مروءته وكرمه: عن عبد العزيز بن عمر قال لي رجاء بن حيوة : ما أكمل مروءة أبيك ، سمرت عنده فعشي السراج وإلي جانبه وصيف نائم ، قلت : ألا أنبهه ؟ قال : لا دعه ، قلت : أنا أقوم ، قال: ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه، فقام إلي بطة إناء كالقارورة الزيت وأصلح السراج ثم رجع وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز. وقال أبو عمرو : دخلت ابنة أسامة بن زيد علي عمر بن عبد العزيز فقام لها ومشي إليها ثم أجلسها في مجلسه وجلس بين يديها وما ترك لها حاجة إلا قضاها، وأمر جارية تروحه حتي ينام فروحته فنامت هي، فأخذ المروحة من يدها وجعل يروحها ويقول: أصابك من الحر ما أصابني. احترامه لأهل العلم: كان يجتمع كل ليلة أصحابه من الفقهاء فلا يذكرون إلا الموت والآخرة ثم يبكون حتي كأن بينهم جنازة. شدته ويقينه في الحق: حدث الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز جلس في بيته، وعنده أشراف بني أمية ، فقال: أتحبون أن أولي كل رجل منكم جنداً من هذه الأجناد ؟ فقال له رجل منهم: لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟! قال: ترون بساطي هذا؟ إنني لأعلم أنه يصير إلي بلي، وإنني أكره أن تدنسوه علي بأرجلكم، فكيف أوليكم ديني ؟! وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيها، هيهات هيهات ، قالوا : أما لنا قرابة؟ أما لنا حق؟ قال : ما أنتم وأقصي رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء إلا رجل حبسه عني طول شُقَّة. مرضه ووفاته: قال أيوب: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال : والله لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إلي من أن يعلم الله مني أني أراني لذلك الموضع أهلا. وقال وليد بن هشام، قيل لعمر في مرضه: ألا تتداوي؟ فقال: لقد علمت الساعة التي سقيت فيها، ولو كان شفائي أن امسح شحمة أذني أو أوتي بطيب فأرفعه إلي انفي ما فعلت . وقال عبيد بن حسان: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال : اخرجوا عني، فقعدت مسلمة وفاطمة علي الباب، فسمعتاه يقول : مرحبا بهذه الوجوه، ليست بوجوه انس ولا جان، ثم قال: (تلك الدار الآخرة ) ، ثم هدأ الصوت فدخلتا فوجدتاه قد قبض ، رضي الله عنه! وقال هشام : لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن البصري : مات خير الناس، وقال خالد الربعي : إنا نجد في التوراة إن السماوات والأرض تبكي علي عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا. وقال يوسف بن ماهك : بينما نحن نسوي التراب علي قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. وقال قتادة : كتب عمر بن عبد العزيز إلي ولي العهد من بعده : بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر إلي يزيد بن عبد الملك، سلام عليك، فإني احمد إليك الله الذي لا اله إلا هو، أما بعد؛ فإني كتبت وأنا دنف من وجعي، وقد علمت أني مسئول عما وليت، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة، ولست أستطيع أن اخفي عليه من عملي شيئا ؛ فإن رضي الله عني فقد أفلحت ونجوت من الهوان الطويل، وان سخط علي فيا ويح نفسي إلي ما أصير، اسأل الله الذي لا اله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته، وان يمن علي برضوانه والجنة فعليك بتقوي الله ، الرعية الرعية فانك لن تبقي بعدي إلا قليلا، والسلام.