كانت مراحل حياته وتحركاته مثارا للجدل بين فلسطين واسرئيل وبين االفصائل الفلسطينية نفسها خاصة عندما تزوج من المترجمة الحسناء "سها" والتى تصغره ب34 عاما. انطلق ياسر عرفات او "أبو عمار" من رحم المقاومة كرمز لحركة النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال، ولد في القاهرة كسادس طفل لأسرة فلسطينية، والده كان تاجرا للاقمشة، وعندما توفيت والدته "زهوة" وهو فى الرابعة من عمره، تم إرساله مع أخيه فتحي إلى القدس للاقامة لدى أقارب لهم في حارة المغاربة، ثم إلى أقارب أبيه عائلة القدوة في غزة، وبقى هناك حتى سن السادسة. وعندما تزوج والد عرفات بامرأة ثانية، عاد الرئيس الراحل للقاهرة وتولت أخته أنعام رعايته حتى أنهى تعليمه المتوسط ، واكتسب اللهجة المصرية التي لم تفارقه طيلة حياته. كان فى صباه يزور بعض الفلسطينيين المنفيين فى القاهرة ويتواصل معهم عن قرب، واثناء دراسته الهندسة فى جامعة الملك فؤاد (القاهرة حالياً)، تطوع في إحدى فرق الإخوان المسلمين التي حاربت في غزة، وفي حرب 1956 تجند في الوحدة الفلسطينية العاملة ضمن القوات المسلحة المصرية برتبة رقيب، وبعد تسريحه هاجر إلى الكويت وعمل كمهندس. اتخذ ياسر عرفات لنفسه، صورة الاب الحامل على كاهله مسؤولية القضية الفلسطينية وهمومها، ومن هنا اكتسب لقب "أبو عمار"، وترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969 كثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة ، وكان القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات داخل المنظمة، كرس حياته للمطالبة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقاد هذا الكفاح من عده بلدان عربية بينها الأردن ولبنان وتونس، صنع بنفسه أهم تحول سياسي في حياته عندما قبل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بعد انعقاد مؤتمر مدريد بحل الدولتين، حيث دخل بموجبها في مفاوضات سرية مع اسرائيل نتج عنها توقيع اتفاقية أوسلو والتي أرست قواعد سلطة وطنية فلسطينية في الأراضي المحتلة . كانت لعرفات شخصية متميزة، فقد حرص على ارتداء الزي العسكري وفى حزامه مسدس، وحول رقبته الكوفية الفلسطينية وطوال سنوات كفاحه الفلسطينى عبر منظمة التحرير وحركة فتح رفض فكرة الزواج، واعتبر فلسطين زوجته وهمه الحياة، لذلك رفض كثير من الفلسطينيين حقة الطبيعى فى عندما فاجآهم بزواجه عام 1990 بسكرتيرة مكتبه ومترجمته السيدة سها الطويل المسيحية الديانة، وكان عمرها 27 عاما، بينما كان عمره 61 عاما، ولم يكن اعتراض الفلسطينيين على فارق السن فقط، لكن لعدم الموائمة فى المركز والديانة، لكنه حبة للحسناء سهى انتصر، وكان ثمرة زواجه "زهوة" التى حملت اسم والدته. وكان ظهور عرفات بمظهر المتواضع والمتقشف يثير اللغط فى أوساط إسرائيلية وغربية حول ثروته وأرصدته في البنوك، وتوجهت له اصابع اتهام لم يثبت صحتها، انه كان يتحصل لنفسه على جزء من أموال الدول المانحة، وعندما توفي عرفات أوصى لزوجته سها بأمواله وكانت قد غادرت قطاع غزة لتعيش في الخارج . وتدنت شعبية عرفات أثناء رئاسته للسلطة حيث مع توجيه اتهامات تتعلق بالفساد وسوء الإدارة الأمنية والمالية والمدنية والمؤسساتية، كما عارضت حركة حماس اتفاقية اوسلو التى ابرمها فأزداد العنف والعنف المضاد وارتكبت عدة عمليات انتحارية أسفرت عن مقتل كثير من الإسرائيليين، ورغم شجب عرفات واستنكاره لهذه الأعمال حمله رئيس الوزراء الإسرائيلي "أريل شارون " مسؤلية هذه العمليات ، ومنعه من مغادرة رام الله. وحاصرته اسرائيل فى 29 مارس عام 2002 داخل مقر اقامته مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية ، وبقى عرفات صامدا في مقره تحت الرصاص الاسرائيلى ،وتوافد بالمقاطعة مئات المتضامنين الدوليين المتعاطفين معه ، لكن الرئيس الامريكى جورج بوش مارس الضغوط عليه للتناول عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء محمود عباس ، ولكن عباس سرعان ما استقال وتولى المنصب أحمد قريع. وفي يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، فقد أصيب عرفات بمرض في الجهاز الهضمي، وعانى من تدهور نفسي وتم نقله بمروحية للأردن ، ثم لمستشفى بيرسي في فرنسا ، وفشل الاطباء فى انقاذه ، واعلنت وفاته فى 11 نوفمبر 2004 ، واعيد جثمانه ليدفن في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه عبر القاهرة، حيث رفضت اسرائيل دفنه فى القدس وفقا لرغبه عرفات قبل وفاته ، وتضاربت الأقوال حول اسباب وفاته بين اغتيال بالتسميم أو بإدخال مادة مجهولة إلى جسمه، الا ان الأطباء الفرنسيين الذى اشرفوا علا رعايته حتى لحظة موته نفوا وجود اى مواد مسممه بجسده ، والان تأتى مطالبة ارملته الحسناء " سها " باستخراج جثته لفحص بقاياها ، وتحديد اسباب الوفاة مفاجئة للجميع حيث تقول انه تم العثور على بقايا مواد مشعة من " البولونيوم" السام فى ملابسه ، التوقيت مثير جدا للتساؤلات ، فالخلافات بين والتوتر تجدد داخل حركة فتح التى كان يتزعمها ياسر عرفات ويرأسها الان الرئيس الفلسطينى محمود عباس ، كما ان الخلافات ايضا متفجرة بين عناصر حركة حماس نفسها التى تسيطر على قطاع غزه . وفتح هذا الملف موافقة السلطة الفلسطينة على استخراج الجثة ، انما من شأنه فتح نيران اتهامات واثارة بلبلة داخل صفوف الفلسطينيين انفسهم ، فمن المخيف تصور ان عرفات تم بالفعل اغتياله ، والاكثر رعبا تصور ان خطة اغتياله تورطت فيها اطراف فلسطينية ولو بالتواطؤ او حتى الصمت ، فهذا من شأنه اليعصف بأى جهود مبذولة الان للوحدة الوطنية الفلسطينية ، وثبوت تورط اسرائيل فى هذه الجريمة ان كانت قد وقعت سيعيق الخطوات التى يسعى اليها محمود عباس من اجل السلام واعلان دولة فلسطينية ، انه توقيت غريب وحساس ، ولا يعتقد اى محلل سياسى او مراقب للوضع الفلطسينى ان تفجير تهمة اغتيال عرفات فى هذا التوقيت وبعد صمت 8 اعوام نوعا من المصادفة ، بل اعتقد انه توقيت مدروس ، ويتوجه لصالح جهة ما ، ولكنه بالطبع لا يتوجه لمصلحة الفلسطينيين او نوايا اعلان الدولة . السلطة الفلسطينية تطالب الان بتشكيل محكمة دولية للتحقيق فى وفاة عرفات على غرار محكمة لبنان فى لاهاى التى تحقق فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى عمر الحريرى ، ولكن هل نبش القبر وفتح الاتهام سيكون فى مصلحة فلسطين ام فى مصلحة اطراف اخرى ترى انه ان اوان التغيير فى السلطة الفلسطينية لتلحق بركب التغييرات فى دول ثورات الربيع العربى .