وانج يي ل بلينكن: على أمريكا عدم التدخل في شؤون الصين الداخلية وعدم تجاوز الخطوط الحمراء    توقعات مخيبة للأمال لشركة إنتل في البورصة الأمريكية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 17 مسجداً جديداً    مسؤول أمريكي: واشنطن تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    بداية موجة شتوية، درجات الحرارة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024 في مصر    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة للحرب على غزة    900 مليون جنيه|الداخلية تكشف أضخم عملية غسيل أموال في البلاد.. التفاصيل    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    شعبة أسماك بورسعيد: المقاطعة ظلمت البائع الغلبان.. وأصحاب المزارع يبيعون إنتاجهم لمحافظات أخرى    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    أحمد سليمان يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



م. حسين منصور نائب رئيس حزب الوفد: قبول الآخر.. أبرز إنجازات ثورة 1919
نشر في الوفد يوم 03 - 04 - 2019

سعد زغلول ترك «بصمة مؤلمة» على جبين الإمبراطورية البريطانية
الثورة فجرت القيم الإنسانية الراقية فى أرواح المصريين
الشعب المصرى جمع 2 مليون توكيل عبر شبكة ضخمة تربط الريف بالمدن
العمال والفلاحون والأفندية وصغار الملاك قهروا الخوف من الاحتلال
60 عاماً من الإعلام الشمولى حاولت طمس زعامة سعد زغلول
آثار ثورة 1919 امتدت إلى أيرلندا والهند والعراق والسودان وسوريا
«ثورة 1919 نجحت مع سعد زغلول لأنه كان التركيبة المصرية الوحيدة التى عبرت عن الطموحات والآلام والتوقعات التى يسعى إليها المصريون، لأن سعد زغلول كان يختلف عن الزعماء والقادة الذين سبقوه أو جاوروه، فهو يتميز بمصريته القُحة لأنه ابن الريف المعجون فى الأرض»، هكذا بدأ المهندس حسين منصور نائب رئيس حزب الوفد حواره الذى أكد فيه أن طبقة العمال والفلاحين كانت تئن أنيناً عظيماً وفادحاً وكانت تتوق إلى الخلاص من الأوضاع البالغة السوء، فتعاونت تعاوناً واسعاً مع طبقة الأفندية وصغار الملاك وشكلوا لجانًا فى كل قرية ومركز وهم الذين ساهموا فى الانتهاء من عملية التوكيلات، وكانت هذه هى البروفة الفعلية لأعمال الثورة عندما انفجرت فى كثير من أحداثها.
وأشار نائب رئيس حزب الوفد إلى أن ثورة 1919 فجرت قيماً إنسانية راقية لدى المصريين تمثلت فى العديد من الأفكار والرؤى وأهمها قبول الآخر.. بل إنها فجرت داخل المصريين أفضل ما فيهم من طاقات الإبداع والتطلع للمستقبل وملاحقة التطورات العالمية واستعادة أمجاد وحضارة المصريين.
وأضاف أن ثورة 1919 كانت الانفجار الأول ضد بريطانيا، ولهذا لم تغفر بريطانيا لسعد زغلول أنه قاد هذا الانفجار الذى امتدت شظاياه وآثاره إلى أيرلندا والهند والعراق والسودان وسوريا. وأكد أن سعد زغلول كانت له مواقف صلبة ورؤى عظيمة جداً أثبت التاريخ صحتها وهذا ما جعله زعيم الأمة المصرية، لأن سعد زغلول وقف فى وجه بريطانيا.
وأضاف «منصور» أن سعد زغلول الوحيد الذى استطاع أن يهز عرش هذه الإمبراطورية بقيادته لأعظم ثورة، وفتح الباب أمام الآخرين لكى يتحرروا من سلطتها، واستطاع أن يبث هذه الروح، وأن يدفع الشعب للقيام بهذه الثورة المؤثرة فى تاريخ العالم.
وأشار إلى أن «سعد» أدخل ثورة 1919 فى عتاد الثورات العالمية ذات الآثار العظيمة، ثم إن ارتفاع لهجة المطالبة باستقلال مصر وبمطالبات وطموحات وطنية قومية جاءت متوازية مع انفجار الثورة التركية التى قام بها مصطفى كمال أتاتورك وأيضاً انفجار الثورة البلشفية فكان انعتاق مصر وظهور الوطنية المصرية.
كيف ترى المشهد العام السياسى والاجتماعى والاقتصادى قبل ثورة 1919؟
- مر المشهد العام فى مصر منذ عام 1914 بظروف معقدة فى أعقاب إعلان الحماية على مصر وعزل الخديو عباس حلمى الثانى، وتعيين السلطان حسين كامل سلطاناً على مصر، حيث دخلت البلاد فى سنوات عجاف جديدة استمراراً للاغتصاب والنهب الاستعمارى، حيث كانت تعانى فى أعقاب الثورة العرابية على يد كرومر الذى حولها إلى مزرعة قطن لمصانع لانكشير، مما ترتب على ذلك أن الترع أصبحت مملوءة بالمياه للاستمرار فى زراعة القطن مما أدى إلى ظهور الأنكلستوما والبلهارسيا، ووقع الفلاح المصرى أسيراً لهذه الأمراض التى لم يكن يعرفها قبل 1890، وتم إهمال التعليم الذى أصبح يخرج صغار الموظفين، وتم تسريح الجيش المصرى والزج به فى فرق نظامية فى حروب إنجلترا للسيطرة على السودان.. وعند قيام الحرب العالمية الأولى وفى ظل ارتفاع أسعار القطن تم بيع القطن المصرى واستولى عليه الوسطاء والإنجليز وخسر المزارعون المصريون خسائر فادحة، وارتفعت أسعار الأراضى زيادة كبرى فأصبح صغار المزارعين والمستأجرين يعانون معاناة كبيرة وقد بيع أثاثهم وأصولهم، وأصبحت الأمور المعيشية شديدة الصعوبة والمصانع الأهلية التى أنشئت فى ظل الاحتلال الإنجليزى وتشكلت طبقة من العمال المصريين فى شركات السجائر والصناعات المعدنية الخفيفة، هذا بخلاف عمال شركات الترام، وفى ظل ارتفاع الأسعار ظهرت موجة أخرى من الإضرابات للمطالبة بتحسين الأجور، ولكن الكارثة الأكبر التى عمت على المصريين أنه تم شحن ما لا يقل عن نصف مليون مصرى لفرق العمالة والجمالة لمساعدة قوات الحلفاء فى فرنسا ومالطا وقبرص وحينها ظهرت الأغنية الشهيرة «ولدى يا ولدى السلطة أخدت ولدى»، وكانت تعبيراً عن تراث المصريين، ووصل عدد المختطفين إلى قرابة المليون مصرى، وأصبحت مصر تئن تحت وطأة الحرب العالمية الأولى.
وماذا بعد انتهاء الحرب فى 1918؟
- مع انتهاء الحرب العالمية الأولى أعلن الرئيس الأمريكى ويلسون، عن حق تقرير الشعوب لمصيرها والمطالبة بالاستقلال، وتحول ويلسون وأصبح نبى السلام والحقوق فى العالم بسبب مطالبه باستقلال الشعوب والخلاص من أثار الحرب فضلاً عن أن بريطانيا وفرنسا فى أعقاب تصريحات ويلسون وعدت بإعطاء الشعوب حقوقها لا سيما التى ساعدتهم خلال الحرب مما أعطى مناخًا مستبشراً داخل مصر، وحين وضعت الحرب أوزارها تقدم سعد زغلول وصاحباه إلى المعتمد البريطانى وطالبوه بالسفر إلى مؤتمر الصلح فى باريس ولكنه رفض السماح لهم بالسفر وعرض قضيتهم على المجتمع الدولي، وبدأت سلسلة من الرفض للسفر حتى أنه رفض سفر حسين رشدى رئيس الوزراء أو سفر عدلى يكن وزير المعارف، والأجواء أصبحت سيئة وتساءل المعتمد البريطانى لسعد ورفاقه عن من يمثلون فجاءت الإجابة من شعب مصر بمعركة جمع التوكيلات التى استمرت طوال شهرين.
ولماذا أطلق عليها معركة التوكيلات؟
- كانت عملية جمع التوكيلات معركة مدهشة جداً، لأننا نعلم أن المصريين جمعوا 2 مليون توكيل فى أول أسبوعين من خلال شبكة ضخمة ربطت الريف بالمدينة، وحملت التوكيلات من
أقاصى الصعيد ووجه بحرى إلى القاهرة وهذا الاندماج والتحالف الواسع الذى قام به طبقة الأفندية من أبناء طبقة صغار الملاك ومتوسطى الأملاك حملوا على عاتقهم مهمة جمع التوكيلات وحمايتها وتوصيلها، فضلاً عن مساعدة كبار الملاك وكبار رجال المال الطامحين فى إنشاء صناعة مصرفية وطنية خالصة والتحرر من السيطرة البريطانية على التجارة والصناعة فى مصر، كل هذا صنع مناخاً واسعاً، ولا شك أن شريحة الفلاحين والعمال كانت تئن أنيناً عظيماً وفادحاً وكانت تتوق إلى الخلاص من أوضاعها البالغة السوء، فتعاونت تعاوناً واسعاً مع طبقة الأفندية وصغار الملاك وشكلوا لجانًا فى كل قرية ومركز وهم الذين ساهموا فى الانتهاء من عملية التوكيلات، وكانت هذه هى البروفة الفعلية لأحداث الثورة عندما انفجرت بعد ذلك فى إضراب العمال اعتراضاً على لجنة ملنر فيما بعد.
ولماذا انفجرت ثورة 1919 تحت قيادة سعد زغلول ونجحت معه؟
- ثورة 1919 نجحت مع سعد زغلول لأنه هو التركيبة المصرية الوحيدة التى جاءت فى ذلك الوقت لتعبر عن الطموحات والآلام والتوقعات التى يسعى إليها المصريون، لأن سعد زغلول كان يختلف عن الزعماء والقادة الذين سبقوه أو جاوروه، فهو يتميز بمصريته القُحة لأنه ابن الريف المعجون فى الأرض والذى تعلم تعليماً أزهرياً على يد الشيخ محمد عبده، والشيخ جمال الدين الأفغانى، وشارك فى الثورة العرابية، واحتجز لفترة ثم أطلق سراحه بعد انتهاء الثورة، وفى ذات الوقت حصل على ليسانس الحقوق الفرنسى وتعلم الفرنسية فى سن الأربعين ونال الليسانس 1898، واختلط بالنخبة الحاكمة فى صالون نازلى فاضل مما جعله متعرفاً على تعاملات ورؤية الطبقات العليا، وفى نفس الوقت هو من الريف ومتداخل بين الطبقات المتوسطة والفقيرة، وهو فى هذا يختلف عن مصطفى كامل الذى تمتع بثقافة غربية كاملة وكان يمتلك مشاعر رومانتيكية طبقاً لبنيته الثقافية وخبرته العمرية، فكان يمتلك الحس الرومانتيكى الذى تحطم على صخرة اعتماده على الدول الخارجية سواء فرنسا أو المقام العالى للسلطان أو الخديو، وكذلك فإن سعد زغلول يختلف أيضاً عن عدلى يكن، وإسماعيل صدقى، وعبدالخالق ثروت، فهؤلاء الذين أتموا تعليمهم فى إنجلترا وأدركوا حجم الهوة الواسعة بين ما وصل له الغرب وبين أحوال المصريين، مما أكسبهم شعوراً عظيماً بالانسحاق تجاه الغرب، وعدم القدرة على مجابهته والحرص على نيل الفتات كيفما يستطيعون اللحاق به، وعلى هذا فإن سعد زغلول بتركيبته الشخصية كان بالفعل الرجل المنتظر حتى تتعلق به آمال المصريين فى أن يقود ثورتهم وانفجارهم نحو الغد الأفضل ونحو وطن مستقل ودولة مصرية للمصريين، فمصر التى انتقلت للدولة الحديثة على يد محمد على مرت بظواهر ومراحل متعددة إلى أن خلصت إلى الوصول إلى الدولة المصرية الحديثة على يد سعد زغلول وثورة 19، وليست الدولة التابعة للخلافة ولا التابعة للسلطان العثمانى.
ما الدروس التى أعطتها ثورة 1919 للمصريين؟
- أبرز هذه الدروس المستخلصة من ثورة 1919، هى أن التنظيم كان له دور فاعل وبالغ الأهمية فى نجاح الثورة واستمرارها وقدرتها على التأثير، وأن التنظيم قضية بالغة الأهمية ومرتبطة بنمو العمل العام ومناخاته المنفتحة التى تتيح للعمل العام النمو وتسمح بوجود تنظيم متجانس متحرك مرن قادر على التواصل لأبعد النقاط فى أنحاء الوطن، وقادر على التأثير ونقل الفكرة والتواصل بين المنتمين والمدافعين عنها، ومن هذا المنطلق كان نجاح الوفد فى نقل قراراته، بل ونقل مطالب وطموحات الناس، وتم تجسيد هذا فى معركة التوكيلات ثم فى هبة الثورة واندفاعها ثم فى مقاطعة لجنة ملنر ومقاطعة المنشقين على إجماع الأمة والشعب، ثم تجسد فى مواقف المصريين فى عملية صناعة دستور 23 وأخيراً فى وصول حزب الوفد إلى السلطة فى انتخابات 1924، واستمر هذا الأمر بأن الأمة مجتمعة ومتوحدة حول مطالبها ومتأثرة ومؤثرة فى مختلف المحافظات فى معركة الدستور ومواجهة الاعتداء عليه والمطالبة بحكم الشعب وإجراء الانتخابات الحرة، وصولاً إلى ثورة 1935 ثم توقيع معاهدة 1936 وإلغاء الامتيازات الأجنبية وافتتاح معركة تمصير الوظائف وإلغاء المحاكم المختلطة 1937، وتطبيق القانون المدنى المصرى على كافة المواطنين بل والمقيمين على أرض الوطن.
وماذا عن القيم الإنسانية التى فجرتها ثورة 1919؟
- بالفعل فإن ثورة 1919 فجرت قيمًا إنسانية راقية لدى المصريين تمثلت فى العديد من الأفكار والرؤى وأهمها قبول الآخر والمختلف، والقدرة على التعامل المشترك وبالطبع هذا تم انعكاسه على مضمون التسامح العام فى المجتمع، واتضح هذا بصورة كبيرة فى اشتراك المصريين معاً فى مطالبهم بإصلاح الأزهر والكنيسة، واعتبار هذا الإصلاح مشروعاً وطنياً قومياً، وبناء على هذا تم خروج القانون رقم 15 لسنة 1927، بأن تعيين رؤساء الطوائف الدينية يكون بقرار من رئيس الوزراء وبتوقيع
الملك وليس شأنا ملكياً ولا شأناً خديوياً كما كان من قبل.. الأمر الثانى خضوع المعاهد الدينية والأوقاف الأهلية لرقابة البرلمان ودخول ميزانياتهما تحت أعين النواب، وكان هذا من قبل شأناً متعلقاً بالوالى أو الخديو يتصرف فيه كيفما شاء.. ثالثاً أن ثورة 19 فجرت داخل المصريين أفضل ما فيهم من طاقات الإبداع والتطلع للأمام وللمستقبل وملاحقة التطورات العالمية واستعادة أمجاد وحضارة المصريين لا سيما مع انتشار الكشوف الأثرية التى أوضحت تاريخ مصر الحضارى المتجسد عبر الزمن، وكان انعكاس هذا على كافة النواحى وظهور النوابغ، فها هو المثال محمود مختار الذى استعاد أزميل النحات المصرى القديم ويظهر تمثال نهضة مصر، وتمثالى سعد زغلول فى القاهرة والإسكندرية، وأيضاً سيد درويش يعيد للموسيقى معناها التعبيرى وليس التطريبى فحسب، ويدخل صوت الناس فى الأغنية معبراً عن أشجانهم وطموحاتهم.. ويبدع بديع خيرى فى تجديد شكل الزجل والأغنية فيصبح المصرى حاضراً بقوة «قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك»، ويخرج أئمة علماء مصر مثل الدكتور على إبراهيم والدكتور محمد مورو، وعبدالرحمن الساوى والدكتور مصطفى مشرفة والدكتورة سميرة موسى والدكتور طه حسين أول حاصل على الدكتوراه من الجامعة المصرية 1914، وتظهر أول رواية مصرية بعنوان «زينب» للدكتور محمد حسين هيكل، ويذهب جورج أبيض لتعلم فنون المسرح فى الخارج ويعود ليرعى نهضة المسرح مع زملائه زكى طليمات ويوسف وهبى، وفاطمة رشدى، وتظهر السينما على يد محمد بيومى، ومحمد كريم، وعزيزة أمير، ومصر كلها تلاحق الزمن وتظهر اللوحات البديعة للفنان محمود سعيد ويوسف كامل وراغب عياد.
وكيف غيرت ثورة 1919 الصورة الذهنية نحو الأمة المصرية؟
- نظرة الخارج ارتبطت بالفعل بثورة 1919 بأنها الانفجار الأول ضد بريطانيا، ولهذا لم تغفر بريطانيا لسعد زغلول أنه قاد هذا الانفجار الذى امتدت شظاياه وآثاره إلى أيرلندا والهند والعراق والسودان وسوريا ولا شك ان حجم ثورة 1919 واستمرارها وتمددها عبر كافة محافظات مصر كان مفاجأة واسعة لعتاة المستعمرين، بل وأدخل ثورة 1919 فى عتاد الثورات العالمية ذات الآثار العظيمة، ثم إن ارتفاع لهجة المطالبة باستقلال مصر وبمطالبات وطموحات وطنية قومية جاءت متوازية مع انفجار الثورة التركية التى قام بها مصطفى كمال أتاتورك وأيضاً انفجار الثورة البلشفية فكان انعتاق مصر وظهور الوطنية المصرية أمراً مذهلاً للمستعمرين الأوربيين والعالم الخارجى والعالم العربي، ولعل هذا امتدت آثاره فى ما بعد إلى المطالبات بقيام جامعة الدول العربية.
كما انعكست نهضة الوطن عبر الاقتصاد متمثلاً فى قيام بنك مصر وشركاته ومصانعه، وتحول العديد من كبار الملاك إلى الصناعات وكان اتحاد الصناعات المصرية تعبيراً عن نهوض قومى بدت آثاره وملامحه على عتاة المستعمرين الذين يسعون دائماً إلى احتكار الوطن لحساب تجارتهم وصناعتهم باعتبار ذلك إرثاً نالوه منذ التدخل الأجنبى فى عهد الخديو إسماعيل، بل إن التعبير عن قيام الدولة المصرية جاء سريعاً جداً فى مشاركات مصر الرياضية فى الأوليمبياد الرياضية 1928، وكذلك اشتراك مصر فى كأس العالم 1934 بإيطاليا، وتحقيق اللاعبين المصريين للعديد من الميداليات الذهبية فكان هذا أيضاً إعلاناً عن نهضة وطنية فتية وأعلنها من قبلهم المثال محمود مختار فى مشاركاته فى صالون باريس بدءًا من 1919 بل وحاز جائزة الصالون 1928 عن تمثال عروس النيل.
ما قيمة سعد زغلول فى التاريخ الوطنى المصرى؟
- سعد زغلول له مواقف صلبة ورؤى عظيمة جداً أثبت التاريخ صحتها وهذا ما جعله زعيم الأمة المصرية، لأن سعد زغلول وقف فى وجه بريطانيا، وتوسع فى فتح المدارس بعد تدهور التعليم، وجعل التعليم باللغة العربية، وأدخل مدرسة «القضاء الشرعى»، واستصدر قانون نقابة المحامين، كما قرر سعد زغلول أن يخوض معمعة التحول مع الشعب، وذلك بترشحه لانتخابات الجمعية، وأصبح وكيلاً للجمعية، وصاحب ذلك نوع من الإشعاع، كما أن إنجلترا نجحت فى تقليل قيمة سعد زغلول، لأنه الرجل الوحيد الذى استطاع أن يهز عرش هذه الإمبراطورية بقيادته لأعظم ثورة، وفتح الباب أمام الآخرين لكى يتحرروا من سلطتها، واستطاع سعد زغلول أن يبث هذه الروح، وأن يدفع الشعب للقيام بهذه الثورة، فهى من الثورات المحدودة فى تاريخ العالم، والشعب المصرى مقصر فى معرفة تاريخه، لذا فإن الذهنية لديه لم تهتم بمعرفة ما الدروس المستفادة من ثورة 1919، وما الفروق بينها وبين ثورة 25 يناير، فثورة 1919 ثورة مدنية بالكامل لا تقف أمامها قوة سوى قوة الإرادة، خاصة أن سعد زغلول قد ترك بصمة مؤلمة على جبين الإمبراطورية البريطانية.
حيث استطاع سعد زغلول أن يقود الثورة، وهو فى منفاه واستطاع إثبات أسمى معانى الزعامة الشعبية بأن كل تفصيلة كانت تحدث فى البلاد كان لابد من استشارة سعد زغلول بها أولاً.
إلى أى مدى ظُلم سعد زغلول إعلامياً وتاريخياً؟
- سعد زغلول ظُلم إعلامياً وتاريخياً نتيجة أن الإعلام الموجه خلال 60 عاماً من الشمولية، أصر على إجهاض زعامة سعد زغلول، رغم أن هذا التضليل التاريخى أدى إلى فشل العمل العام، وكان لابد من استعادة أحداث الثورة بأعظم وأدق تفاصيلها.
لكن يوجد إجماع شعبى حول زعامة سعد زغلول لا ينكره إلا صاحب هوى؟
- نعم.. هذا حقيقى، وقد توقف الباحثون طويلاً عند ذلك الإجماع الشعبى منقطع النظير الذى وحده سعد وصنع لُحمته فكان سداً منيعاً خلفه فى مواجهة خصومه الذين تم صنعهم وكانوا خصوماً للأمة ومن خاصم سعد فقد خاصمته الأمة، وقد سجل إسماعيل صدقى فى مذكراته عن الاستقبال السيئ الذى واجهه وفد مفاوضات حكومة عدلى يكن فى لندن من طلبة البعثات التعليمية المصرية فى عام 1922 ويحيله إلى تعلق المصريين بالأشخاص لا المبادئ، ويرد سعد على تلك الملاحظة فى خطبته البليغة التى ألقاها فور عودته من المنفى فى 17 سبتمبر 1923، فى الإسكندرية «قالوا إنكم قوم تعبدون الأشخاص وهذا كلام فارغ لا يستحق الرد وهذا هو دليل نهضتكم الحاضرة.. نفينا فماذا حدث حل محلنا آخرون كان لهم من الأمة نفس الاحترام فقد حلوا فى المكان الذى عهدت فيه الأمة الإخلاص ولم يكن أمامهم إلا الإعدام أو السجن أو النفى، فنالوا ما نالوا فقام من خلفهم وسار سيرهم آخرون قاموا بعبئهم خير قيام وتوالى قيام الأبطال مكان الأبطال.. السجن يفتح أبوابه لكل حر ولكل عامل على الحرية دليل حضارتكم واستعدادكم للتضحية بكل شىء فى سبيل استقلالكم.. فنهضتكم حقيقية وأنتم تمجدون من يتمسكون بمبادئكم مهما كانوا صغاراً أم كباراً» هكذا كان سعد.. عقله وأذنه فى الشارع وعلى وقع خطوات الناس وبين أفئدتهم وبالطبع تبقى أزمة الظهير الشعبى مع القوى السياسية المدنية هى التحدى الأساسى الذى عليها أن تفك أختامه وتحل معضلته حتى يمكن أن نحمل رجاء إقامة دولة مدنية تحترم الدستور والقانون والمواطنة لصالح كل الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.