هل انتهت معركة انتخابات الرئاسة بإعلان النتيجة الرسمية؟ سؤال مطروح الآن وبقوة، ومن يطرح هذا السؤال عينه علي عدد من القضايا مازالت غامضة وقضايا لم يتم حسمها. هذه القضايا جزء منها في المحاكم وجزء اخر تحت تصرف النيابة العامة وجزء ثالث تحت يد لجنة انتخابات الرئاسة. واعتقد ان اخطر هذه القضايا هو قضية تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة عشر.. والعشرة المستبعدين، وهي قضية تحتاج إلي تحقيق مستقل وليس بواسطة النيابة العامة التي التمس لها العذر في البطء الذي تسير فيه كل القضايا بسبب الكم الهائل من البلاغات المطروحة عليها حتي انه اصبح من الصعب حصرها، ولكن توجد بلاغات خاصة بالمخالفات الانتخابية التي مارسها كل المرشحين وقضية البطاقات المسودة من المطابع الاميرية، وهي البلاغات المحالة من لجنة الانتخابات وهي بلاغات جادة لانها من الجهة المهيمنة علي انتخابات الرئاسة، و يجب الإسراع بالتحقيق في كل هذه البلاغات فوراً وبسرعة. ولكن القضية الأخطر هي تمويل الحملات الانتخابية وهي قضية لا تحتاج الي أعضاء النيابة ولكنها تحتاج الي لجنة مستقلة من القضاة والخبراء وأجهزة الرقابة والتحريات.. لأن ما صرف علي الانتخابات الرئاسية فاق العشرين مليار جنيه وفق تقديرات أولية خصوصا ان اغلب المرشحين اشتكوا من ارتفاع سعر الإعلانات التلفزيونية ولكن هي جزء صغير مما صرفوه من أموال طائلة. ووفق تقارير مراقبة الانتخابات المحلية فقد تم رصد مئات الوقائع لاستخدام الرشاوي المالية واستخدامها بشكل أوسع في الإعادة من جانب المرشحين «مرسي» و«شفيق» وكذلك استخدام الآلاف من «التوك توك» لنقل الناخبين إلي اللجان الانتخابية بعد التشدد في استخدام السيارات، ودفعت مبالغ كبيرة لسائقي «التوك توك» للقيام بهذه المهمة في القري والمدن والمناطق العشوائية بجانب توزيع الأغذية وكراتين الزيت والسمنة والسكر وكوبونات أنابيب البوتجاز وخلافه وهذه الوقائع كلفت المرشحين أمولا طائله وهو ما يجعلنا نسأل وبوضوح من أين لهؤلاء المرشحين بهذه الأموال الطائلة ومن الذي تبرع بها ولماذا؟ فالرشاوي الانتخابية استخدمت بصورة كبيرة وواسعة كما رصدها المراقبون ويهمس بها المواطنون فكيف يمكن ان نأمن لرئيس نجح بهذه الطريقة.. وكنا قد حذرنا قبل الانتخابات البرلمانية من التمويل السياسي وتدخل دول عربية لتمويل مرشحين بأعينهم وطالبنا وقتها المجلس العسكري ان يقر قانونا للإنفاق الانتخابي والزام كل مرشح بالإعلان عن حجم تمويل حملته ولان لا أحد يريد إصلاحا حقيقيا تم تجاهل الاقتراح. فشهدنا انتخابات برلمانية صرفت فيها مليارات الجنيهات وبعدها انتخابات رئاسية صرفت فيها مبالغ اكبر خصوصا وان عددا كبيرا من المرشحين بدأ حملته الانتخابية فور تنحي الرئيس المخلوع وطالبنا منهم ان يعلنوا من أين لهم بهذه الأموال حتي اننا قلنا ان أقل مؤتمر انتخابي يكلف 50 ألف جنيه علي الأقل.. فراشة وكراسي.. وأقل مرشح منهم عقد قبل الانتخابات 100 مؤتمر انتخابي ولا ننسي المرشحين المستبعدين فلابد ان يشملهم التحقيق ان أردنا ان نرسي مبادئ الديمقراطية للاجيال القادمة. وان كان الرئيس محمد مرسي حريصا علي مكافحة الفساد فعليه ان يبادر قبل أداء القسم ان يعلن حجم التمويل الذي صرفه في انتخابات الرئاسة مع العلم انه من الذين التزموا بالمواعيد القانونية للتقديم للانتخابات ولم يمارس الدعاية كغيره قبل الهنا بسنة كما يقول المثل الشعبي. وإعلان الرئيس «مرسي» رسالة منه انه جاد في محاربة الفساد واقرار مبادئ الشفافية والنزاهة وهي مبادئ مستمدة من شرعنا الإسلامي أي ان مرجعية الرئيس الإسلامية تلزمه بأن يعلن للناس من أين له هذا؟ حتي يكون قدوة لباقي المرشحين الآخرين. والغريب ان قانون انتخابات الرئاسة سكت عن قضية تمويل الحملات وتركها للجهاز المركزي للمحاسبات الذي لم يقدم تقريره حتي الآن عن انتخابات 2005 المزورة، وهو جهاز أصبح من الأجهزة التي تحوم حولها شكوك بالمشاركة في الفساد طول السنوات الماضية، وقانونه يخالف المعايير الدولية لقوانين أجهزة الرقابة والمحاسبة المالية في العالم والتي وضعتها المنظمة الدولية لأجهزة المراقبة والمحاسبة «الانتوساي». بجانب ان البنوك لن تعلن وفق قانون سرية الحسابات عن حجم الإيداعات التي أودعت في حسابات المرشحين خصوصا وان الحساب فتح بعد قبول الأوراق ولكن هناك أموالا صرفت بدون فواتير أو حسابات مثبتة لكنها واضحة وهي تفوق ما صرف من الحسابات البنكية آلاف المرات. قضية التمويل الانتخابي والانفاق الانتخابي تحتاج إلي تحقيق موسع وسريع حتي يعرف المصريون من أين أتي هؤلاء المرشحون بالأموال الطائلة التي صرفوها وكيف صرفوها لان هذا من حق المصريين إذا أردنا ان نبدأ عهدا جديدا ونؤسس لدولة القانون والحكم الرشيد. وبدون هذه الخطوة سيكون الحديث عن الديمقراطية ومكافحة الفساد والوحدة الوطنية مجرد شعارات رنانة ومن يطلقها هم أول من خالفوا القوانين وأول من انتهك حق المصريين في معرفة مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية. والسكوت عن هذه الأموال الضخمة يلقي بظلال الشك علي شرعية الانتخابات ونزاهتها من البداية للنهاية بجانب ان النيابة العامة لم تبدأ التحقيق في المخالفات الانتخابية التي تصل إلي حد ارتكاب جرائم ولابد ان نشير إلي ان الانتخابات بدأت منقوصة من معيار حق الطعن عليها أما القضاء ومخالفة المبدأ الدستوري الفصل بين جهة التحقيق والاتهام وجه الحكم وهو من المبادئ السامية في جميع دساتير العالم حتي أصبح جزءا من القانون الدستوري الدولي. فحتي ننقذ الانتخابات من عدم الشرعية يجب ان نعمل علي انهاء القضايا والملفات العالقة والمفتوحة علي وجه السرعة حتي نوفر للرئيس الاستقرار في اتخاذ القرارت التي ينتظرها الشعب.