عزيزى القارئ.. شعب مصر صعبان علىّ جداً.. وكمان صعبان علىّ نفسى بعد العمر ده كله، وبعد الممارسات الحياتية الطويلة سواء فى العمل أو العمل العام السياسى والاجتماعى والرياضى. صعبان علىّ أن أكون تائهاً ومش عارف راسى من رجلى أمام هذا الخضم من التصريحات المبهدلة وغير الشفافة. العشوائية المقصودة جعلتنى أشك فى كل شىء بعد أن ضاعت الثورة بين أقدام العسكر والإخوان وجعلونا نعيش ما يقرب من عام ونصف على وعود ولم يتم تفعيل التغيير والتطهير لدرجة أن واحداً من الفلول مرشح نفسه رئيساً ويعيد. الصراع أصبح كبيراً بين القوى السياسية والنخبة التى أحملها المسئولية عما يجرى فى مصر، كل واحد عايز ياخد قطعة من التورتة وتولع مصر ويولع المواطن المصرى. المواطن المصرى وأنا وأنت نعيش زمناً عشوائياً منذ ستين عاماً حتى يومنا هذا، ثلاثة رؤساء عسكر بإيجابياتهم القليلة وسلبياتهم الكثيرة وصلت على أيديهم مصر إلى الحضيض فى كل شىء. أؤكد لك عزيزى القارئ أن المواطن المصرى عبارة عن أجل تسير تائهة بين الطرقات باحثة عن لقمة العيش فى صناديق القمامة أو بالاحتيال والرشوة وأيد ترفع إلى السماء تدعو على حكم العسكر وتقول حسبى الله ونعم الوكيل. هل بعد انتخاب أو تعيين الرئيس سيسود الهدوء ونبدأ فى بناء مصر.. أشك فى ذلك فإن حزب الجماعة لا يفى بوعوده وأيضاً ربنا يستر عليك يا مصر لو نجح رجل الفلول الأول شفيق. وصلت أنا شخصياً إلى حالة من الاكتئاب جعلتنى أتمنى أن أقابل وجه رب كريم بعد أن ضاعت فرحتى بأنى عشت طوال عمرى واشتركت فى ثورة 25 يناير وتحققت نبوءاتى بأن الشعب المصرى سيقوم يوماً ويطلب التغيير، ولكن لم يعد فى العمر بقية حتى أرى ثورة ثانية التى ستحدث حتماً قريباً. تعال معى عزيزى القارئ نوضح بعض المفاهيم فى الأمور السياسية التى يثار حولها الجدل هذه الأيام، وأتمنى أن يكون عندك نِفسْ أو رغبة لتقرأ شوية.. أهو اتسلى أفضل من حوارات التوك شو ووجع دماغ التليفزيون. لقد لخص الإسلام طريقة الحكم المثلى للمسلمين فى قوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم» الشورى 38 وهذه الآية على إيجازها يمكن أن تكون الأساس لحكم شورى معتدل يعتمد أساساً على حرية الرأى. إن الرسول «صلى الله عليه وسلم» لم يضع إطاراً محدداً لشكل الحكم فى الدولة الإسلامية ولكن سنته الكريمة وسيرته العطرة هما النبراس لكل حاكم عادل مستنير. فقد كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» يشاور أصحابه فى الأمر على الرغم من أنه كان قائداً ملهماً مؤيداً بالوحى والملائكة ولكنه كان يقدس حرمة النفس البشرية. ويعتبر أن حكم الشورى القائم على حرية الرأى مظهر لاحترام حرية الناس التى منحهم إياها الحق سبحانه وتعالى فى قوله تعالى: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» الشمس من 7 10. وقد أدرك السلف الصالح هذه المسلمة الإلهية فسعوا إلى تنظيم قاعدة أحكامهم على أساس الشورى وحرية الرأى. فقد أثر عن عمر بن الخطاب بعد أن بايعه المسلمون قوله «من رأى فى اعوجاجاً فليقومه»، فقام واحد من الناس وقال له «لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا»، فقال عمر: «الحمد لله الذى جعل فى هذه الأمة من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه». وهذه الرواية المشهورة تقودنا بالتالى إلى المدلول الحقيقى للبيعة التى تعتبر أساس الحكم فى النظام الإسلامى، فإن البيعة لا تعنى الولاء المطلق لشخص ولكنها تعنى الولاء له فى إطار المنهج القرآنى الذى يمكن تلخيصه فى قوله تعالى: «فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر» آل عمران 159. ويعتقد كثير من الناس أن الجماعة الإسلامية التى مثلتها دول الخلافة المتعاقبة أموية أو عباسية أو عثمانية هى الطريقة المثلى للحكم الإسلامى. ولكن أبلغ رد على هذا الاعتقاد الخاطئ هو قول الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى الحديث الصحيح «إنها ستكون خلافة راشدة من بعدى ثلاثين سنة ثم يأتى بعد ذلك ملك عضوض». فإن الجماعة الإسلامية الصحيحة لم تستمر سوى ثلاثين سنة بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» ثم غلبت النواميس الطبيعية بعد ذلك على طبيعة الحكم فى بلاد الإسلام حتى صارت البيعة فى حقيقتها إقراراً بالولاء لحاكم ظالم بعيد عن شرع الله. أدرك قادة المدرسة الإسلامية الإحيائية هذه الحقائق المصيرية، ومن ثم فقد سعوا إلى تنظيم الحكم فى بلاد الإسلام على أساس من المشاركة الشعبية. وقد أدرك قادة النهضة الإسلامية أن الديمقراطية هى أفضل وسيلة إجرائية لممارسة الحرية المنشودة. وقد كان جمال الدين الأفغانى وهو أبرز قادة هذا التوجه الإصلاحى الذى دعا إلى إقامة حكومات نيابية فى كل دول الإسلام لأنه أدرك أن الديمقراطية القائمة على أساس ليبرالى هى صمام الأمان ضد استبداد الداخل وأطماع الخارج الذى أخذ صوراً مختلفة منذ حملة بونابرت على مصر عام 1798 حتى حملة حلف الأطلسى الحالية على ليبيا التى كانت النتيجة المباشرة لغياب الديمقراطية والحكم الشورى السليم. لقد كان سعد زغلول، زعيم الوفد، أبرز تلامذه جمال الدين الأفغانى وقد أدرك سعد زغلول أن الليبرالية هى أنسب الأشكال المعاصرة للحكم الشورى الإسلامى. وقد أسس حزب الوفد على أساس المطالبة المزدوجة بالاستقلال والدستور معاً، واتخذ ذلك الزعيم الجليل من القضاء على الاستبداد وسيلة لتحقيق الاستقلال الكامل ومن ثم فقد ساعد على تأسيس الحياة النيابية التى كانت كفيلة بتحقيق الاستقلال التام لولا ما تعرضت له من عقبات ومؤامرات. إن الوفد هو قلعة الليبرالية التى تعتبر أقرب الأشكال للحكم الشورى الإسلامى وستظل مبادئه القائمة على التعددية السياسية وحرية الرأى هى الضمانة الأكيدة لاستقرار مصر وسلامة ثورتها وسيظل الوفد وجهاً للاعتدال المصرى الذى يعتبر الإسلام أبرز مكوناته. --- المنسق العام لحزب الوفد