للربيع غنى كل عمالقة الغناء.. أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش. ووحده «فريد» هو الذى بقيت أغنيته وخلدت واستدعتها الذاكرة مع احتفالات الربيع كل عام.. فيما انزوى الآخرون فى ظلال النسيان! تاريخياً لم يكن فريد الأطرش هو أول من غنى للربيع، فسبقه محمد عبدالوهاب الذى غنى للربيع عام 1942، من كلمات حسين السيد، ومن بعده غنت أم كلثوم «غنى الربيع» عام 1946، من تأليف أحمد رامى وتلحين رياض السنباطى، وجاء فريد الأطرش ثالثاً فغنى رائعته الربيع عام 1949 لأول مرة فى الفيلم الشهير «عفريتة هانم» الذى شاركته فيه البطولة سامية جمال. والأغنية من تأليف مأمون الشناوى. ومع مطلع الخمسينيات انضم عبدالحليم حافظ لقائمة مطربى الربيع فغنى «موكب الربيع» من تأليف كمال منصور، وتلحين عبدالحليم على، وشاركته الغناء مديحة عبدالحليم وسوسن فؤاد، ثم غنى أغنية ثانية للربيع بعنوان «هلّ الربيع» كلمات إبراهيم رجب وألحان عبدالحميد توفيق. ووحدها تربعت أغنية فريد الأطرش على عرش أغانى الربيع منذ ظهورها قبل 70 عاماً، حتى الآن، فيما اختفت أو كادت أن تختفى أغانى الربيع لثلاثى عمالقة الغناء أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم، ووصل الأمر لدرجة أن كثيرين لا يعرفون أن ثلاثتهم غنوا للربيع أساساً! كيف تمكن «فريد» من أن يهزم هذا الثلاثى المرعب فى أغنية الربيع؟.. السر يكمن فى 3 أسباب.. أولها روح الأغنية وكلماتها وألحانها. فرغم أن الربيع يعنى الحياة والحب والانطلاق، إلا أن أغنية عبدالوهاب جاءت تقليدية الكلمات رتيبة الموسيقى وغناها عبدالوهاب ببطء شديد كعادة غناء الأربعينيات، وحتى المعانى التى تحملها كلمات الأغنية كانت شديدة الكلاسيكية وتتحدث عن الربيع والورد.. ويقول مطلعها «هليت يا ربيع.. وهل هلالك.. متعت الدنيا بجمالك.. نبهت الورد وكان نايم.. فوق عرشه الأخضر.. والطير جمعته.. وكان هايم.. فى الروض متحير». وعلى نفس الدرب وبذات الأداء والموسيقى غنت أم كلثوم للربيع، وقال مطلع أغنيتها «غنى الربيع بلسان الطير.. رد النسيم بين الأغصان.. والفجر قال يا صباح الخير يا صحبة الورد النعسان.. فرح بروحه الكون نادى وغنى.. وكل لحن بلون مغنى ومعنى». أما عبدالحليم حافظ فجمع فى أغنيته ما بين أمرين يحكمان على أية أغنية بالفناء، حتى لو كانت بصوت عبدالحليم حافظ نفسه، فالكلمات كانت شديدة الكلاسيكية «هل الربيع الجميل ع الدنيا نورها.. ومال على الأرض زوقها وخضرها..وفات على النسمة روقها وعطرها.. والوقت يحلى ما بين المية والخضرة.. هل الربيع الجميل ع الدنيا نورها».. أما اللحن فكان أشبه بالألحان الجنائزية التى تبعث روح الموت والفناء لا روح الحياة والانطلاق. وفيما جاءت أغنية فريد الأطرش رشيقة الكلمات، بطلها الإنسان، المحب الذى يبحث عن حبيبه «اللى رمانى من جنة الحب لناره».. ويتمنى أن تعود أيام حبه حتى لو كان ثمن العودة هو الحياة نفسها «أيام رضاه يا زمانى هاتها وخد عمرى»، وحلم عمره أن يعود حبيبه مع كل ربيع رغم أنه رحل دون أن يقول له كلمة واحدة ولكنه يحلم بعودته كل ربيع «وغاب عنى.. لا كلمنى.. ولا قال امتى راح أشوفه..وأقول يمكن حيرحمنى.. ويبعت فى الربيع طيفه». وهكذا ربطت أغنية ربيع فريد الأطرش بين الربيع والأمل فى عودة الحبيب، أى عودة الحياة وعودة الحب، وهذا هو سر أسرار الربيع. وكان للموسيقى دور فى هذا الخلود، فموسيقى فريد الأطرش كانت مفعمة بالحياة والقوة والسحر تماماً مثل الربيع.. ولهذا خلدت أغنية فريد وهزمت أغانى عمالقة الغناء.