في الثامنة صباحاً اعتاد أن يبدأ يومه بأن يروي زهوره، أما هي فمن شرفتها تنتظر ظهوره. يتحسس أوراق النباتات التي يزرعها على شرفته، فبرغم أنهُ فاقد البصر ولكنهُ لم يفقد البصيرة وعشقهُ للزهور وإحساسه بكل شيء جميل حولِه، تنتظره التي لا يدري عنها شيئاً في شرفتها فقد أحبتهُ منذ زمن بعيد تنتظر وقت أن يظهر حتى تراه وتشعر بالسعادة المبتغاه في رؤياه. كان يعيش وحيدا لكنه يقبل هذه الوحدة يحاول أن يستشعر السعادة، اما هي فكانت تستمع أحياناً لمكالماته مع أصدقائه وضحكاته معهم عبر الهاتف عندما يكونُ جالساً في بلكونتهِ، أو تشاهدهم حين يأتون لزيارته ، او حين يعزف لهم علي البيانو ألحانا تشعرها وكأنه يعزفها لها فقد تعلم الموسيقى منذ الصغر تعلم الاشياء التي تمس المشاعر والاحاسيس حتى ولو لم تُرى. أما هي فشرفتها مصدرُ سعادتها لأنها تراه لتطمئن عليه ، حتى إن غاب لوقت طويل فتشعر بالوحدة، براعتها في الرسم أعطتها تصريحا أن ترسمه عدة مرات دون أن يعلم فقرب المسافة بين النافذتين ليس بالكثير ولكن إحساسها به اكثر بكثير استطاعت أن تجسد ملامحه في لوحات عديدة. كانت تأتي إليه إحدى السيدات يوما بعد يوم تعد له الطعام وترتب له احتياجاته، كانت تساعده في كل الأمور المنزلية التي لا يستطيع القيام بها، رغم ذلك فهو بارع في بعض الأعمال. في أحد الايام نزل عاشق الزهور متجهاً إلى المقهي الذي اعتاد أن يقابل فيه أصدقاءه يتحسس الطريق بعصاه فمن لا يعرفه يعتقد أنه بصير فقد حفظ الطريق عن ظهر قلب منذ زمن بعيد وهو يسير في نفس الاتجاه أما اليوم فقد تعثر حين شعر أن شيئا أمامه يصده ويدا تمسك يده قبل أن يسقط ، بهدوء تحسسه ليجده كرسيا له مقبض ومنه تفوح رائحة عطر فاحت في أعماقه، اعتذر وتنحى جانباً ومضي في طريقه ورائحة العطر مازالت تداعب أنفاسه . ابتسمت التي كانت تجلس على كرسيها المتحرك وقالت: لم يحدث شيء، الابتسامة كانت لمعشوقته التي لأول مرة يجمعها القدر معه وتراه عن قرب وسعادة غامرة تملؤها، ولكن سرعان ما تحولت الابتسامة إلى حزن لأنها تمنت لو كانت تستطيع السير فهي تجلس على الكرسي منذ زمن بعيد لاصاباتها بشلل إثر حادث جعلها تفقد الحركة . تمنت لو تستطيع أن تذهب إليه وتعلن حبها له وأنها مستعدة أن تعيش معه ، وان تساعده في حياته وأن تكون بجانبه وأن تصل الي سكنته وتكون هي من تعاونه وأن تصبح له نظره الذي فقد. سار عاشق الزهور في طريقه ولأول مرة منذ وقت طويل تمني أن يكون بصيرا فقط كي يرى بعينه صاحبة العطر. تمنت هي لو أنها لم تقابله فلمسته لها جعلتها ترى حقيقة حاولت أن تنساها طوال زمن بعيد . بعد أن عادت إلى شرفتها التي كانت مصدر سعادتها والنور والأمل الذي يطل عليها منها أغلقتها والدموع تذرف من عينيها لأنها شعرت لاول مره بالعجز في أن تكون بالقرب ممن أحبت.