الحارة لطالما كانت في روايات الكاتب العالمي نجيب محفوظ الحصل على جائزة نوبل في الأدب، رمزًا لمصر في ثلاثنيات ببساطتها وروقيها وعراقتها، إلى جانب هيمنة الذكورية وسطوتهم، كان قائدهم "سي السيد"، والذي تناول محفوظ تفاصيل حياته الدقيقة في ثلاثيته "قصر الشوق وبين القصرين والأطلال"، والتي تحولت لفيلم بطولة يحيى شاهين ونادية لطفي وعبد المنعم إبراهيم. حسن الإمام، مخرج الثلاثية أبرز بكاميراته الجدران الشامخة على مر العصور وتفاصيل البيت المصري قبيل ثورة يوليو، لكن المشهد الآن أصبح أكثر عبثية وعشوائية فأنطفأ رونق الجدران وأهمال نال منها والقمامة أصبحت على قارعة الطريق، مع ذلك بمجرد أن تسمع اذنك شارع قصر الشوق بمنطقة الجمالية، يتخيل لعقلك، أشجار التوت والجميز والليمون والفل والياسمين التى طالما تحدث عنها محفوظ، وطراز المعمار القديم، وأصوات العصافير ممزوجة بأسطوانات فونوغراف أو صوت الراديو النابع منه فنانين عظماء كمثل" السيد درويش، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ومنيرة المهدية"، بالإضافة إلى مطربون ومطربات عتاة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، مثل" صالح عبد الحي، عبد الحي حلمي، زكي مراد، والشيخ زكريا أحمد، والشيخ يوسف المنيلاوي"، وداخل البيوت وصف محفوظ له فى الثلاثية بعض الأغاني، كان أشبه بالغناء السري، يردده الناس في بيوتهم في لحظات سرورهم وسعادتهم، مثل:" أبو الشريط الأحمر ياللي أسرتني..أرحم ذلي"،" حود من هنا وتعالي عندنا.. وتعال عندنا.. ياللي أنا وأنت بنحب بعضنا"،" طيب وأنا مالي.. طيب يا غزالي" وغير ذلك. بالمرور فى شارع قصر الشوق، قد تصيبك لعنه التخيلات، وتتخيل ان السيد أحمد عبد الجواد الشهير بالسي السيد سوف يقابلك فى الشارع، وبعض التلاميذ ذاهبون إلى المدارس يرتدون الطربوش، وامرأة ترتدي برقع يخفي مفاتن وجها، لا يظهر شيئًا إلا عينيها وبلا وضوح، ووسيلة المواصلات الوحيدة هي الحنطور، بعد أن أدخلها الإيطاليون للبلاد. على ناصية الشارع، ستجد مسجد "سيدي مرزوق الأحمدي" مؤسس الطريقة الأحمدية، ويضم ثلاث مقامات مختلفة الأول لمروزق، والثاني لاخر قائد لركب كسوة الكعبة محمد شمس، والثالث لابنه، محيطة ولافتة صغيرة مكتوبه عليها أسماء أصحاب المقامات. وبالمضي أكثر ستشاهد بيوت مكونه من دورين، يعود تاريخ إنشائها لقرن الماضي، يبدو من الوهله الأولى لها انها لملوك عاشت وعصرت عقد زمني له تاريخ يدرس لطلاب الهندسة المعمارية والآثار، بنيت بإعجاز لم يفسر حتي الأن، وهذا ما يميز شارع قصر الشوق بالأخص عن منطقة الجمالية، ومنازل أخري حديثة تأجر لطلاب. "قول لزمان أرجع يا زمان".. هكذا بدأ محمد هشام فى العقد السادس من عمره، وأحد سكان شارع قصر الشوق، حديثه عما يدور في خلده، بعدما وجدنا نحلق النظر جيدًا بالشارع، بل صامتون نهائيًا كلما تذكرنا روايات المبدع نجيب محفوظ عن شارع قصر الشوق، شعر إننا نبحث عن بريق التاريخ، قائلاً:" كل حاجة أتغيرت فى الشارع، إللى أنتم بتدوره علي مش موجود، بشوف كتير مصورين بيدخلوا الشارع علشان يصوره، بس مفيش غير بيتوت تاريخية في أول الحارة مهجورة". وتابع هشام، قائلاً:" إحنا كنا زمان بنقعد على القهوة بعد ما نرجع من الجامعة، واهالينا بعد مع يرجعه من شغلهم، ونسمع أم كلثوم فى الراديو وإحنا بنلعب طاولة، ونتكلم فى الفن وعن حال البلد، كان فى تحضر يابينى مش زي دلوقتي، دلوقتى كرهت القهوة بسبب الأغاني المنحطة اللى شغاله اليوم كله". واستكمل حديثه، وهو يسترجع أخلاق الحارة فى الماضي، وصفًا:" كنا زمان الشارع كله يعرف بعض، وكمان كنا نعرف الأقارب، الناس كانت عايشة فى السلام، دلوقتى محديش يعرف حد، أو محديش بيسلم على الثاني، أنت ممكن تكون ساكن فى عمارة مش تعرف مين إللى ساكن فى دورك، ده غير المخدرات بتتبع فى كل مكان، وتحس ان الشباب كلهم مدمين". إما عن ثلاثية نجيب محفوظ وبالتحديد فيلم قصر الشوق، قال " إحنا سمعنا أن فى مشاهد كتير أتصورت هنا فى الشارع والباقي فى الاستوديوهات، وطبعا فخر لينا أن فيلم يكون السبب فى ان نجيب محفوظ يوصل للعالمية ويحصل على نوبل، بسبب أسم حارتنا".