القانون .. هو مؤسسة اجتماعية .. عرفتها البشرية .. منذ أعمق أعماق التاريخ .. كوسيلة ترسي النظم والقواعد .. التي يجب أن يخضع لها .. أي مجتمع .. حيث تسري قواعده علي الجميع .. يخضع لها الجميع علي حد سواء .. الحاكم .. والمحكوم .. الجاني .. والمجني عليه .. البائع والمشتري .. السياسي .. والاقتصادي .. والعسكري .. وكل وحدات المجتمع. وتفترق الدولة القانونية عن الدولة البوليسية في أن الأولى – أي الدولة القانونية - تخضع تصرفات كل من الحكام والمحكومين فيها على السواء لحكم القانون، ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لأية سلطة أن تزاول أي نشاط إلا بمقتضى قواعد سبق وضعها وفقا للأوضاع والشروط المقررة. في حين أن الدولة البوليسية تأبى الخضوع للقانون، وترفض الانصياع لأحكامه فهي فوق القانون والحكومة حين تمارس السلطة العامة تكون غير مقيدة باتباعه. وتختلط إرادة الحاكم بالقانون فهو الذي يضعه ويعدله ويلغيه وإن أراد أهدره وفي هذا النوع من الحكومات تضيع الحقوق وتنتهك الحريات. وتؤتيباً على ذلك فإن مبدأ سيادة القانون مفاده احترام القواعد القانونية من كافة سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، واحترام الأفراد التي تتكون منهم الدولة سواء كانوا حكاما أو محكومين لقواعد عامة موضوعة مسبقا. واحترام القانون هنا يأتي بمعناه الواسع ليعني كل قاعدة قانونية وفقا لتدرجها في النظام القانوني للدولة، فتشمل بذلك الدستور والقانون الذي يصدر عن السلطة التشريعية واللائحة التي تصدر عن السلطة التنفيذية. وتحتل المحكمة الدستورية العليا في دولة القانون مكانة متميزة باعتبارها هى قبة ميزان الدولة القانونية فتأتي أحكامها لتعيد الأمر الى نصابه الطبيعي وتمنع الإفتئات على المبادئ الدستورية الحاكمة ... ومن أشهر الأمثلة التي تضرب لدور المحكمة الدستورية في إقرار ميدأ سيادة القانون ؛ ماحدث في السبيعنات من القرن الماضي في الولاياتالمتحدةالأمريكية .. عندما رفض الرئيس الأميركي " ريتشارد نيكسون " تقديم أوراق ومستندات للقضاء تتعلق بفضيحة ( ووتر جيت ) الشهيرة ، بحجة أنه يتمتع بامتيازات تنفيذية تعفيه من تقديم تلك الأوراق ، كان قرار المحكمة العليا واضحا في إلزامه بتقديمها حتى يقول القضاء كلمته فيها ما دامت لا تتعلق بأسرار عسكرية أو دبلوماسية ، مما سرع في استقالة الرئيس المذكور في 8/8/1974 ، وقالت المحكمة حينئذ : (( إن المحكمة الدستورية العليا باعتبارها حارسة على الدستورية تقرر أن الدستورية تعني خضوع الجميع للدستور بلا استثناء )) . أما في مصر .. فنجد أن بعض رجال القانون والقضاة السابقين يحاولون الإلتفاف حول حكم المحكمة الدستورية العليا ..فتارة هو منعدم ؛ وتارة أخرى هو حكم خرج عما طلبه الخصوم فالخصوم لم يطلبوا سوى بطلان ثلث مجلس الشعب ؛ فلماذا تتصدى المحكمة لبطلان الثلثين ؟. وهذه أقوال ظاهرها المنطق القانوني ..ومن باطنها مصالح شخصية يرميها إليها قائلها ..بعيدة كل البعد عن ..الفهم القانوني السليم .. فها هو ذا الحكم يجيب على ذلك بقوله إن "العوار الدستورى الذى أصاب النصوص المطعون فيها يمتد للنظام الانتخابى الذى سنه المشرع بكامله، سواء فى ذلك نسبة الثلثين المخصصة لنظام القوائم الحزبية المغلقة أو نسبة الثلث المخصصة للنظام الفردى ، وأوضح الحكم فى أسبابه أن تقرير مزاحمة المنتمين للأحزاب السياسية للمستقلين غير المنتمين لأى منها فى الانتخاب بالنظام الفردى كان له أثره وانعكاسه الأكيد والمتبادل مع نسبة الثلثين المخصصة للقوائم الحزبية المغلقة، إذ لولا مزاحمة المنتمين للأحزاب للمستقلين فى الثلث الباقى لحدث إعادة ترتيب داخل القوائم الحزبية، بمراعاة الأولويات المقررة داخل كل حزب". وانتهت المحكمة الدستورية فى قضائها إلى أن "انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، ومؤدى ذلك ولازمه على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلاً منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون اعتباراً من التاريخ المشار إليه دون حاجة إلى اتخاذ أى اجراء آخر، كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة، وإنفاذاً لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة طبقا لصريح نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا، إلا أن ذلك لايؤدى البتة إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة، وحتى تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة ، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة ، وذلك مالم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً ، أو يقضى بعدم دستوريتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير مابنى عليه هذا الحكم". لذا لا يقبل أن يأتي بعض أعضاء مجلس الشعب المنحل .. سلوكا بتحدي به القانون عيانا بيانا .. بهدف بث القلق للشارع ..والتهجم على سلطات الدولة . في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة حرجة .. غير عادية في حياتها .. ومن عجب أن مرض عدم احترام القانون .. استشرت حتي وصلت لفقهاء في القانون الدستوري ومستشارين .. ومحامين كنا نحسبهم كيارا .. في مهنتهم .. وفي فهمهم للقانون .. غير أن فتاويهم القانونية التي تقضي بعدم احترام حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية مجلس الشعب المنحل .. جاءت بغرض .. ولهوي .. لإرضاء جماعة أو فصيل معين ..فتأتي آرائهم القانونية مغموسة في وحل السياسة .. حيث باعوا ضمائرهم القانونية لصالح تحقيق أجندة جماعة أو فصيل سياسي معين .. يريد أن يهيمن علي كافة مفاصل الحكم في البلاد .. لعل وصول هذه الجماعة أو الفصيل السياسي للحكم .. يدفع هؤلاء .. إلي دائرة الضوء .. في منصب هنا .. أو منصب هناك وتبقى كلمة : 1- لا يفسد القانون .. سوي فئة من البشر .. تسعي لخرق القانون .. لحاجة في نفس يعقوب .. تحقيقا لأغراضها هي .. ومصالحها هي .. فتتعرف علي ثغراته لتنفذ منها .. وتتحري استثنائته ليمرق منها فسادها . 2- إن الفساد القانوني في كثر من الأحوال .. يأتي من فئة يجب أن تكون قدوة لغيرها في احترام القانون ... لذا يكون الفساد القانوني فج .. ممقوت ...مكروه ....ممجوج ...إذا جاء من قاض .. أو رجل شرطة .. أو عضو برلمان .. أو من غيرهم من رجال القانون .. لأن هؤلاء .. يجب أن يكونوا قدوة للمواطن العادي في احترام القانون. 3- من بين مفردات احترام القانون تأتي حجية الأحكام على قمةهذا الاحترام . 4- أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما باعتبار مجلس الشعب ولد ميتا لأنه استند علي نصوص قانونية غير دستورية .. فإن هذا الحكم يتعين احترامه من كافة السلطات والكافة .. 5- إن إلتفاف أعضاء مجلس الشعب المنحل ... أو غيرهم من جهات أوقوى سياسية ..تريد أن تفرض رأيها بقوة اضغط الشعبي ...هو تكريس دولة الهمجبة والفوضى ..وإرتداد لعصر ما قبل الدولة ...عصر القوة ...حيث تهيمن القوة فقط على المجتمع ... 6- إنه ليوم أسود يوم أن تلتف ادولة أو أحد مؤسساتها ..عى حكم امحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب ...ويوم فاصل بين دولة البقانون ..ودولة الا قانون ...سوى قانون الفوضى والهمجية ...وما أدراك ما الفوضى ...وما أدراك ما الهمجية !!!!!! 7- أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم القانون العام - كلية الشريعة والقانون بطنطا - والمحامي أمام محكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا