قبل أن تقرأ: بعد أن رحل السادات فى مشهد مأساوى ترحم عليه كثيرون ومايزالون يفعلون، خصوصاً عندما قارنوا بين العصرين (الساداتى –المباركى).. مع إننى أعتبر أن الأخير امتداداً رديئاً - بل وغاية فى الرداءة - للأول.. إلا أننى لا أقف مع دراويش السادات.. وحتماً أنا لا أقف مع «عبدة الطيارين».. كما لا يمكننى أبداً استبدال الإخوان ب«حمدين».. أو بالزعيم الخالد جمال عبدالناصر.. لكنى أرى فى الرئيس مرسى أملاً وحلماً بأن يجمع بين الحسنيين.. «جمال» و«حمدين»! قولوا ماشئتم.. واتهمونى بما تريدون.. لكن هذا رجل فى تقديرى أشبه بفارس أعزل يقف بين القفار ولديه أمانة يريد أن يوصلها الى أصحابها لكن الكل - تقريباً - يتربص به وبدلاً من أن يدلوه على الطرق الوعرة فيتجنبها.. والفخاخ القذرة التى ينصبها الأعداء – وربما الاصدقاء - فيبتعد عنها.. إذا بالغالبية العظمى تتركه لمصيره.. بل وليت القوم وقفوا عند هذا الحد.. وإنما البعض ذهب إلى حد الإمعان فى التقريع والتثبيط والسخرية «وتكسير المجاديف» كما يقول أهلنا فى مصر. أتحدث عن الرئيس «مرسى» ولست من شيعته.. ولست أيضاً من أعدائه.. وذلك على ضوء «مظاليم مصر» اليوم وأمس وغداً.. نعم مظاليم مصر.. الذين ما أن شعروا أن لديهم رئيساً (منهم فعلاً!) حتى تقاطروا على مقار تواجده فأمطروه بوابل من الطلبات.. بصرف النظر عن أن البعض فيها قد يطلب من الرئيس حل مشكلته مع مطلقته.. أو الأم التى ضبط وحيدها متلبساً بسرقة «حبل غسيل» الجيران فقبض عليه أمن الدولة وأخقوا أثره كما أخفوا أثر الصحفى رضا هلال.. الذى تبخر فى الهواء.. وبصرف النظر عن أن بين هؤلاء المظاليم من يطلب من الرئيس قليلاً من «اللحم» أو «الكباب».. أو «كشكاً» لبيع الخردوات (وليس السجائر!).. إلخ الطلبات العجيبة إلا أن السيد الرئيس فعل كما يفعل أبى ذر الغفارى، ولكن بمقاييس عصرنا.. فقد خرج على الناس المظاليم بقرار إنشاء ديوان للمظالم، سبقه إلى مثله السادات الذى أوكل رئاسته ل«أبى سحلى» لكنهما فى النهاية خشيا على عمرهما من أن تقصفه التقارير اليومية الكئيبة (التى قتلت عبدالناصر «زمان» وكلها كانت عن أحوال الفقراء ورب الأسرة الغلبان الذى يحمل هم إطعام الأفواه الجائعة.. ويقتله رفع أسعار القمح والزيت «تعريفة واحدة» وكان «ناصر» يتابع بنفسه الأسعار ويعاقب التجار مصاصى الدماء).. لكن «السادات» أغلق الديوان بعد بضع شهور بالضبة والمفتاح لأنه «السادات» اكتشف أن 99٪ (ليس من أوراق اللعبة فى أيدى الولاياتالمتحدةالأمريكية) من المصريين فقراء.. وأنه من المستحيل عليه أن يفعل لهم شيئاً!! فى ظنى أن الدكتور «مرسى» لن يكرر عيوب أو خطايا تجربة «السادات».. ولن يجعلها تؤدى الى إغلاق «الدكان».. فمهمة الدكتور «مرسى» صعبة.. فكثيرون يناصبونه العداء.. على الأقل نحو نصف الناخبين الذين وقفوا مع أنصار «الطيارين» والعسكريين.. وسدنة الحزب الوطنى القديم والمذعورون من الدولة الدينية - وأنا فى هذه الجزئية تحديداً مع الجميع وضد هذا النموذج من الدول على وجه القطع - والعسكر والحرامية الحالمين بالعودة بالتكية المصرية الى سابق عهدها الفاسد.. ولكن الغريب والعجيب أن القوى الوطنية والتيارات السياسية والنخبوية لم تستقبل فكرة ديوان المظالم بما يليق بها من حفاوة وتقدير (وهنا أود أن أحيى السادات على الفكرة وإن كان أراد منها ال«Show» السياسى فقط.. إلا أن الحال ليس كذلك مع «الرئيس مرسى» فهو بحاجة الى كل الشعب المصرى ليقف معه ويؤيده ليحقق بعضاً من أهدف الثورة المصرية.. التى كشفت عن أن فى مصر مظاليم ب«ال ج م ل ة» نعم بالجملة».. ولا أكتمكم أنه والحال كذلك فإن الرئيس «مرسى» هو أول هؤلاء المظاليم الذين يحتاجون التشجيع والتأييد والمؤازرة، وليس التقطيع والتشويه والبهدلة.. ولكن هذا ليس موضوعنا بقدر ماهو قدره إذ تصدى لهكذا مهمة. لكن إذا كان هناك من لم يعبأ بديوان المظالم من هذه الفئات «المتجبرة».. فهناك من يعبأ لها.. من أرامل وأيتام وأسر شهداء وجرحى ومصابين ومن فقدوا عوائلهم ومن استشهدوا فى حرائق القطارات وغرق العبارات ومن سقطوا فى المواجهات مع المجلس العسكرى ولم يعثر لهم على أثر حتى اليوم.. هناك ناس تموت كمداً كل يوم، تموت قهراً، تموت جوعاً، ولهؤلاء أقيم لهم ديوان المظالم ولهؤلاء يجب أن يستمر.. وتقارير هذا الديوان لابد أن تجد الوقت الكافى ليقراها الرئيس مرسى.. وهذه المظالم لابد لها من نهاية. بعد أن قرأت: ظنى - وليس كل الظن إثماً هذه المرة - أن الرئيس سيفعل شيئاً فى رفع هذه المظالم عن الناس.. أليس هو المظلوم الأول فى هذا البلد!!