها السياسي وتعدديتها الحزبية المدنية اما المشاركة السياسية من خلال تأسيس احزاب خاصة بهم تحت أي مسمي فهو جريمة كبري في حق هذا المجتمع.. وان هؤلاء إن ادعوا انهم مع الديموقراطية فهم معها لحين الانقضاض علي السلطة وبعدئذ سيدفنون الديموقراطية والمجتمع بأسره في سراديب الماضوية والعصور الجاهلية السحيقة ..فالديموقراطية ليست فقط اتاحة اوسع الفرص للمشاركة في صناعة القرارات الوطنية وإفساح المجال لتداول السلطة من خلال صناديق الانتخاب وانما هي ايضا انجح السبل لتحقيق اكبر قدر من التجانس والاندماج في المجتمع الوطني ..وبالعودة للتاريخ الاوروبي الحديث حيث برزت الليبرالية وتأصلت يتضح ان الليبرالية كانت ابرز ادوات تحول المجتمعات الاوروبية من التجزئية الاقطاعية إلي الدول القومية ولقد كان في مقدمة اهتمامات دعاة الديمقراطية والنشطاء سياسيا واجتماعيا لتأصيلها التأكيد علي مساواة المواطنين أمام القانون وإلغاء كل التمايزات فيما بينهم باعتبارهم شركاء مسيرة ومصير.. وفي ضوء دروس تاريخ أوروبا يبدو جليا ان حماية النسيج الاجتماعي الوطني إنما هو الشرط الثالث من شروط تحقق الديموقراطية إلي جانب شرطي المشاركة السياسية وتداول السلطة بل إن حماية النسيج الاجتماعي الوطني في التحليل الأخير هو الشرط الذي لابد من تأمينه أولا كي يتوافر المناخ السياسي _ الاجتماعي لقيام حياة ديموقراطية سليمة ذلك لان هذه الحماية هي التي توصد الباب إمام الاختراقات والمداخلات الأجنبية وتوفر بالتالي أهم ضمانات السيادة الوطنية واستقلال الإرادة في صناعة القرارات.. والتعامل مع صيغ التعددية السياسية التعددية بمعني إفساح المجال لمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري من خلال المؤسسات الحزبية التي تمثلها وتنطق بلسانها وهي التعددية التي لا تتناقض بحال من الأحوال مع وحدة النسيج الاجتماعي الوطني وعلي العكس من ذلك تعززها وتدفع باتجاه تعميق التجانس والاندماج في المجتمع وهذا النوع الايجابي من التعددية ابرز شروط قيام النظام الليبرالي ولا يتناقض مطلقا مع الديمقراطية وإنما هو المكمل الموضوعي لها وهو المعتمد في أوروبا وأمريكا وكندا والعديد من الدول ذات النظم الليبرالية في العالم.. ومن هنا فلا مجال لأي أحزاب طائفية أو اثنية أو عرقية أو دينية في دولة تبحث عن آليات حقيقية وجادة للوصول للمدنية الحديثة والمعاصرة فكفي احتفالات بمبادرة هؤلاء الأصوليين الطامعين في تجهيل المجتمع وتخلفه وإقصائه عن التطور والحداثة ولنحتفل بإرساء حجر الأساس في دولة المواطنة الكاملة غير المنقوصة والتي لن تتأتي إلا من خلال دستور مدني كامل وأحزاب سياسية مدنية كاملة بلا أية شعارات مطاطية أو ملتبسة أو دينية. حرب والعائلة في حزب الجبهة الديموقراطية في سابقة غير مسبوقة في تاريخ الأحزاب المصرية منذ نشأتها فوجئ الجميع بان حزب الجبهة الديموقراطية الذي سمحت لجنة الأحزاب مؤخرا بإعلان تأسيسه، وبعد المؤتمر العام للحزب واختيار الدكتور يحيي الجمل رئيسا والدكتور اسامة الغزالي حرب نائبا بان المكتب التنفيذي للحزب اقر تشكيل اللجان العشر وان ثلاثا من هذه الأمانات تولي رئاستها أفراد عائلة الدكتور حرب ما بين شقيقه وابن شقيقه وزوجته وهو ما آثار اللغط حول الشعارات التي ترفعها الأحزاب بدءا بتداول رئاستها ومقرطتها وتكافؤ الفرص بها وما إلي ذلك ..ولكننا نجد الأحزاب هي أول ما تقع في هذه الأخطاء وكأن ما تدعيه هو فقط للبحث عن دور أو منصب.. فرغم تقديرنا العميق للدكتور اسامة الغزالي حرب كأكاديمي وباحث رفيع المستوي وينتمي للتيار الليبرالي الجاد كنا نأمل ألا يقع في هذه الممارسات حتي ولو كانت حسنة النية ولا مجال للتبريرات التي أبداها من أن السيدة حرمه قد قامت بجهد كبير في إنشاء هذه الوحدة (المعلومات) التي ترأسها وان اختيار ابن اخيه جاء بالانتخاب الحر من شباب الحزب لأنه أقدم المنتمين للحزب، فهل الموضوع بالأقدمية وانتخابات شكلية يعرفها الجميع.. كنت أتمني إن يربأ الدكتور حرب عن هذا الإجراء من أساسه ولا مجال لأية تبريرات لأنه لن تخرج عن كونها تحصيل حاصل فحزب الجبهة الديمقراطية الذي كان املاً جديدا يراه الكثيرون من قوي المجتمع السياسي الساعي للمدنية والحداثة من انه سيكون رواقا هاما من اروقة تفعيل الحياة السياسية والحزبية نراه مازال اسير الفكر القديم الذي تحكمه العائلة والعشيرة.