انتخابات النواب، انطلاق جولة الإعادة في 139 لجنة بدائرة شرق أسيوط    بدء التصويت في جولة الإعادة ب19 دائرة ملغاة بانتخابات النواب    مصدر أمني: انتظام الخدمات الأمنية بمحيط لجان الدوائر ال 19 الملغاة من انتخابات النواب    الإحصاء: 607.2 مليون دولار صادرات مصر من السلع لدول شرق أوروبا خلال سبتمبر 2025    أسعار الخضراوات اليوم 27 ديسمبر.. البطاطس تبدأ من 4 جنيهات للكيلو    "الزراعة" تستعرض أنشطة مركز البحوث الزراعية خلال أسبوع    تايلاند وكمبوديا يوقعان اتفاقا لوقف إطلاق النار    روسيا تعلن إسقاط 7 مسيّرات أوكرانية وكييف تتعرض لهجوم صاروخي    أبرزها مواجهة نيجيريا وتونس، مواعيد مباريات اليوم بكأس الأمم الأفريقية والقنوات الناقلة    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وأمطار على عدة مناطق ونشاط رياح    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب تروسيكل بالبحيرة    نظر محاكمة 214 متهما بقضية "خلية تنظيم داعش التجمع".. اليوم    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء العودة للخلف بالعياط    اليوم.. محاكمة زوجة بهاء سلطان فى واقعة سب وقذف خالتها    الإعلان التشويقي لفيلم الإثارة Apex وهذا موعد عرضه رسميا (فيديو)    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 27 ديسمبر 2025    في غياب الدوليين.. قائمة النادي الأهلي لمواجهة المصرية للاتصالات "وي" اليوم بدور ال 32 من كأس مصر    من 8 صباحا والعودة مفتوحة، فصل الكهرباء اليوم عن 5 مناطق في إسنا جنوب الأقصر    انفصال بعد 21 عامًا يشعل السوشيال.. داليا مصطفى في صدارة الاهتمام وتفتح صفحة جديدة فنيًا    منها السرطان والخصوبة، النوم بجانب هاتفك يصيبك ب 4 أمراض خطرة على المدى الطويل    جاهزية 550 مقرًا انتخابيًا في سوهاج لجولة الإعادة بانتخابات مجلس النواب 2025    "التحالف الوطني" يُطلق مسابقة "إنسان لأفضل متطوع" ويوقع أعضاؤه أول ميثاق أخلاقي مشترك للتطوع في مصر| صور    افتتاح مسجد «عبد الله بن عباس» بمدينة القصير بتكلفة 7.5 مليون جنيه| صور    عماد الزيني رئيسًا ل "هواة الصيد" ببورفؤاد.. والجمعية العمومية ترسم لوحة الانتصار ب 2025    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد    بورسعيد تهدي الوطن أكبر قلاعها الطبية.. افتتاح المستشفى الجامعي| صور    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    الجدة والعمة والأم يروين جريمة الأب.. قاتل طفلته    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    فلافيو يكشف عن توقعاته لطرفي المباراة النهائية بأمم إفريقيا    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    الشدة تكشف الرجال    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيبة الدولة والسيد الرئيس
نشر في الوفد يوم 14 - 07 - 2012

جاء في كتاب (مجموع الفتاوى) لشيخ الإسلام ابن تيمية: «أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قبل أن يتولى الخلافة كان والياً للوليد بن عبد الملك على المدينة المنورة، وقد ساس أهلها سياسة حسنة صالحة، فقدم الحجاج بن يوسف من العراق وقد سام أهله سوء العذاب، فسأل أهلَ المدينة عن عمر: كيف هيبتُه فيكم؟ قالوا: ما نستطيع أن ننظر إليه؛ هيبةً له. قال: كيف محبتُكم له؟ قالوا: هو أحب إلينا من أهلنا. قال: فكيف أدبُه فيكم (يعني تأديبه للرعية وعقابه للمخطئين) قالوا: ما بين الثلاثة الأسواط إلى العشرة. قال الحجاج : هذه هيبتُه، وهذه محبتُه، وهذا أدبُه؟! هذا أمر من السماء«.
نعم هذا أمر من السماء، حين حقق عمر رحمه الله أمر السماء بالعدل بين الناس والرفق بالرعية والأخذ بأسباب الحق كان من الطبيعي أن يتحقق أمر السماء بغرس المحبة والهيبة في قلوب العباد. لقد كان عجب الحجاج ناشئا عن مفهوم خاطئ وعقيدة أمنية فاسدة، تقوم على اعتبار أن الأخذ بالشدة والمؤاخذة بالتهمة والظنة، وفتح السجون وضرب الرقاب وتخويف الناس هي الطريق لاستقرار أحوال العباد وغرس الهيبة للدولة وللحكام في قلوب الناس، وعبر عن هذا في أول خطبة له حين تولى أمر العراق فقال عبارته المشهورة : «إني لأَرَى رؤوساً قد أينعَتْ وحان قِطافُها، وإنِّي لَصَاحِبُها، وإنّي لأنظُرُ إلى الدِّماء تَرَقْرَقُ بين العمائم واللِّحَى» إلى آخر ما قاله وما فعله، من سفك دماء الأبرياء والصالحين، وسجن الآلاف بغير حق، كشأن كل المستبدين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: «إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ». ولهذا كان من الطبيعي ألا يزرع هذا التخويف في القلوب محبة وألا يمكن في النفوس للهيبة، بل زادت حالات التمرد وكثرت محاولات الخروج على النظام والسعي لكسر هذه الهيبة.
أما عمر بن عبد العزيز فانطلق من مرجعيته الإسلامية المعتمدة على الكتاب والسنة والقائمة على أن الطريق للاستقرار يكون بالحزم في إحقاق الحق وبسط العدل وتحقيق مصالح الخلق وتنمية معاني الحب في النفوس والترفق بالرعية، واعتبار الخطإ الذي يؤدي إلى تبرئة مذنب أهون من الخطإ الذي يؤدي إلى معاقبة بريء، ولهذا كان يرفض مشورة من يدعوه إلى الشدة على الناس، ويحذر العاملين معه من أخذ الناس بالشبهة.
روى أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية أن واليين كانا قد ولاهما عمر شيئا من أمر العراق كتبا إلى عمر يعرضان له: أن الناس لا يُصْلحُهم إلا السيف، فكتب عمر إليهما: «خبيثيْن من الخبث، رديئيْن من الرديء، تعرضان لي بدماء المسلمين! ما أحدٌ من الناس إلا ودماؤكما أهونُ عليَّ من دمه»
وروى عنه أبو نعيم أنه كتب إلى عامل له: «أما بعد، فلْتَجِفَّ يداك من دماء المسلمين وبطنُك من أموالهم ولسانُك عن أعراضهم، فإذا فعلتَ ذلك فليس عليك سبيل ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ﴾»
وروى أبو نعيم وابن الجوزي في (سيرة عمر) عن يحيى الغساني، أحد الولاة الذين استعملهم عمر بن عبد العزيز، قال: لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل، قدمتُها فوجدتُها من أكبر البلاد سرقاً ونقباً، فكتبتُ إلى عمر أعلمه حالَ البلاد وأسأله: آخذ من الناس بالظِّنَّة (أي بالاشتباه والظن) وأضربهم على التهمة؟ أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه عادةُ الناس؟ فكتب إليَّ: «أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يُصلحهم الحق فلا أصلحهم الله» قال يحيى: ففعلتُ ذلك، فما خرجتُ من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقله سرقاً ونقباً.
وجاء في (سيرة عمر بن عبد العزيز) لابن عبد الحكم: أن عدي بن أرطاة كتب إلى عمر بن عبد العزيز: «أما بعد، أصلح الله أمير المؤمنين، فإن قِبَلي أناساً من العمال قد اقتطعوا من مال الله عز وجل مالاً عظيماً، لست أرجو استخراجه من أيديهم إلا أن أمسَّهم بشيء من العذاب، فإن رأى أمير المؤمنين -أصلحه الله- أن يأذن لي في ذلك أفعل. فأجابه: «أما بعد؛ فالعجبُ كلُّ العجب من استئذانك إياي في عذاب بشر! كأني لك جُنَّةٌ من عذاب الله، وكأن رضائي عنك ينجيك من سخط الله عز وجل! فانظر مَنْ قامت عليه بينةُ عدول فخذه بما قامت عليه البينة، ومن أقرَّ لك بشيء فخذه بما أقرَّ به، ومن أنكر فاستحلفه بالله العظيم، وخلِّ سبيلَه، وايم الله، لَأَنْ يَلْقَوا الله عز وجل بخيانتِهم أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله بدمائهم».
تلك كانت سياسة الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز القائمة على الهدي النبوي الكريم: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِى الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِى الْعُقُوبَةِ» (أخرجه الترمذي). ولهذا كان من الطبيعي أن تحب الرعية عمر رحمه الله وأن تنعقد له الهيبة في نفوس الناس، وهذا هو الفرق بين خيار الحكام وشرارهم، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ (يعني تدعون لهم ويدعون لكم) وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ».
ومصر في عهدها الجديد مع الدكتور مرسي نرجو أن تسير على هدى عمر بن عبد العزيز، وأن تنعقد المحبة بين الرئيس وحكومته من جهة وبين شعبه من جهة، وأن تتحقق الهيبة للرئيس ودولته من خلال رد المظالم وبسط العدل والترفق بالناس، ولست مع أولئك الذين يدعون الرئيس لاستخدام ما قد يكون له من صلاحيات في معاقبة المسيئين إليه خارج إطار القانون، ولا أتصور أن الرئيس يمكن أن يفعل ذلك، خصوصا بعد أن رأيناه وقد اهتزت مشاعره وغلبه البكاء وهو يسمع قارئ الحرم الشريف يتلو في صلاة الفجر ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ. وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ. وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾، بل أتصور أن الرئيس في طوافه حول الكعبة جعل جل دعائه لشعبه مثلما أن الشعب كثير الدعاء له، وهذا بشير خير.
ولئن كان البعض تغلبه نفسه فيستغل سماحة الرئيس وسعة صدره وحسن خلقه في التطاول عليه بغير حق واستخدام ألفاظ وعبارات غير لائقة؛ فإن ذلك لا ينبغي أن يغير صدره، فجموع الشعب الذين نلقاهم في كل مكان تلهج ألسنتهم بالدعاء والثناء وتخفق قلوبهم بالحب والرجاء أن يعين الله الرئيس على أداء رسالته وتحقيق الخير لأمته.
وإني لأنصح أولئك الذين يدعون الرئيس للشدة مع المبطلين أن يقوموا هم –لا أن تقوم مؤسسة الرئاسة- برفع القضايا على من يهين الرئيس ويتعرض له بسوء وبغير أدب، حتى يبقى الرئيس ومؤسسة الرئاسة بعيدا عن الدخول في خصومات مع من يريدون تعويق المسيرة وتعطيل قطار النهضة الذي انطلق، وأتصور أن مئات القضايا التي يمكن أن يرفعها مواطنون مخلصون في أرجاء مصر على كل المتطاولين على الرئيس بغير حق قد تشكل ردعا وردا شعبيا مؤثرا أكبر بكثير مما لو قامت بذلك مؤسسة الرئاسة، والله أعلم.
أ.د/ عبد الرحمن البر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.