أكد الدكتور صابر حارص أستاذ الإعلام السياسي ورئيس وحدة بحوث الرأي العام بجامعة سوهاج أن الثورة في مصر لها وجهان حتى في القانون والقضاء، وأن العقلاء والمثقفين بمصر لديهم قناعة تامة بتفسيرات مُتعددة للقانون وأحكام القضاء وشيوخه الكبار، وأن لهذا التعدد وجهين؛ وجه إيجابي يمارس دور الرقيب على أحكام القضاء واحترام القانون والدستور ويكشف عن تأُثر التفسيرات القانونية بالميول السياسية والسلطة التنفيذية في القضايا الحساسة وخاصة أثناء الأزمات التي يلتبس فيها الوطني بالسياسي بقدر كبير وتصدر الأحكام القانونية بدوافع سياسية يظنها أصحابها أنها دوافع وطنية وهي الحالة التي سادت الحكم في مصر طوال عهود عبدالناصر والسادات ومبارك، ووجه آخر سلبي يُظهر للرأي العام في الداخل والخارج اهتزاز واضطراب القضاء المصري وتعدد الجهات القانونية المُختصة بأحكامه وازدواجية التفسيرات للنصوص القانونية وتصادم حيثيات الأحكام مع منطوقها، وأن هذا واضح جلياً في معظم الأحكام الصادرة بشأن الثورة وبرلمانها ومُرشحينها للرئاسة وقتلة ثوارها. وأضاف حارص أن وجود آراء معارضة لقرار حل البرلمان من جانب مشايخ كبار للقضاء أمثال ثروت بدوي وعاطف البنا والخضيري وأحمد مكي يضع هذه القرار في موطن الشبهة على أقل تقدير دون المساس بحكم الدستورية العليا. وقال حارص إن قرار الرئيس بدعوة البرلمان للانعقاد أعاد للدستور والقانون هيبته واحترامه لأن سَحَبَ قرار حل البرلمان باعتباره صادراً من غير ذي صفة، كما أن التعديلات الدستورية لم تتضمن حق المشير في حل البرلمان، وفي نفس الوقت احترم قرار الرئيس حكم المحكمة الدستورية حينما تضمن قراره الدعوة الى انتخاب برلمان جديد بعد تأسيس الدستور بستين يوماً، وانتقد حارص المُتسرعين في ردود الأفعال على قرار الرئيس دون دراسته بشكل قانوني يفرق بين حكم الدستورية العليا وقرار إداري للمشير وعدم اتساق القرار وتوقيت تنفيذه مع الحكم والإجراءات والخطوات القانونية المتعارف عليها في تنفيذ الأحكام، الأمر الذي جعل مشايخ القانون يفسرون قرار حل البرلمان وسرعة تنفيذه بالحراسة العسكرية ومنع دخول النواب بالقوة في سابقة لم يشهدها تاريخ تنفيذ الأحكام من قبل على أنه أمر مقصود ومُخطط للتأثير على انتخابات الرئاسة لصالح مرشح النظام السابق. ووصف حارص قرار الرئيس بالاعتدال والإنصاف وجوهر العدالة وتصحيحاً للوضع البرلماني برمته لأنه رفع ظلماً عن الشعب الذي انتخب البرلمان وأعاد للشعب سلطته التي انتزعها منه المجلس العسكري بغير ذي صفة، وأبقى في نفس الوقت على حكم المحكمة الدستورية مُتفادياً بذلك انتهاك القانون الدولي الذي يمنع حل المؤسسات المنتخبة في المراحل الانتقالية والمؤقتة، وقال حارص إن ما فعله الرئيس يسوتجب من رجال القانون في مصر والعالم احترامه وتقديره لأنه فصل بين السلطات وضمن استقلاليتها وحمى السلطتين التشريعية والقضائية من السلطة التنفيذية بقرار إداري في صلب اختصاصه وصلاحياته وفقاً لما هو مُستقر بالدستور من صلاحيات الرئيس في إلغاء قرار المشير وحتى إلغاء التعديل المُكمل برمته. ولفت حارص إلى أهمية أن يُدرك الرأي العام حقيقة مُهمة تقضي بسلامة القضاء المصري وأن ارتباكه وتضارب أحكامه مع حيثياته واستغلالها بشكل غير مقبول من جانب العسكري كان قاصراً فقط على أحكام المحكمة الدستورية وامتداد ذلك إلى قرارات اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، أما قرارات مجلس الدولة والقضاء الإداري فلم يعترض عليها أحد وتقبلها الجميع دون تشكيك أو تعليق. وقد لمس الرأي العام ذلك سواء في موضوع بطلان انتخاب ثلث البرلمان أو في إنصاف حازم ابو اسماعيل على لجنة انتخابات الرئاسة بخصوص جنسية والدته ضارباً القضاء الإداري بذلك القدوة الحسنة في تطبيق القانون دون تأثر بأوراق لم يعتد بها من جهات داخلية أو خارجية أو بضغوط الرأي العام ورغبات المجلس العسكري والدولة العميقة. وأكد حارص أن بمصر الآن يداً تبني ويداً أُخرى تهدم بعد أن عاش المصريون عاما ونصف في الهدم فقط، وعاشوا ثلاثين عاما قبلهم في الهدم والفساد معاً، وأن الوقت حان لأن تتوقف ماكينة الهدم أوتندرج في مشروع البناء لمصر الجديدة، وأن تهدأ الثورة المضادة وإعلامها وعملائها في الداخل والخارج وتعطي فرصة لثورة 25 يناير أن تبدأ في تحقيق أهدافها، فلا يمكن لجمهورية جديدة أن تستقر وبها ثورة تحاول البناء وثورة مضادة تسرع في الهدم. وحذر حارص أثناء الأزمات من ترويج الباطل والفاسد والمُغرض على انه صاحب رأي ووجهة نظر، وقال علينا أن نفرق في الأوقات غير العادية بين الدعاوى المُضللة والهدامة والرؤى ووجهات النظر التي ترسم لمصر طريقاً للبناء، وأن الإعلام هو المسئول عن تفنيد هذه الدعاوى الباطلة وكشف دوافعها وتعرية أهدافها وإظهارها على انها دعاوى لا تستند إلى دليل وبرهان، ودعا حارص الإعلام المصري ونخبه السياسية إلى حسم إشكالية (ما إذا كانت مصر تعيش حالة ثورية اكتسبت شرعيتها من الشارع والتشريع معاً أم أننا نعيش حالة فوضى نقاوم فيها الثورة ونسعى للعودة إلى النظام الساقط؟؟). وأضاف حارص أن هناك ايمان مطلق باختلاف وجهات النظر وتعدد الرؤى ولكنه في إطار البناء وتحقيق أهداف الثورة، بحيث يتحول الصراع بين نجاح الثورة وإسقاطها إلى حالة حوار بين المصريين في سبل بناء الدولة المصرية وتقدمها.