كأن هناك من يريد العودة بالصحافة إلى عصر الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى.. وهم يتناسون أن فى مصر ثورة، وأن الذين أسقطوا نظام مبارك وحزبه وريث الاتحاد القومى الذى استولى على الصحافة المصرية عندما تم تأميمها فى مايو 1960. وهؤلاء يريدون إعادة الصحافة إلي عصر سيطرة الدولة على كل الصحافة، التي كانت موجودة وقتها.. وبسبب استيلاء الاتحاد القومى على الصحف المصرية وقتها.. فقدت الصحافة المصرية ريادتها فى المنطقة وتركت الساحة للصحافة اللبنانية. والحقيقة أن سيطرة الدولة علي الصحف المصرية وقتها كانت مقدمة لتسخيرها لخدمة النظام، أى خدمة نظام الحزب الواحد.. ولكن سبقت هذه المحاولة، محاولة أخرى حدثت عام 1954 عندما تقدم الصاغ صلاح سالم وزير الارشاد القومى «الاعلام» وقتها بمشروع للفصل بين ملاك الصحف وبين محرريها فى نقابتهم التي كانت قد تكونت قبل ذلك بحوالى 10 سنوات.. وحتى يرغم الصحفيين زمان على إرادته نشر عدة أخبار عن المصاريف السرية التى كان يحصل عليهم بعضهم من القصر الملكى قبل الثورة.. ومن وزارة الداخلية التى كانت تشرف علي الصحافة إداريًا ورسميًا.. من خلال إدارة المطبوعات.. وللأسف شملت قوائم هذه المصروفات السرية بعض كبار الصحفيين، أحجب أسماءهم تعففًا. واستغل نظام عبدالناصر بعض سلوكيات الصحف أيامها مثل ما قيل عن انحرافات بعض قضاة المحاكم الشرعية وأشهرهم الشيخان سيف والفيل. ثم ما كانت تنشره بعض الصحف عن حكايات نجمة المجتمع الشهيرة تاتا زكى. وتم تأميم الصحف المصرية تحت اسم «تنظيم الصحافة» وتحول كل الصحفيين إلي موظفين لدى التنظيم السياسى الذى اختلفت مسمياته من الاتحاد القومى إلي الاتحاد الاشتراكى إلي حزب مصر إلى الحزب الوطنى، ولم يكن يسمح فى زماننا لأى انسان بأن يعمل بالصحافة دون أن يكون عضوا فى هذا.. الاتحاد القومى.. وتحت مسمى ملكية الشعب لكل الصحف الكبرى سيطر الحزب الحاكم على الصحافة المصرية.. وتحولنا كلنا إلى موظفين لدى هذا التنظيم السياسى، الذى كان يتحكم فى مصير كل الصحفيين الذى كان أيضًا يتولى تعيين رؤساء مجالس إدارات هذه الصحف وأيضًا رؤساء التحرير بها.. وعاشت الصحف كلها فترة من أسوأ فتراتها.. وكان رئيس مجلس الشورى وهو فى نفس الوقت رئيس المجلس الأعلى للصحافة يعلن الأسماء التي قرر النظام دخولها إلي جنة منظومة الحكم فى مصر.. بل وامتدت أصابع السلطة والنظام الحاكم إلي نقابة الصحفيين ولم يكن ينجح نقيبًا لنا إلا مرشح النظام الذى كان يهبط علي النقابة مدعمًا بوعود السلطان ببعض المزايا المالية. وتحولت الصحف الكبرى إلي وليمة تحت يد السلطان. وتحت يد الحزب الحاكم الذى كان يسيطر علي مجلس الشورى وسمعنا حكايات وحكايات عن عمولات حصل عليها البعض سواء لشراء المطابع أو عمليات التطوير .. وعاش العديد منهم سنوات لم يتحركوا من مقاعدهم. حتى فوجئنا بقرارات تعيين رؤساء مجالس ورؤساء تحرير لهذه الصحف من خلال لجنة السياسات التى كان يديرها البرنس جمال مبارك ووجدنا بعض كبار صغار الصحفيين يحتلون معظم هذه المناصب، ليقودوا التيار الجديد الداعى والمروج لعملية توريث السلطة.. وهم آخر مسئولين عن الصحافة فى السنوات الأخيرة من حكم حسنى مبارك وهم الذين دقوا المسامير الأخيرة فى نعش النظام السابق كله.. وقامت الثورة.. وتغيرت مصر.. ولكن مجلس الشورى الذى لا سلطة له يريد أن يواصل نفس أسلوب الحزب الوطنى.. فيتحكم فى مصير المهنة، ومصير الصحفيين أنفسهم. وكأن هذا المجلس الذى نجح بنسبة 10٪ من أصوات المصريين يريد أن يرث الحزب الوطنى السابق.. ولكنه لم يتعلم ولم يتعظ فأراد أن يكرر مع الصحفيين نفس ما كان الحزب السابق يمارسه معها ومعهم. ولقد كنت أحد شيوخ الصحافة الذين دعاهم مجلس الشورى خلال لجنة الإعلام والثقافة للاستماع إلى رأيهم فيما يقترحون من نظام.. وللحقيقة أننى وكلمتى مسجلة فى المجلس رفضت فكرة انتخاب رؤساء التحرير لأن نظام الانتخابات يجعل الشخص عبداً لمن اختاره.. وليس بالانتخاب يتم اصلاح حال مهنة الصحافة.. وقلت إن مصطفى وعلى أمين وأحمد بهاء الدين وموسى صبرى والحمامصى والتابعى لم يتولوا وغيرهم مناصبهم بالانتخاب.. ولكن من يحاولون اليوم السيطرة على هذه الصحف إنما يحررون شهادات وفاة كل هذه الصحف، خصوصاً أن الصحف القومية وحدها لم تعد هى سيدة الميدان ويكفى أن نشير إلى ديون هذه الصحف التى تحسب بالمليارات إنما تراكمت بسبب سوء إدارة هذه الصحف تحت إشراف مجلس الشورى هذا. وأن يجىء هذا المجلس الآن ليحاول فرض سيطرته على الصحافة فإنما يكرر هذه المأساة.. والأهم يحكم عليها بالإعدام.. ويبدو أن هذا لا يهم.. المهم هو أن تستمر سيطرة الحزب الحاكم الجديد على مصير الصحافة والصحفيين. وهذا ما لن يتحقق أو يتكرر مرة أخرى. لقد دارت عجلة الثورة.. ويستحيل أن تتوقف، ولو كره أعضاء الحزب الحاكم الجديد.