الطب مهنة إنسانية سامية تلزم الطبيب بأن يحافظ على أرواح الناس وسلامتهم، ولكن ما يحدث أمام أغلب أقسام الطوارئ فى المستشفيات العامة، لا يمت للطب ولا للإنسانية بصلة، فلا شىء غير البكاء والأوجاع. "الوفد" رصدت بعضا من مآسى أقسام الطوارئ فى عدد من المستشفيات الحكومية.. وكانت المحصلة مثيرة للألم والحزن. المشهد الأول: مستشفى المنصورة قبل أن تصل إلى قسم الطوارئ بمستشفى المنصورة، يستقبلك الصراخ والنحيب، ولطم الخدود داخل أحد عنابر المستشفى، التقيت سيدة وجدتها تبكى على فقدان قدم نجلها الأكبر «يسرى عزت 11 عامًا»، وتضرر قدمها هى الأخرى نتيجة إهمال أحد أطباء قسم طوارئ مستشفى المنصورة العام. ووسط دموعها قالت أمنية عادل 32 عامًا: «أعول 4 أبناء، فقد أكبرهم قدمه نتيجة إهمال طبى، على اثر حادثة تصادم سيارة بتوك توك فى قرية برنطوش التابعة لمركز السنبلاوين بمدينة المنصورة التابعة لمحافظة الدقهلية، وبعد ذلك تم نقل المصابين إلى مستشفى طوارئ «المنصورة العام»، من هنا كانت أولى خطوات تدمير قدمى وقدم طفلى الذى كان يبلغ آنذاك 3 سنوات. وتضيف توجهت بنجلى لاستقبال طوارئ المنصورة؛ لعمل إسعافات للكدمات على أثر التصادم، وتحول الطفل إلى استقبال مستشفى المنصورة للأطفال وتم تجبيس النصف السفلى من جسده لمدة 6 شهور وعند العودة مرة أخرى إلى مستشفى المنصورة قال الأطباء إن الكسر لحم والعملية نجحت ولكن فوجئت بعد 3 سنوات بوجود جروح وقرح تظهر فى قدمه اليمنى مكان الإصابة، وزادت الجروح فى الأصبع الكبير بالقدم، وظللت اتنقل بين المستشفيات والعيادات الخاصة، وأحد الأطباء من محافظة الشرقية أكد لى إصابتى بقطع فى الدفيرة العصبية. وقال لى إنه كان لابد من إجراء عملية جراحية عقب الحادث لتوصيل أعصاب وأوردة لكن الآن يستحيل إجراء العملية، وبعد ذلك رجعت للمستشفى الجامعى بالزقازيق، وهناك أكد الأطباء عدم وجود علاج لنجلي، وأن هدفهم الأول هو إيقاف النزيف، وشددوا على ضرورة بتر الأصبع الكبير، خاصة أن بعض الأجزاء العظمية الصغيرة بدأت تتساقط جراء القروح. وبحثت عن علاج لنجلى فى مستشفى قصر العينى الفرنسى والعادى ومستشفى الزهراء والتأمين الصحى بمدينة نصر والمجالس الطبية وكلهم اجمعوا على ضرورة بتر ساق نجلى من عند الركبة وعند رفضى عملية البتر، قرروا بتر الأصبع؛ لوقف تساقط العظام من القدم، ومنع الالتهابات وتلوث الجسم وتمت عملية تعديل للمفصل 3 مرات وكل ذلك كان بسبب التجبيس الخاطئ من مستشفى المنصورة فهو الذى تسبب فى عذاب نجلى وتدهور صحته طوال 11عامًا متواصلًا. أضافت «أمنية» لم يكن نجلى هو ضحية أطباء مستشفى المنصورة، فكان لى من الآلام نصيب، حيث قرر أطباء مستشفى المنصور إجراء عدة عمليات لى ولنجلى فى الركبة اليسرى واليمنى، بالإضافة لتركيب دعامة حديدية؛ لتثبيت وفرد الرجل بأكملها لمدة 4 سنوات، ما أدى إلى تآكل بطن الرجل وتنشيف السائل اللزج داخل الركبة وخلق إعاقة فى الرجل اليسرى بأكملها! المشهد الثانى: طوارئ «أم المصريين» طوارئ مستشفى أم المصريين ليست أفضل حالًا من طوارئ مستشفى المنصورة.. وضحاياها أيضًا عاش مأساة مع طوارئ أم المصريين يرويها قائلًا فى أحد الأيام شعرت شقيقتى سامية بآلام شديدة فى الكلى ايقظتها من النوم، فتوجهت بها على الفور إلى طوارئ مستشفى أم المصريين، كانت الساعة الواحدة صباحًا، ورغم ذلك وجدنا زحاما فى استقبال الطوارئ من المواطنين بينما لا يوجد طبيب معالج واحد وبعد فترة من الانتظار وصل الأطباء إلى غرفة الطوارئ، وهناك لم يكلف أحد من الأطباء الموجودين نفسه بالكشف على شقيقتى لتشخيص حالتها، سوى أنهم قالوا: شقيقتك بخير متخفش وحولوها إلى قسم الباطنة وطلبوا منى الذهاب للحصول على تذكرة كشف وبالفعل اتجهت إلى طابور كبير من المواطنين للحصول على تذكرة كشف قيمتها جنيه واحد وبعدها اصطحبت شقيقتى إلى عيادة الباطنة وكانت هى الأخرى شديدة الازدحام وكان الطبيب يكشف على عدد من المواطنين فى وقت واحد وامام بعض ولا يوجد أى وسيلة للحماية الصحية للمرضى وما يثير الدهشة أن العلاج كان مسكنا للآلام واستمرت شقيقتى تتعاطى المسكن لمدة ثلاثة شهور حتى تدهورت صحتها أكثر وأكثر وبعد ذلك اتجهت إلى دكتور متخصص فى عيادة خاصة واكتشفنا وجود حصوات فى الكلى وتحتاج إلى عملية جراحية فورًا. المشهد الثالث: الكشف الجماعي على المرضى! ومع دقات السادسة والنصف وقبل دقائق من اذان المغرب وموعد الإفطار اتجه إلى قسم الطوارئ بمستشفى سيد جلال سامى فرج 54 عامًا يعانى من التهاب البروستاتا ولما وصل وجد دوره فى نهاية طابور من المواطنين ينتظرون جميعًا الكشف عليهم وتحديد العلاج المناسب كل حسب حالته المرضية. وقال سامى بعد طول انتظار جاء دورى فى الكشف فوجدت أن الكشف يتم جماعيًا على عدد من المرضى وكانت المعاملة سيئة ولا يتم الكشف بشكل دقيق فالطبيب ينظر إلى الحالة ويستمع إلى شكواه وبناء على ذلك يحدد نوعا واحدا من العلاج واكتشفت ان جميع المرضى فى طابور الصيدلية الخاصة بالمستشفى يصرفون نفس نوع الدواء، ويضيف: عدت إلى الدكتور المعالج مرة اخرى لكى استفسر عن مواعيد العلاج وسؤاله لماذا يتناول جميع المرضى نفس العلاج فرد قائلًا انا عارف اكثر منك. مريض آخر جاء إلى قسم الطوارئ بمستشفى الزاوية الحمراء لسرعة اسعافه بعد اصابته فى حادث «موتوسيكل»، كان الدم ينزف من كل جسده ولكنه لم يجد طبيبًا واحدًا فى قسم الطوارئ وظل منتظرا طبيبا متخصصا وبعد ساعتين تقدم ممرض وحاول كتم الجروح ب«البن» طلب احضار لوازم الخياطة ويبلغ سعرها 70 جنيها من الصيدلية المجاورة لعدم توافر المستلزمات الطبية داخل اقسام الطوارئ وعند خياطة الجرح تمزقت الانسجة الجلدية من رعشة يد الممرض المبتدئ فى ظل عدم وجود مخدر موضعى للجرح اثناء الخياطة. المشهد الرابع: شهد شاهد من أهلهم كشف الدكتور هشام شيحة رئيس قطاع الطب العلاجى الأسبق بوزارة الصحة، أن أقسام الطوارئ فى المستشفيات العامة تواجه ثلاث أزمات أولاها الانشاءات والتجهيزات والبنية الأساسية بالمستشفيات ووجود عجز شديد فى أطباء وممرضى الطوارئ. ويقول أقسام الطوارئ لا تتعامل فقط مع ضحايا الحوادث ولكنها تتعامل مع حالات مصابة بأزمات قلبية ليس وحدها طوارئ بل وحروق وجميع أنواع كسور العظام والولادة القيصرية والنزيف والفشل الكلوى الحاد والحضانات والعناية المركزة جميعها تندرج تحت مسمى الطوارئ. وأوضح «شيحة» أن قرار المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الأسبق بالعلاج المجانى لمرضى الطوارئ فى أول 48 ساعة سواء فى المستشفيات الحكومية أو الخاصة غير مفعل بشكل صحيح، مؤكدًا وجود عجز ملحوظ فى الحضانات وأقسام العناية المركزة بنسبة تصل إلى أكثر من 50% بالإضافة لوجود عجز شديد فى الأسرة المجهزة لحوادث الحروق. وأشار رئيس قطاع الطب العلاجى الاسبق، إلى أن الازمة الثانية وهى العجز فى عدد أطباء أقسام الطوارئ لأسباب مادية وهى التى تجبر الطبيب على الهجرة خارج البلاد ولم ينته الأمر على ذلك بل تطور إلى هجرة فرق التمريض المتخصصة فى إسعافات الطوارئ فى ظل حاجة وزارة الصحة إلى الكوادر البشرية من الأطباء المتميزين.. وقال «مع الأسف جميع طوارئ المستشفيات العامة بعافية». وتابع «شيحة» الأزمة الثالثة هى عجز المخصصات المالية للمنظومة الصحية لتوفير الإمكانيات والمستلزمات العلاجية والأدوية المستخدمة لإسعاف المواطنين فى أقسام الطوارئ، مستشهدًا بحديث الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والتى اعترفت بأن الميزانية المخصصة لوزارة الصحة أقل مما نص الدستور عليه فحسب الدستور كان يجب أن تكون ميزانية وزارة الصحة 130 مليار جنيه ولكن ما تحصل عليه الوزارة بالفعل لا يزيد على نصف المبلغ المحدد»، مؤكدًا أن الأخطاء الطبية لا تهاون فيها على الإطلاق وأحيانًا تحدث أخطاء مهنية ويجب ان يخضع الطبيب المتسبب فى أى خطأ طبى لمحاسبته قانونيًا وعلى المواطن الذى وقع عليه الضرر الطبى تقديم شكوى ضد الطبيب لتحديد لجنة من الاستشاريين بتقييم عمل الطبيب وتحديد الأخطاء والجزاءات التى تقضى بدفع غرامة مالية وتصل أحيانًا إلى الحبس. وقال الدكتور عادل عدوى وزير الصحة الأسبق، يجب تطوير نظام تشغيل أقسام الطوارئ فى جميع المستشفيات العامة والخاصة والربط بين الادارة المركزية للرعاية العلاجية وهيئة الاسعاف المصرية وجميع اقسام الطوارئ بالمستشفيات، مؤكدًا وجود مثلث تشغيلى لعملية تفعيل خدمات الطوارئ فى عموم الجمهورية من هيئة الاسعاف المصرية والادارة المركزية للرعاية العاجلة والحرجة لأقسام الطوارئ. وأكد «عدوى» ضرورة وضع إطار تشغيلى بين هذا المحاور من خلال شبكة الالكترونية وربطها بهيئة الاسعاف والادارة المركزية للرعاية العاجلة. وأكد «عدوى» توفير خدمات للمواطنين فى جميع أنحاء الجمهورية أثناء توليه منصب وزير الصحة من خلال ابلاغ غرفة الطوارئ 137 وهى خدمة مجانية لتنسيق إتاحة الآتى: أسرة العناية المركزة الخالية، وأسرة الحضانات الخالية، أسرة الحروق والسموم الخالية، تنسيق توفير أكياس الدم ومشتقاته، والعديد من الخدمات للمريض لإسعافه فى أسرع وقت قائلًا: «يجب على الجهات المختصة تحديث الخدمة باستمارة أكثر مما كانت فى عهدى وان تلك الأنظمة كفيلة بإنهاء مشكلة الطوارئ فى مصر». وطالب «عدوى» بوضع تكلفة حقيقية لمريض الطوارئ فى الجمهورية ووضع آلية لدفع نفقات هذه الخدمة من التأمين الصحى او من العلاج على نفقة الدولة او خدمات التأمين الصحى والاجتماعى حتى يشعر المواطن بالتغيير فى منظومة الطوارئ على ارض الواقع.