أبو حفص عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم الأموى القرشى هو ثامن الخلفاء الأمويين، ولد سنة 61ه فى المدينةالمنورة، ونشأ فيها عند أخواله من آل عمر بن الخطاب، فتأثر بهم وبمجتمع الصحابة فى المدينة، وكان شديد الإقبال على طلب العلم. وفى سنة 87ه، ولّاه الخليفة الوليد بن عبدالملك على إمارة المدينةالمنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91ه، فصار واليًا على الحجاز كلها، ثم عُزل عنها وانتقل إلى دمشق. فلما تولى سليمان بن عبدالملك الخلافة قرّبه وجعله وزيرًا ومستشارًا له، ثم جعله ولى عهده، فلما مات سليمان سنة 99ه تولى عمر الخلافة. تميزت خلافة عمر بن عبدالعزيز بعدد من المميزات، منها: العدلُ والمساواة، وردُّ المظالم التى كان أسلافه من بنى أمية قد ارتكبوها، وعزل جميع الولاة الظالمين ومعاقبتُهم، كما أعاد العمل بالشورى، ولذلك عدّه كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين، كما اهتم بالعلوم الشرعية، وأمر بتدوين الحديث النبوى الشريف. استمرت خلافة عمر سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، حتى قُتل مسمومًا سنة 101ه، فتولى يزيد بن عبدالملك الخلافة من بعده. تربى عمر بن عبدالعزيز على أيدى كبار فقهاء المدينة وعلمائها، فقد اختار عبدالعزيز (والد عمر) صالح بن كيسان ليكون مربيًا لعمر، فتولى صالح تأديبه، وكان يُلزم عمر الصلوات المفروضة فى المسجد. ومن شيوخ عمر بن عبدالعزيز الذين تأثر بهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فقد كان عمر يجله كثيراً، ونهل من علمه وتأدب بأدبه وتردد عليه حتى وهو أمير المدينة، ولقد عبّر عمر عن إعجابه بشيخه وكثرة التردد إلى مجلسه فقال: «لَمجلسٌ من الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحب إلىّ من ألف دينار». وكان يقول فى أيام خلافته لمعرفته بما عند شيخه من علم غزير: «لو كان عبيد الله حيًا ما صدرت إلا عن رأيه، ولوددت أن لى بيوم واحد من عبيد الله كذا وكذا». وكان عبيد الله مفتى المدينة فى زمانه، وأحد الفقهاء السبعة. كان لعمر بن عبدالعزيز أثر كبير فى نصح الخلفاء وتوجيه سياستهم بالرأى والمشورة، إذ يحتل عمر مكانة متميزة فى البيت الأموى، فقد كان عمه عبدالملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه، مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته، ولكن لم يكن له مشاركات فى عهد عبدالملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم فى المدينة، ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزى أنه كتب إلى عبدالملك كتابًا يذكّره فيه بالمسئولية الملقاة على عاتقه، وقد جاء فيها: ويقال بأن عبدالملك قد ولّى عمر بن عبدالعزيز على «خناصره» ليتدرب على الأعمال القيادية فى وقت مبكر، ويقال إن سليمان بن عبدالملك هو الذى ولاه عليها. وقد تأثر عمر بن عبدالعزيز لموت عمه عبدالملك وحزن عليه حزنًا عظيماً، وقد خاطب عمر ابن عمه مسلمة بن عبدالملك فقال له: «يا مسلمة، إنى حضرت أباك لما دفن، فحملتنى عينى عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر الله راعنى وهالنى، فعاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله إن وليت، وقد اجتهدت فى ذلك». إمارته على المدينةالمنورة فى ربيع الأول من عام 87ه، ولّى الخليفة الوليد بن عبدالملك عمرَ إمارة المدينةالمنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91ه، وبذلك صار واليًا على الحجاز كلها. واشترط عمر لتوليه الإمارة ثلاثة شروط: وقد كتب عمر بن عبدالعزيز وهو والٍ على المدينة إلى الوليد بن عبدالملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج وغشمه، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر، لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذًا للفارين من عسف الحجاج وظلمه. وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجّاج واضحاً، وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هى السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبدالعزيز ونصائحه، وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر أفضل مما كان يسير عليه الوليد، وذلك بعد تولى عمر الخلافة وتطبيقه لما كان يشير به. اقترح الفقيه رجاء بن حيوة الكندى على الخليفة سليمان بن عبدالملك فى مرض موته أن يولى عمر بن عبدالعزيز، قال ابن سيرين: «يرحم الله سليمان، افتتح خلافته بإحياء الصلاة، واختتمها باستخلافه عمر بن عبدالعزيز، وكانت سنة وفاته سنة 99ه، وصلى عليه عمر بن عبدالعزيز، وكان منقوش فى خاتمه: «أؤمن بالله مخلصاً»». وتعددت الروايات فى قصة استخلاف سليمان لعمر، صعد عمر المنبر وقال فى أول لقاء له مع الأمة بعد استخلافه: «أيها الناس، إنى قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأى كان منى فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإنى قد خلعت ما فى أعناقكم من بيعتى، فاختاروا لأنفسكم». فصاح الناس صيحة واحدة: «قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فولِّ أمرنا باليمن والبركة»، وهنا شعر أنه لا مفر له من تحمل مسئولية الخلافة، فأضاف قائلًا يحدد منهجه وطريقته فى سياسة الأمة المسلمة.