غدًا.. دينية النواب تستكمل مناقشات قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    خوفا من الإلحاد.. ندوة حول «البناء الفكري وتصحيح المفاهيم» بحضور قيادات القليوبية    وزارة التخطيط: 13.8 مليار يورو استثمارات البنك الأوروبي في مصر (إنفوجراف)    زراعة الشيوخ توصي بسرعة تعديل قانون التعاونيات الزراعية    قوات الاحتلال تشن غارة جوية على منطقة البقاع في لبنان    سفير العراق يشيد بدور مصر فى دعم العراق.. ويؤكد: نسعى لبناء عاصمة إدارية    محمود عاشور وحسام عزب حكما تقنية الفيديو لمباراة غانا والسنغال    الرئيس عبد الفتاح السيسي يصل مقر بطولة العالم العسكرية للفروسية رقم 25 بالعاصمة الإدارية "بث مباشر"    عاد من الاعتزال ليصنع المعجزات.. كيف انتشل رانييري روما من الهبوط؟    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 7 سنوات ل 3 متهمين تسببوا في وفاة شخص بحقنة برد في المقطم    تصل ل 40.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة غدًا وخلال الأيام المقبلة في مصر    الإعدام للمتهم بقتل والدته خنقا بالقليوبية    محمد محمود.. طفل الشاشة العجوز!    ابرزهم هند عاكف وهالة سرحان.. نجوم الفن يساندون كارول سماحة في عزاء وليد مصطفى    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    صحة الشرقية: جميعة يتفقد وحدة عوض الله حجازي بالزقازيق    محافظ سوهاج يفتتح المبنى البديل لمستشفى المراغة المركزي لحين الانتهاء من المستشفى الجديد    «لسنا على مستوى المنافسة».. تعليق مثير من لاعب إنتر ميامي قبل مواجهة الأهلي    يديعوت أحرونوت: 4 مليار دولار تكلفة توسيع إسرائيل للحرب في غزة    محافظ السويس يشهد ندوة وجعل بينكم مودة ورحمة لتوعية الشباب بأسس تكوين الأسرة    يونيسيف: قطاع غزة ينهار والأطفال والنساء يموتون جوعا    "الرعاية الصحية" تنظّم فعالية عن الوقاية من الجلطات الوريدية في مرضى الأورام    عقب زيارة «زيلينسكي».. التشيك تعلن دعم أوكرانيا بالذخيرة والتدريبات العسكرية    وفاة نجم "طيور الظلام" الفنان نعيم عيسى بعد صراع مع المرض    لاوتارو يعود للتدريبات قبل موقعة برشلونة وإنزاجي يترقب حالته النهائية    «جبران»: تصديق الرئيس السيسي على قانون العمل في عيد العمال قرار تاريخي    وزير العمل: وقعنا اتفاقية ب10 ملايين جنيه لتدريب وتأهيل العمال    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني| صور    أيرلندا تحذر من توسيع إسرائيل حربها على غزة: ما يتعرض له الفلسطينيون مقزز وعديم الرحمة    محافظ المنوفية: تعزيز منظومة إنتاجية القطن والارتقاء به    مصر تحصد 62 ميدالية بالبطولة الأفريقية للمصارعة بالمغرب وتتصدر كؤوس المركز الأول    وصلت لحد تضليل الناخبين الأمريكيين باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي.. «التصدي للشائعات» تناقش مراجعة وتنفيذ خطط الرصد    الغرف السياحية: التأشيرة الإلكترونية ستؤدى إلى زيادة كبيرة في أعداد السائحين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم 5 مايو    جانتس: التأخير في تشكيل لجنة تحقيق رسمية بأحداث 7 أكتوبر يضر بأمن الدولة    حزب المؤتمر يدعو لتشريعات داعمة للتعليم الفني وربط حقيقي بسوق العمل    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    وضع السم في الكشري.. إحالة متهم بقتل سائق وسرقته في الإسكندرية للمفتي    محافظ كفرالشيخ: استمرار فعاليات اليوم التاسع من دورة الICDL بمركز استدامة بمشاركة 18 متدربا من الخريجين    سفيرة الاتحاد الأوروبي ومدير مكتب الأمم المتحدة للسكان يشيدا باستراتيجية مصر لدعم الصحة والسكان    حقيقة تعثر مفاوضات الزمالك مع كريم البركاوي (خاص)    الرئاسة الروسية: سننظر إلى أفعال المستشار الألماني الجديد    وزير التعليم العالي يُكرّم سامح حسين: الفن الهادف يصنع جيلًا واعيًا    «اللعيبة كانت في السجن».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على كولر    انهار عليهما سور جنينة.. الصور الأولى من موقع مصرع شقيقتين في قنا    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    وزارة الصحة تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى زايد التخصصي    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    «غير متزن».. وكيل «اتصالات النواب» تعلن رفضها صيغة مشروع قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    مقتل شاب على يد آخر في مشاجرة بالتبين    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خير الخطائين التوابون
نشر في الوفد يوم 15 - 03 - 2011

انتظرت وانتظر معي لسنوات طويلة كل المصريين أن يأتي يوم الخلاص، لنبدأ عهدا جديدا يحاسب فيه المخطئ، ويثاب المجيد أو المحسن على ما قدمه.. وفي الخامس والعشرين ومع إندلاع ثورة الغضب، فرحنا جميعا، وتمنيت وتمنى معي كل مصري أيضا أن يبدأ فورا حساب كافة المفسدين، وأن يقتص منهم على الملأ، لنشفي غليل ثلاثين عاما، فدولة الظلم كان عمرها طويلا، والجرح غائر، ولن يندمل إلا ونحن نرى كل الفاسدين وقد تعفنت أجسادهم بعد تعليقها في ميادين عامة ليكونوا عبرة لغيرهم.
لكن.. وبعد اقتراب الثورة من إنهاء شهرها الثالث، وجدتني لا أقرأ أو أطالع إلا اتهامات متبادلة بين المصريين، لنبعد تدريجيا عن روح عشناها لثمانية عشر يوما، وبدلا من استغلال قوة الدفع الكبيرة التي أوجدتها الثورة بيننا، رجعنا خطوات كثيرة للوراء، وبدلا من الاحتفاظ بالأخلاق التي استردها المصري، عدنا مجددا إلى "خانة الصفر"، وانصرفنا عن التخطيط للمستقبل، وتحقيق الأهداف، فأصبحنا نعيش يوميا حروب كلامية طاحنة، ولم يسلم من الاتهامات الكثيرين، وتباينت لائحة الاتهامات من الخيانة إلى استباحة دماء الإبرياء، واستغلال المنصب والسلب والنهب.. وما أسهل إلقاء التهم في زمن تصعب فيه الرؤية، ونشك في كل من حولنا بل أصبحنا نشك في أنفسنا.
وقبل أن أتهم بتغير وجهتي، أؤكد أنني مازلت أولي وجهي صوب قبلة كل المصريين، ولم أتراجع عن موقفي ضد دولة الفساد التي ترعرت وكبرت في عهد مبارك وبطانته، لكن استوقفني أمران مهمان، الأول حديث المستشار جودت الملط إلى قناة الحياة منذ عدة أيام، فهذا الرجل الذي يشهد له تراب مصر بالنزاهة والشرف والجهاد والصمود في وجه عتاة الفساد، وجد نفسه متهما، والمطلوب منه أن يثبت ولائه وعدم خيانته للأمانة.
المستشار الملط الذي كان يحارب بسيف من خشب في وقت لم يجرؤ فيه أي من أشاوسة الكلمة على التفوه بلفظ ضد النظام السابق، وبسيفه الخشبي هز عرش الفساد في أوقات كثيرة، ولم ييأس، ولم يمل، فهو إمام الصابرين، وواصل إلى أن جاء يوم النصر، وكأنه كان يعلم أن النصر آت لا محالة، ليضاعف من عمله، ولتزداد قوته، ليكشف لنا عن خبايا دولة مبارك للفساد.
فهل يستحق هذا الرجل المجاهد، والذي لا يملك سوى راتبه وبيته المتواضع بعد عمر أفناه في خدمة العدالة والوطن أن نتهمه في ذمته؟.. فمن يسترد له حقه المسلوب سواء في عهد دولة الفساد أو بعد أن تحقق النصر؟.. وهل جزاء الإحسان، الإهانة والمهانة؟
لا أعتقد أن المستشار الملط من الرجال الذين قد نشك فيهم ولو للحظة واحدة، فتاريخه كفيل بالرد على كل من كتب ضده، ولا نعتقد أيضا أنه قد أهين، بل العكس، فقد زاد احتراما، خاصة بعد حديث الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء إليه واعتذاره له نيابة عن الشعب، ومطالبته بمواصلة الجهاد.
الأمر الآخر الذي استوقفني، الاتهامات المتبادلة بين كافة طوائف وتوجهات وملل الشعب، سواء كان هذا بطريقة مباشرة أو بتلميحات خبيثة، وأنصرفنا جميعا، بمن فيهم كاتب هذا المقال لكشف الخونة والعملاء، وأي كان الجرم الذي ارتكبه، لابد وأن يقتص منه، ولا يهم حجم ونوعية الجرم، المهم أن نشفي غليلنا، ويجب علينا القضاء على كل من تعامل مع النظام الفاسد من قريب أو بعيد، بل وصل الغل لدى البعض أن ساوى بين المشارك أو المسؤول عن موقعة الجمل والتي راح ضحيتها شهداء عدة، وبين أي شخص ألقى التحية على مبارك أو أي من أعوانه.
وتصاعدت الحروب الكلامية.. وإلقاء التهم دون سند أو دليل أصبح السمة الغالبة بين الجميع.. وبدلا من أن نبدأ في البناء، رأينا وجوه كثيرة جديدة ظهرت على الساحة في غفلة من الزمن، باعتبارهم من صناع الثورة، وفي المقابل خرج علينا قياديوا وأعوان الحزب الوطني وعملاء أمن الدولة لشن هجوم مضاد على الثورة، وأصبح الإعلام في أحيان كثيرة ساحة للحروب القذرة، يتهم فيها الشرفاء، ويمتدح عبرها أئمة الفساد.
وسؤالي هنا.. هل وصلنا بالثورة إلى مبتغاها؟.. وهل أرواح الشهداء أزهقت من أجل التشفي في مبارك وأعوانه؟.. وهل اكتفينا بالثأر وغضضنا الطرف عن مستقبل الحبيبة مصر؟.. وإذا كانت الثورة قامت لاسترداد الحرية المسلوبة، فلما التعامل بسياسة الرأي الواحد المتعنت.. أو من يخالف رأيي فهو عدوي؟.. ومن سيبني ويطور إذا كنا قد انصرفنا جميعا للعمل كمحققين أو قضاة نطالب بالقصاص حتى من مصر.. وأخيرا هل لو كان شهداء يناير بيننا الآن لكانوا تمنوا الشهادة من أجل حالة الفوضى العارمة التي نعيشها حاليا؟
وأكرر هنا.. أدعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور شرف للاستمرار في كشف دولة الفساد ومحاسبة كل من يثبت تورطه في خيانة البلد، والثأر من كل الأيادي الملطخة بدماء الأبرياء؟
لكن هل من المنطق أن ننصرف جميعا للبحث عن الفاسدين وترك ميادين البناء والعمل.. ولمصلحة من ما نراه الآن.. فهل حالة الفوضى الحالية من بين مخططات الثورة المضادة للدخول بمصرنا الحبيبة إلى نفق مظلم لا يعلم خباياه إلا الله.. وهل من العدل مساواة الاتهامات بين عامل أو موظف بسيط قدرت له الظروف أن "يسترزق" من نظام الفساد لسد جوع من يعول، وبين فسدة بحجم أحمد عز والمغربي وجرانة وصفوت الشريف وزكريا عزمي؟
ولتوضيح هذا الأمر، تعالوا معي نستعرض فئات الشعب المصري قبل وبعد الثورة، سنجدهم ثلاث فئات في الحالتين، الأولى هي فئة الصالحين، وهم قلة في عهد الفساد، وزادوا قليلا بعد الثورة، والثالثة فئة الشياطين، وهي المجموعة الأكبر حجما نسبيا من فئة الصالحين، واستفادت كثيرا من النظام الفاسد وأياديها ملطخة بالدماء، وإلى الآن تفوق عدد الفئة الاولى، أما الفئة الثانية، فتمثل المنطقة الوسطى، وأغلب منتسبيها كانوا من الحائرين بين الفئتين، إلا أنهم أضطروا في أحيان كثيرة للإنجراف باتجاه الفئة الثالثة، لأسباب كثيرة، من بينها ضعف النفس البشرية، أو صعوبة الحصول على رزق كريم، وأمور اخرى كثيرة زرعها نظام مبارك لتطليخ أكبر عدد ممكن من البسطاء بالعار وتجنيدهم كعسكري صف في الفئة الثالثة.
إذا.. هناك من أجبر على الدخول إلى منطقة الفساد، ونعلم أنه يجب محاسبته، بدليل أن هناك من قاوم وحارب مغريات الفاسدين، وظل على موقفه، وقاوم ظروف صعبة، ليخرج من هذه المعركة بيديه ناصعة البياض، ولم تلوثها أموال الفساد.. لكن هل يستوي غالبية منتسبي الفئة الثانية، مع أعضاء الفئة الثالثة.. بل هل يستوي منتسبي الفئة الثانية فيما بينهم.. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالعفو ومنح فرص التوبة، فلما لا نطبق شرع الله في من أجبر على الدخول إلى هذه الفئة، وإذا كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد قال كما روي عنه في حديث شريف "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، أو كما قال سيدنا عيسى أبن مريم عليهما السلام "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر".. فهل نحن جميعا بلا أخطاء، وإذا كان الخطأ يزول بمجرد التوبة والرجوع إلى الله والندم على ما بدر، فأين المغفرة.. بل هل يجرؤ أحد منا على قذف السيدة العذراء بحجر؟!
من المؤكد أن الذنوب لا تتساوى، وأيضا باب التوبة مفتوح لمن يحملون آثام بسيطة يمكن غفرانها طالما هناك نية صادقة للرجوع عن الخطايا والعزم على السير في ركاب الصالحين، وبدلا من أن نواصل شن هجوم على كل موظفي وعمال الدولة، فلما لا تقبل توبتهم ويمنحون فرصة جديدة للتعايش، فكما أجبروا على العيش في مناخ الفئة الثالثة، من المؤكد أنهم سيتعايشوا مع فئة الصالحين إذا كان المناخ مهيئا لذلك، ومن المؤكد أنهم لن يفكروا في الرجوع إلى الشيطان، فذنوبهم يمكن غفرانها.. والأهم من ذلك، هل من الصالح ترك ساحة البناء والتعمير وإعادة التأهيل خاوية على عروشها بدون سواعد تعمل على تحقيق الأحلام؟.. أو أن يتفرغ أهل مصر للمحاسبة والقصاص.. ونؤكد مجددا أن فتح باب التوية لا يعني قبول توبة الشياطين.. فالشياطين لا عهد لهم ولن تقبل توبتهم حتى ولو كانوا صادقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.