يا إلهي .. هل نحن نعيش زمن المعجزات ؟ ! هل ً أصبحت كل الأشياء بسبعة أرواح ؟! .. ففي انتخابات رئاسة الجمهورية شاهدنا أحد المرشحين يدخل سباق الرئاسة ...ويخرج منه ...ثم يدخل فيه .. ثم يُحارب على كافة الجبهات : الجبهة القضائية ...والبرلمانية... والسياسية .....ومع ذلك يستمر في سباق الرئاسة وكأن له سبعة أروحاً . كما شاهدنا أحد الرؤساء السابقين .... يقال إنه مات ...ثم ...تدب فيه الحياة ..مرة أخرى ... ثم يموت .... ثم يعود للحياة .... ثم يدخل الإنعاش .... ثم يخرج منه ....ثم يتوقف قلبه.... ثم يعود للحياة..... وكأن له سبعة أرواح . والأغرب من هذا أن حكاية السبعة أرواح .. هذه ..أخذت تمتد ...وتتوغل ... حتى لم تصبح قاصرة ... على الأشخاص .... بل أمتدت إلى الكيانات السياسية .. فها هو ذا برلمان ما بعد ثورة 25 يناير .....يُحكم عليه بالموت أو بالأدق يقضى بأنه وُلد ميتاً ....وتتم تشييع جنازته ......ويُدفن ... غير مأسوف على شبابه ... ثم تُدب فيه الحياة مرة أخرى ... بقرار جمهوري .. وسبحان مَن يحيي العظام وهي رميم .... والغريب في الأمر أن القرار الجمهوري لم يحيي برلمانا كان حياً بالفعل ...ثم مات ....بل برلماناً كان ميتاً من الأساس ... فعبارات الحكم القاضي بانعدامه تقول : (("انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، ومؤدى ذلك ولازمه على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلاً منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون اعتباراً من التاريخ المشار إليه دون حاجة إلى اتخاذ أى اجراء آخر، كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة، وإنفاذاً لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة طبقا لصريح نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا )) . والقرار الجمهوري لم يتعرض ( لشهادة الوفاة ) التي كتبتها المحكمة الدستورية للمجلس المنعدم بل تعرض للكفن الذي تم تكفينه فيه ..... ألا وهو ( قرار المجلس العسكري )... الذي قام بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية .. فالقرار الجمهوري لم يستطع أن يتشطر على الحكم .. وإنما تشطر على قرار المجلس العسكري... والقرار الجمهوري الذي بث الحياة من جديد في البرلمان المنعدم .. له آثار عديدة لابد أن نشير إليها : 1- إن القرار الجمهوري المشار إليه ... ( قد ) يشكل جريمة إمتناع عن تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا القاضي بانعدام مجلس الشعب ...المنصوص عليها في المادة 123من قانون العقوبات تحت عقوبة الحبس والعزل من الوظيفة . علاوة على كونه يمثل حنثاً في اليوم الدستوري .. مما يترتب مسئولية سياسية لرئيس الجمهورية .. 2- إن جميع القرارات أو التشريعات أو أية أعمال تصدر من هذا المجلس هي والعدم سواء .. لن تعتد بها أية محكمة لأنها صدرت من (مجلس شعب)(منعدم)...أي هو والعدم سواء...لأن المعدوم ...لا تُدب فيه الحياة مهما ...أعطيناه من ( أكسوجين ) ....يتنفس به ...لأنه أصلاً ....هو جسم ميت .... 3- أن كافة ما سيتقاضاه كل أعضاء مجلس الشعب المنحل من أموال كمرتبات أو بدلات أو خلافه تمثل جريمة استيلاء على المال العام بدون وجه حق ؛ بل أكثر من هذا أن أية إستهلاكات للمال العام داخل المجلس من أوراق وكهرباء ومياه ...وفاكسات ...وتلفيفونات ....وخلافه ..تتم بمعرفة أعضاء مجلس الشعب المنحل ( والعائد للحياة بقرار جمهوري مشكوك في صحته ) ..يُسأل عنه الأعضاء وكل مَنْ ساعدهم على ذلك .... وذلك طبقاً للمادة 113 من قانون العقوبات التي تجرم ذلك تحت عقوبات متدرجة تبدأ بالسجن المشدد أو السجن . 4- أن المردود السلبي على الحياة التشريعية والقضائية لهذا المجلس المنحل ( العائد للحياة بقرار جمهوري ) .....سيعاني منه المصريون لسنوات عديدة قادمة ..... لأنه يكفي أن يدفع أي محامٍ في أية قضية أو دعوى موكل فيها ..... بعدم دستورية نص من نصوص القوانين التي قد تصدر من هذا المجلس .. سيؤدي إلى ...إيقاف الدعوى لحين الفصل في دستورية أو عدم دستورية هذا النص .....وهو ما سينتهي في نهاية الأمر... إلى القضاء بعدم دستوريته ..... مما يؤدي إلى زعزعة الثقة في التشريع والقضاء معاً . 5- إن المواطن العادي سيتشجع على عدم احترام القضاء والأحكام ....التي تصدرضده ...لأن الدولة ذاتها كانت قدوة له في هذا الصدد . 6- إن القضاة أنفسهم سيصابون بالإحباط واليأس ..... لأن ثمرة حياتهم وعملهم تتمثل فيما يصدر عنهم من(( أحكام))... فإذا كانت أحكامهم يتم الالتفاف عليها بطريقة أو بأخرى .. فأية قيمة تُترك ...لعملهم ...ولوظائفهم ....التى هي جزء لا يتجزأ من حياتهم ذاتهم ....ولاشك فإن هذا الإلتفاف ..... يمس في الصميم استقلال القضاء عن سلطات الدولة الأخرى. 7- إن الالتفاف على حكم المحكمة الدستورية العليا سيترك أثره على الثقة في القضاء المصري وهو يمثل مذبحة للقضاء تكاد تتجاوز في مداها وفحواها ما أحدثته مذبحة القضاة في عام 1969 . 8- إن الصراع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جانب ....والسلطة القضائية ..من جانب آخر ....سيتم تأجيجه .. ونتائجه لا تُحمد عقباها ...... لأن السلطة التشريعية والتنفيذية هي التي بحاجة إلى عدالة القضاء أكثر من غيرها..... لأن كل القرارات والأعمال القانونية الأخرى ...بل والتشريعية ......التي تصدر من هاتين السلطتين معرضة لأن يُطعن فيها أمام القضاء .. صحيح أن قضاءنا عادل ومحايد..... لكننا لا نستطيع أن نضمن التأثير النفسي على القضاة نتيجة إهدار أحكامهم . 8- يُخشى أن يؤدي كل ما تقدم إلى تربص السلطات بعضها ببعض.... فيسعى البرلمان المنحل العائد للحياة بقرار جمهوري .........إلى تصفية حساباته مع القضاء بوجه عام والقضاء الدستوري بصفة خاصة ......فيترتب على ذلك المزيد من التصادم بين سلطات الدولة .. ويقيني أن مصر ليست بحاجة إلى المزيد من التوتر والقلق والتصادم بين السلطات في مرحلة تاريخية .... تمر بها مصر ....مرحلة هي من أدق مراحل التاريخ . وتبقى كلمة : 1- القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات والحقوق العامة وهو الملجأ الأخير للأفراد عندما تهدر حقوقهم وحرياتهم .. فحافظوا على هذا الصرح الشامخ .. 2- إنه ليوم أسود يوم أن تلتف الدولة أو إحدى مؤسساتها ..على حكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب ...وسيكون يوم 8 يوليو 2012م ....هو أسوأ من يوم 5 يونيو 1967 ....يوم النكسة العسكرية ...لأنه تم تعويضها بنصر أكتوبر 1973 ...اًما ....الالتفاف على حكم أعلى محكمة قضائية في مصر ...هو (( يوم الفصل )) .... بين دولة القانون ..ودولة اللا قانون ...أو دولة قانون الفوضى والهمجية ...وما أدراك ما الفوضى ...وما أدراك ما الهمجية !!!!!! * أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم القانون العام - كلية الشريعة والقانون بطنطا - والمحامي أمام محكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا