للأسف الشديد.. أخشى أن الغالبية العظمى من الشعب سوف تعود إلى ما اعتادت عليه طوال تاريخها.. حيث كانت تعطى ظهرها لحكامها من الداخل أو الخارج.. وتستمر فى ممارسة حياتها العادية.. على الرغم مما تلاقيه من صعوبات فى توفير ضرورات الحياة الكريمة.. لقد تلاعبت النخبة المثقفة ورجال الأحزاب بالشعب المطحون.. فما يصدر عنهم لا يستهدف وجه الله ومصلحة الوطن.. فالحقائق مسيسة والمعلومات مزيفة.. والآراء منحازة. لقد كنا قاب قوسين أو أدنى.. من الخروج من المرحلة الانتقالية.. وفجأة.. وبعد مشوار طويل من المنافسات والخناقات والتشكيك والوعد والوعيد.. عدنا إلى المربع صفر.. وكأنك يا أبو زيد ما غزيت! فمن المسئول عما حدث؟.. إنهم أهل الحل والعقد فينا.. المثقفون.. والسياسيون.. ومدعو العمل العام الذين يطاردوننا على شاشات الفضائيات.. حتى ونحن نائمون فى أسرّتنا! لقد سكتنا على الأخطاء وتعايشنا معها.. وعندما جاءت النتائج فى غير صالح البعض منا.. اعترضنا عليها وتظاهرنا ضدها. فقد كان هناك «خلل» واضح لكل ذى عينين فى التشريع.. خاصة فيما يتعلق بقانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى.. وقانون العزل السياسى. وقلنا وقال غيرنا وقتها إن مصر ليست الأحزاب وحدها.. فهناك 85 مليون مصرى.. من ينتسب منهم للأحزاب لا يتجاوز ثلاثة ملايين فرد.. والباقى مستقلون.. ومع ذلك أصر البعض أن يخصص ثلثى مقاعد مجلس الشعب للقوائم التى تعدها الأحزاب، والتى لم تكتف بذلك.. بل زاحمت المستقلين على المقاعد المخصصة لهم ودفعت بمنتسبيها للمنافسة معهم، وهو ما أخل بقاعدة المساواة بين المواطنين ومبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع. وكذلك فيما يتعلق بقانون العزل السياسى.. والذى وصف بأنه يمثل عقوبة على جريمة لم ترتكب، فكيف نحرم من خدم البلاد بتولى مناصب قيادية فى مواقع مختلفة من حقوقه الأساسية.. وهى حقى الانتخاب والترشح؟.. إن هذا «الحرمان» عقوبة.. مع أن الجميع يعلم أنه لا عقوبة إلا بحكم قضائى وعلى أفعال مخالفة للقانون ارتكبت قبل صدوره. الطريف.. أن البعض استنكر أن يلجأ من تضرر من هذه التشريعات إلى القضاء لحماية حقوقه والحفاظ على حرياته.. وكأنه كان يجب على من ظُلم أن يقبل بما أصابه وكأنه قضاء وقدر.. وأن يحمد ربه على أنه مازال على قيد الحياة! -- لقد رفعنا شعار دولة القانون.. واحتكمنا إلى المحكمة الدستورية المنوط بها الفصل فى دستورية النصوص القانونية من عدمه.. وقضت المحكمة بما رأته صحيحا.. أى أن انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها.. وهو ما يعنى أن تكوين المجلس بكامله باطل منذ انتخابه.. إلا أن ذلك لا يؤدى إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة.. حماية للحقوق التى اكتسبت والمراكز القانونية التى تكونت. والمعنى أننا لسنا بصدد قرار حل للمجلس من رئيس الجمهورية أو القائم بأعماله.. وأيضا لسنا بصدد صحة عضوية بعض أعضاء المجلس من عدمه.. وإنما نحن بصدد قانون غير دستورى أجريت انتخابات المجلس على أساسه.. والتى تخاطب أحكامها كافة جهات الدولة.. ولا تحتاج لأى إجراء آخر لتنفيذها. أى لا يجب أن يدعى البعض أن قرار رئيس المجلس العسكرى بحل المجلس باطل.. لأنه ببساطة لم يصدر قرار بالحل.. وإنما أخطر أمانة المجلس بالحكم فقط. وأيضا يجب ألا يتزيد البعض خطأ ويدعى أن محكمة النقض هى المنوط بها حل المجلس.. فلسنا بصدد صحة عضوية بعض الأعضاء من عدمه.. فهذا كلام لا سند له من الدستور أو القانون.. والغريب أن يأتى الاعتراض على الحكم من قبل مرشح رئاسى سابق اشتهر برجاحة العقل والمنطق السليم والثقافة القانونية العالية.. ولكن يبدو أن خسارة الانتخابات كثيرا ما تترك فى النفس مرارة وفى الصدر غصة وفى القلب حزنا.. ندعو الله أن تزول كل هذه الأعراض مع الزمن؟ وللأسف جاء الاعتراض الآخر من رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب وهو مستشار سابق وصل إلى منصب نائب رئيس محكمة النقض.. وصف حكم الدستورية بأنه منعدم الأثر قانونا وبمثابة واقعة تعدٍ مادى على كيان مجلس الشعب المنتخب من خلال انتخابات حرة نزيهة!.. ورغم دراستى للقانون واشتغالى به لبعض السنوات إلا أننى لم أفهم ماذا تعنيه عبارة «واقعة تعدٍ مادى» على كيان مجلس الشعب.. فالمعروف فى القانون أن الفعل المادى.. يمثل تصرفا بشريا واضحا للعيان.. كالضرب أو الجرح.. أو القتل.. أو الإيذاء بصفة عامة.. فما هو التعدى المادى الذى ارتكبته المحكمة الدستورية ضد مجلس الشعب؟! والغريب أن يذهب رجل القانون إلى مجلس الشعب ويحاول اقتحام أبوابه عنوة وغصبا.. ولكن حرس المجلس أسعفوه بكأس من عصير البرتقال البارد.. فشربه وانصرف! هذا فيما كان تصرف رئيس المجلس حكيما عاقلا، حيث استخدم الأدوات القانونية المتاحة فى مثل هذه الحالات.. بأن أرسل خطابا لقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة.. يستفسر فيه عما إذا كان منطوق حكم الدستورية يقضى ببطلان المجلس بأكمله أم بثلثه فقط؟! -- تزامن مع ما تقدم إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلان دستورى لمواجهة حالة ضرورة ملحة أو ما يستجد من مواقف تتطلب أن يكون لها سند من القانون. منها مثلا تحديد الجهة التى يقسم أمامها الرئيس المنتخب القسم الرئاسى.. وقد حددها الإعلان بالمحكمة الدستورية العليا فى ظل غياب مجلس الشعب. ومنها كذلك إمكانية استعانة رئيس الجمهورية بالقوات المسلحة فى حالة حدوث اضطرابات داخل البلاد. فضلا عن إمكانية قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعادة تشكيل جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد خلال ثلاثة شهور.. إذا حدث أى مانع قانونى للجمعية الحالية.. كأن يصدر حكم من القضاء الإدارى بحلها، كما حدث من قبل.. هذا إلى جانب إجراء انتخابات تشريعية جديدة خلال شهر من موافقة الشعب على الدستور الجديد. كذلك عدم جواز إعلان رئيس الجمهورية الحرب إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وكان من قبل يأخذ موافقة البرلمان على ذلك. ثم عودة حق التشريع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة- بعد حل البرلمان- لحين انتخاب مجلس شعب جديد ومباشرته لاختصاصاته. وأيضا أن يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيله الحالى بتقرير كل ما يتعلق بالقوات المسلحة وتعيين قادتها ومد خدمتهم حتى إقرار دستور جديد للبلاد. هذا مع إمكانية إعادة النظر فى قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى.. وفقا لأى قانون انتخابى يحدده القانون.. فقد تم حذف عبارة «ويجوز أن يتضمن حدا أدنى لمشاركة المرأة فى المجلسين». ويفهم مما تقدم مجموعة من الحقائق على النحو التالى: أولا: رئيس الجمهورية المنتخب لن يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. ولن يتدخل فى شئونها سواء بتعيين قادتها أو مد خدمتهم.. وسيظل رئيس المجلس الحالى- المشير طنطاوى- محتفظا بسلطات واختصاصات القائد العام وزير الدفاع المقررة فى القوانين واللوائح حتى إقرار الدستور الجديد. ثانيا: رئيس الجمهورية المنتخب.. سوف يمارس اختصاصاته الواردة فى المادة 56 من الإعلان الدستورى الصادر فى مارس الماضى بخلاف الاختصاصات الأخرى المقررة لرئيس الجمهورية لمقتضى القوانين واللوائح.. ومن أهمها: تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من منماصبهم، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم واعتماد ممثلى الدول الأجنبية والعفو عن العقوبة أو تخفيفها وتعيين الأعضاء المعينين فى مجلسى الشعب والشورى، ودعوتهما للانعقاد وحق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وتمثيل الدولة فى الداخل والخارج وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية. مع ملاحظة أنه إذا كان من حق رئيس الجمهورية المنتخب تعيين رئيس مجلس الوزراء والوزراء، فليس من حقه فى الوقت الحالى تعيين وزير جديد للدفاع.. لأنه طبقا للإعلان الدستورى المكمل «مادة 53 مكرر».. مازال المشير طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحتفظ بلسطات القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع.. حتى إقرار دستور جديد للبلاد. ولكن.. ومن جهة أخرى إذا كان حق التشريع قد عاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. فمازال رئيس الجمهورية المنتخب يحتفظ بحق إصدار القوانين والقرارات أو الاعتراض عليها.. أى لابد من التفاهم والتعاون.. وإلا أصيبت البلاد بالشلل! -- يبقى الإشارة إلى حق «الفيتو» الذى منحه الإعلان الدستورى المكمل لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. والمجلس الأعلى للهيئات القضائية.. أو خمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية.. على ماقد لا يعجبهم من نصوص أعدتها الجمعية التأسيسية تخالف المبادئ الدستورية المتعارف عليها فى الدساتير المصرية السابقة.. أو مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية! ففى تلك الحالة لكل منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر فى النص أو النصوص المعترض عليها.. وإذا أصرت الجمعية على رأيها.. كان لأى منهم الاحتكام للمحكمة الدستورية العليا.. والتى سيكون قرارها- بعد سبعة أيام- ملزما للجميع. لقد كنت أظن أن الجمعية التأسيسية سيدة قرارها.. خاصة أن قانون تنظيم عملها اشترط أغلبية معينة للموافقة على ما تنتهى إليه من نصوص دستورية.. وخاصة أيضا أن الأمر فى النهاية سوف يعرض على الشعب للاستفتاء العام ليوافق على مشروع الدستور أو يرفضه.. ولكن نظرا لعدم توافر الثقة بين أطراف الملعب السياسى.. فلا مانع من هذا «الفيتو» الوقائى حتى لا نفاجأ بما لا يحمد عقباه.. والاحتياط واجب فى تلك الظروف العصيبة!