البابا تواضروس: مصر واحة الإيمان التي حافظت على وديعة الكنيسة عبر العصور    أوقاف القاهرة تنظّم ندوة توعوية بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب    رئيس مياه البحيرة يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات «حياة كريمة»    محافظ البحيرة تلتقى أعضاء مجلس الشيوخ الجدد وتؤكد على التعاون المشترك    الأزهر ينظِّم مهرجانًا ثقافيًّا للطفل المبدِع والمبتكِر    أبرز مواجهات اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025 في مختلف الدوريات العالمية    البث المباشر لمباراة الاتحاد ضد الرياض في دوري روشن السعودي    محافظة الإسكندرية تعلن إغلاق الطريق الصحراوي بسبب الشبورة    المؤشر نيكي الياباني يتراجع بفعل هبوط أسهم التكنولوجيا    غلق الطريق الصحراوي بالإسكندرية بسبب شبورة كثيفة تعيق الرؤية    طلب هام.. تطور جديد بشأن «نورهان» قاتلة أمها في بورسعيد    أسعار العملات أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025    عراقجي: مستعدون لهجوم إسرائيلي جديد أكثر مما في الحرب الأخيرة وصواريخنا في وضع أفضل    عراقجي يؤكد جاهزية إيران لهجوم إسرائيلي جديد بصواريخ مطوّرة    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    عمرو مصطفى بعد تكريمه من مهرجان ذا بيست: اللي جاي أحلى    نجوم «صديق صامت» يتألقون على السجادة الحمراء بمهرجان القاهرة    «المهن التمثيلية» تحذر من انتحال اسم مسلسل «كلهم بيحبوا مودي»    فضل سورة الكهف يوم الجمعة وأثر قراءتها على المسلم    دعاء يوم الجمعة.. ردد الآن هذا الدعاء المبارك    ما الأفضل للمرأة في يوم الجمعة: الصلاة في المسجد أم في البيت؟    إحالة المتهم بقتل مهندس كرموز ب7 رصاصات في الإسكندرية للمحاكمة الجنائية    محمد رمضان يغنى يا حبيبى وأحمد السقا يشاركه الاحتفال.. فيديو وصور    عازف البيانو العالمي لانج لانج: العزف أمام الأهرامات حلم حياتي    لأسباب إنتاجية وفنية.. محمد التاجي يعتذر عن مشاركته في موسم رمضان المقبل    بعد 28 عاما على وفاتها، الأميرة ديانا تعود إلى "متحف جريفين" في باريس ب"فستان التمرد" (صور)    إصابة 4 أشخاص في انقلاب توك توك بطريق تمي الأمديد في الدقهلية    سرب من 8 مقاتلات إسرائيلية يخترق الأجواء السورية    التنسيقية: فتح باب التصويت للمصريين بالخارج في أستراليا بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    القرنفل.. طقس يومي صغير بفوائد كبيرة    نائب رئيس الألومنيوم يعلن وفاة مدرب الحراس نور الزاكي ويكشف السبب    سبب غياب راشفورد عن تدريبات برشلونة    زيلينسكي يؤكد دعم أوكرانيا لمبادرة السلام الأمريكية    الكويت تدين بشدة الهجمات الإسرائيلية على غزة وتدعو لتحرك دولى عاجل    أسامة كمال: نتنياهو يتجول في جنوب سوريا.. وحكومتها لا هنا ولا هناك تكتفي ببيان «انتهاك خطير».. وبس كده!    كاسبرسكي تُسجّل نموًا بنسبة 10% في المبيعات وتكشف عن تصاعد التهديدات السيبرانية في منطقة الشرق الأوسط    بنك مصر والمجلس القومي للمرأة يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الشمول المالي وتمكين المرأة    تجديد حبس سيدتين بسبب خلاف على أولوية المرور بالسلام    تجديد حبس المتهمين بسرقة طالب بأسلوب افتعال مشاجرة بمدينة نصر    حكام مباريات الجولة العاشرة فى دورى الكرة النسائية    ضياء السيد ل dmc: الرياضة المصرية بحاجة لمتابعة دقيقة من الدولة    ستارمر يستعد لزيارة الصين ولندن تقترب من الموافقة على السفارة الجديدة بدعم استخباراتي    مصرع 4 أشخاص إثر حادث تصادم سيارتين بالبحيرة    أشرف زكى يشيد بحفاوة استقبال سفير مصر فى عمان خلال مشاركته بمهرجان الخليج    وزير الرياضة يطمئن على وفد مصر في البرازيل بعد حريق بمقر مؤتمر المناخ    مستوطنون يشعلون النار فى مستودع للسيارات بحوارة جنوبى نابلس    دعما للمنتخبات الوطنية.. وزير الرياضة يلتقي هاني أبو ريدة في مقر اتحاد الكرة    "عائدون إلى البيت".. قميص خاص لمباراة برشلونة الأولى على كامب نو    تطعيم 352 ألف طفل خلال الأسبوع الأول لحملة ضد الحصبة بأسوان    غلق باب الطعون الانتخابية بعدد 251 طعنا على المرحلة الأولى بانتخابات النواب    تطعيم 352 ألف طفل خلال الأسبوع الأول لحملة ضد الحصبة بأسوان    هل عدم زيارة المدينة المنورة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح    احتفالية مستشفى الناس بحضور سفراء ونجوم المجتمع.. أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط "صور"    أطعمة تعيد التوازن لأمعائك وتحسن الهضم    الجبهة الوطنية يكلف عبد الظاهر بتسيير أعمال أمانة الجيزة عقب استقالة الدالي    رئيس الوزراء: مشروع الضبعة النووي يوفر 3 مليارات دولار سنوياً    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وعدد المترشحين بها    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحاكم الاستثنائية والدستور
نشر في الوفد يوم 21 - 06 - 2012

بمجرد صدور حكم محكمة جنايات القاهرة في القضية المعروفة إعلاميا وشعبيا تحت اسم «قضية القرن»، حتى خرجت المظاهرات والمسيرات، تنديدا بالحكم واعتراضا عليه. بل إن البعض قد ذهب إلى حد المناداة بإنشاء «محكمة خاصة»
لمحاكمة رموز النظام السابق، وعلى رأسهم الرئيس السابق «محمد حسني مبارك». كما أن أحد مرشحي جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، وهو الدكتور «محمد مرسي»، تعهد صراحة وعلانية بإعادة محاكمة الرئيس المخلوع ورموز نظامه مرة أخرى. وتم توضيح هذا التعهد من جانب أحد قيادات حزب الحرية والعدالة، مؤكدا أن المحاكمة ستتم بناء على أدلة جديدة. وغني عن البيان أن تنفيذ هذا التعهد يكون من خلال إنشاء محكمة استثنائية، غير مقيدة بالمبادئ والقواعد المقررة في القانون الجنائي الدستوري. فوفقا للمادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية، «تنقضي الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه والوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة. وإذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجنائية، فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون». وتضيف المادة 455 من ذات القانون أن «لا يجوز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بعد الحكم فيها نهائيا بناء على ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة أو بناء على تغيير الوصف القانوني للجريمة».
والمحاكم الخاصة يتم اللجوء إليها في المواد الجنائية دون سواها. والأدق أن يطلق عليها اصطلاح «المحاكم الاستثنائية» أو «المحاكم غير العادية» (Juridictions exceptionnelles)، تمييزا لها عن المحاكم المتخصصة أو المحاكم ذات الاختصاص الخاص، والتي يناط بها نظر بعض الجرائم أو محاكمة فئات معينة من المتهمين.
وتشترك المحاكم الاستثنائية مع المحاكم ذات الاختصاص الخاص في نظر جرائم من نوع معين أو بمحاكمة فئة خاصة من المتهمين. ولكن، تختلف عنها في أنها محاكم مؤقتة بظروف معينة. ومن أمثلة هذه المحاكم في مصر المحكمة الخاصة المنشأة بموجب المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952م في شأن جريمة الغدر، ومحكمة الثورة المنشأة بمقتضى الأمر الصادر من مجلس قيادة الثورة في 16 سبتمبر سنة 1953م. والوجه الاستثنائي في هذا النوع من المحاكم واضح من طبيعة الظروف الاستثنائية التي أنشئت فيها، وهي قيام ثورة 23 يوليو 1952م، فضلا عن الإجراءات غير العادية المتبعة أمامها، سواء من حيث الاتهام أو التحقيق أو المحاكمة، بالإضافة إلى الجرائم التي تختص بنظرها دون تقيد بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
وهكذا، اقتضت ظروف ثورة 23 يوليو 1952م إنشاء محاكم استثنائية، هي محكمة الغدر ومحكمة الثورة. وفي مرحلة لاحقة، أصبحت محاكم أمن الدولة العليا التي تنشأ بمناسبة إعلان حالة الطوارئ هي المختصة بنظر الجرائم التي تقع من الأفراد، وهي محاكم موقوتة بطبيعة هذه الحالة. وفي سنة 1967م، أعيد إنشاء محكمة الثورة بالقرار بقانون رقم 48 لسنة 1967م، للنظر فيما يحيله إليها رئيس الجمهورية من الدعاوى المتعلقة بارتكاب جرائم ذات طابع سياسي.
وبصدور دستور سنة 1971م، تم إضفاء قيمة دستورية على محاكم أمن الدولة، والتي تختص – كما هو واضح من اسمها – بنظر جرائم المساس بأمن الدولة. فقد أدرج الدستور المصري محاكم أمن الدولة ضمن الفصل الخاص بالسلطة القضائية، ونص في المادة (171) منه على أن «ينظم القانون ترتيب محاكم أمن الدولة ويبين اختصاصاتها والشروط الواجب توافرها فيمن يتولون القضاء فيها». وعلى هذا النحو، أصبحت محاكم أمن الدولة الدائمة جزءا من السلطة القضائية بنص الدستور. وبناء على ذلك، صدر القانون رقم 105 لسنة 1980م بإنشاء محاكم أمن الدولة. وبمقتضى المادة الثانية من هذا القانون، «تشكل محكمة أمن الدولة العليا من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف على أن يكون الرئيس بدرجة رئيس محكمة استئناف. ويجوز أن يضم إلى عضوية هذه المحكمة عضوان من ضباط القوات المسلحة القضاة بالقضاء العسكري برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعيينهما قرار من رئيس الجمهورية». وقد ورد في تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع القانون رقم 105 لسنة 1980م أنه «لما كانت المادة (171) من الدستور تقضي بأن ينظم القانون ترتيب محاكم أمن الدولة، ويبين اختصاصاتها والشروط الواجب توافرها فيمن يتولى القضاء فيها – فقد بات واجبا أن ينظم القانون هذه المحاكم لكي تؤدي رسالتها في ظل الشرعية الدستورية». وفي نهاية التقرير، وردت الإشارة إلى أنه «قد وافقت اللجنة بإجماع آرائها على مواد المشروع في الصيغة المرفقة فيما عدا السيد العضو المستشار ممتاز نصار الذي أصر كتابة على إثبات اعتراضه على الفقرة الثانية من المادة (2) من المشروع التي أجازت تعيين عضوين من القضاة بالقضاء العسكري في محكمة أمن الدولة العليا بقرار من رئيس الجمهورية، وإعمالا لحكم الفقرة الثالثة من المادة (67) من اللائحة الداخلية فقد أثبتت اللجنة اعتراضه في هذا القرار». أما المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 105 لسنة 1980م، فقد ورد فيها ما يلي: «اختص الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية الصادر في 11/ 9/ 1971 السلطة القضائية بعدة أحكام منها نص المادة 171 التي تقضي بأنه ينظم القانون ترتيب محاكم أمن الدولة ويبين اختصاصاتها والشروط الواجب توافرها فيمن يتولون القضاء بها. وتنفيذا للنص المذكور، أصبح من اللازم إنشاء محاكم أمن الدولة الدائمة كجزء من السلطة القضائية. وتحقيقا لذلك، رئي إعداد مشروع القانون المرافق...».
كذلك، نص دستور 1971م، ولأول مرة – في المادة (179) منه – على نظام المدعي العام الاشتراكي، مفرداً له فصلاً خاصاً هو الفصل السادس منه. كما نص في المادة (183) على أنه «ينظم القانون القضاء العسكري ويبين اختصاصه». ومفاد ذلك أن الدستور أناط بالقانون بيان اختصاصات محاكم أمن الدولة والقضاء العسكري كليهما دون أن يضع لذلك قيوداً أو حدوداً، إلا فيما يستفاد من نصوص أخرى في الدستور في سياق القراءة المتكاملة لأحكامه باعتبار أن نصوصه يكمل بعضها بعضاً.
والواقع أن إسباغ قيمة دستورية على بعض المحاكم الاستثنائية يتعارض مع العديد من المبادئ الدستورية، ولاسيما مبدأ استقلال القضاء ومبدأ القاضي الطبيعي. فقد حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة، بدءاً بدستور 1923م ومروراً بدستوري 1930م و1956م، على تأكيد استقلال القضاة وعدم خضوعهم إلا لسلطان القانون وعدم جواز التدخل في القضايا. وتفرد الدستور الدائم الصادر عام 1971م بما نصت عليه مادته الثامنة والستون من كفالة حق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي. وما دام الدستور قد قرر مبدأ القاضي الطبيعي، فإن مؤدي ذلك ومقتضاه هو حظر المحاكم الاستثنائية، تحت أي مسمى وبأي وصف. ولذلك، حسنا فعل المشرع الدستوري المصري بإلغاء نظام المدعي العام الاشتراكي، وذلك بناء على التعديلات الدستورية التي تمت في سنة 2007م. فقد استبدل بالفصل السادس من الدستور، الخاص بالمدعي العام الاشتراكي، فصل جديد تحت عنوان «مكافحة الإرهاب»، واستبدل بنص المادة 179، الخاص بالمدعي العام الاشتراكي، نص جديد يتعلق بمواجهة أخطار الإرهاب، وذلك كله بموجب التعديلات الدستورية التي تمت بناءً على طلب رئيس الجمهورية وأقرها مجلسا الشعب والشورى، ووافق عليها الشعب في الاستفتاء الذي أجرى بتاريخ 26 من مارس 2007م. كذلك، حسنا فعل المشرع المصري بإصدار القانون رقم 95 لسنة 2003 بإلغاء القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة وبتعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية. ووفقا للمادة الأولى من هذا القانون، «يلغى القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة، وتؤول اختصاصات هذه المحاكم إلى المحاكم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية. وتحال الدعاوى والطعون المنظورة أمام محاكم أمن الدولة المشار إليها، بالحالة التي تكون عليها، إلى المحاكم المختصة طبقا لحكم الفقرة السابقة، وذلك عدا المؤجل منها للنطق بالحكم فتبقى تلك المحاكم حتى تصدر أحكامها فيه، ما لم تتقرر إعادته للمرافعة».
ويكاد ينعقد إجماع دساتير العالم المتحضر على تقرير مبدأ القاضي الطبيعي؛ ولا يخلو من هذا المبدأ دستور واحد، مهما كان النظام المتبع، وأياً كان المذهب السياسي المعتنق، وبغض النظر عن النهج الاقتصادي المختار. فرغم تفاوت التوجهات واختلاف الأنظمة السياسية والقانونية لبلدان العالم، يمكن القول بأن ثمة توافقاً في الآراء بشأن المبادئ والمعايير الدنيا لنظم القضاء. فعلى سبيل المثال، تحظر المادة الثامنة من الدستور البلجيكي الصادر عام 1831م «حرمان أي فرد على غير مشيئته من القاضي الذي يعينه القانون». ووفقا للمادة (94) من ذات الدستور، «لا يجوز إنشاء أي محكمة أو هيئة قضائية إلا بمقتضى القانون، ولا يجوز إنشاء لجان أو محاكم استثنائية تحت أي مسمى ومن أي نوع كانت». كذلك، يقضي الدستور اليوناني – في المادة (91) منه – بأنه «لا يجوز تحت أي مسمى كانت إنشاء لجان قضائية أو محاكم استثنائية». وفي ذات الاتجاه، سار الدستور الفنلندي الصادر عام 1919م، بما نص عليه في المادة (60) من عدم جواز إنشاء أي محاكم استثنائية.
والحق أن مبدأ القاضي الطبيعي لا يتعلق فحسب بتنظيم السلطة القضائية، وإنما يتجاوز ذلك إلى اعتباره حقا من حقوق الإنسان. ولذلك، عني الدستور الإيطالي الصادر سنة 1947م بأن يورد في الجزء الخاص بحقوق المواطنين النص في المادة (25) منه على أن «لا يجوز أن يحرم شخص من القاضي الطبيعي الذي يعينه القانون». وأفرد المشرع الدستوري الإيطالي باباً للقضاء، أبرز فيه حرصه على أن يسند ولاية القضاء على سبيل الانفراد إلى القضاة العاديين، وذلك بما نصت عليه المادة (102) من أن «يباشر الوظيفة القضائية قضاة عاديون، يختارون وفقاً للوائح التنظيم التي تنظم نشاطهم، ولا يجوز أن يعين قضاة استثنائيون أو قضاة خاصون». ولم يجعل هذا الدستور للمحاكم العسكرية وقت السلم اختصاصاً إلا في الجرائم العسكرية التي يرتكبها أفراد القوات المسلحة (المادة 103).
وبدوره، خص القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية السلطة القضائية بتنظيم متكامل فعهد بهذه السلطة إلى القضاة، وناطها بالمحاكم الاتحادية التي ينص عليها الدستور، وبمحاكم الولايات (المادة 29). وإذا كان المشرع الدستوري الألماني قد أجاز – في المادة (96/أ) التي أدخلت عليه بالقانون الاتحادي الصادر في سنة 1956م – إنشاء محاكم عسكرية، فقد جعلها للقوات المسلحة، قاصرا ولايتها على توقيع العقوبات بحق منتسبي القوات المسلحة المرسلين إلى الخارج أو الموجودين على ظهر المراكب الحربية وأثناء حالة الدفاع. ولم يكتف الدستور الألماني بذلك، وإنما قرر تبعية المحاكم العسكرية لوزير العدل، مستلزما أن يكون قضاتها حائزين على الصفات المطلوبة لممارسة وظائف القضاء، وجاعلا الهيئة القضائية العليا لها هي المحكمة العليا الاتحادية. وحرص القانون الأساسي المذكور – في المادة (101) منه – على حظر إنشاء المحاكم الاستثنائية أو منع شخص من الالتجاء إلى القاضي المختص.
كذلك، تقضي المادة (134) من دستور جمهورية ألمانيا الديمقراطية الصادر عام 1949م بأن «لا يجوز منع أي مواطن من المثول أمام قضاته القانونيين، ومحاكم الطوارئ غير مسموح بها، ولا يجوز للسلطة التشريعية إنشاء محاكم قضائية للنظر في مجالات خاصة». وعلى النهج ذاته، يسير الدستور الأفغاني الصادر سنة 1964م، مؤكدا في المادة (97) منه أن السلطة القضائية ركن مستقل للدولة وتؤدي وظائفها جنباً إلى جنب مع السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. ويفرد الدستور السلطة القضائية بالنظر في جميع الدعاوى، حيث تنص المادة (98) منه على أن «تشمل صلاحية السلطة القضائية النظر في جميع الدعاوى ... ولا يستطيع أي قانون في أي حالة أن يخرج أي قضية أو ساحة من دائرة صلاحية السلطة القضائية للدولة على النحو الذي تم تحديده ... ليفوض أمرها إلى مقام آخر». وإذا كان الدستور الأفغاني يجيز تشكيل محاكم عسكرية، فإنه يحصر اختصاصها في جرائم الجيش الأفغاني دون غيرها (المادة 98). وقد سار الدستور اليوناني الصادر عام 1963م على ذات النهج، فحظر – في المادة (76) منه – إنشاء المحاكم الاستثنائية.
وعلى المستوى العربي، عنيت بعض الدساتير بتقرير مبدأ القاضي الطبيعي. فعلى سبيل المثال، ووفقا للمادة (95) من دستور الصومال الصادر عام 1960م، «لا يجوز إنشاء هيئات قضائية خاصة أو غير عادية ولا يجوز إنشاء المحاكم العسكرية سوى في وقت الحرب». وتقصر المادة (162) من دستور دولة الكويت الصادر سنة 1962م اختصاص المحاكم العسكرية – في غير حالة الحكم العرفي – على الجرائم التي تقع من أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن، وذلك في الحدود التي يقررها القانون.
ولقد كان الدستور السوري الصادر عام 1950م ينص في المادة الثامنة منه على أنه «لا يجوز إحداث محاكم جزائية استثنائية، وتوضع أصول خاصة للمحاكمة في حالة الطوارئ»، كما كان يقضي في مادته التاسعة بأنه «لا يحاكم أحد أمام المحاكم العسكرية غير أفراد الجيش، ويحدد القانون ما يستثنى من هذه القاعدة». أما الدستور السوري الصادر عام 1973م، فإنه بعد أن نص على استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة في مادتيه (131 و133) عهد إلى القانون بتنظيم الجهاز القضائي بجميع فئاته وأنواعه.
وعلى هذا النحو، يبين من أحكام الأغلب الأعم من الدساتير التأكيد بوضوح على مبدأ القاضي الطبيعي، وأن هذا القاضي ينفرد بالاختصاص في نظر جميع الدعاوى، وأن ولاية القضاء لا تكون إلا لهذا القضاء الطبيعي، حيث يحظر المشرع الدستوري في غالبية الدساتير المقارنة إنشاء المحاكم الاستثنائية. وفيما يتعلق بالقضاء العسكري، على وجه الخصوص، فإن سلطانه في حالة وجوده وقت السلم يكون قاصراً على الجرائم العسكرية التي يرتكبها العسكريون. وتذهب بعض الدساتير إلى مدى أبعد من ذلك، بحيث تحظر إنشاء المحاكم العسكرية في غير زمن الحرب.
وفي ضوء ما سبق، نخلص إلى القول بعدم ملائمة إنشاء محاكم استثنائية في ظل مصر الثورة. وإذا كان النظام البائد قد لجأ إلى إنشاء بعض المحاكم الاستثنائية، فلا يجوز أن نلجأ بدورنا إلى إنشاء محاكم استثنائية لمحاكمة رموزه. ففي ظل مصر الثورة، ينبغي إبراز الحرص على تطبيق مبادئ المحاكمة المنصفة على جميع المتهمين، ولو كانوا قد انتهكوا أبسط مبادئ العدالة. فلا يجوز أن نقابل الظلم بالظلم. وبناء على ذلك، نرى من الملائم تضمين الدستور الجديد النص على حظر إنشاء محاكم استثنائية تحت أي مسمى وبأي صفة كانت. وفيما يتعلق بالقضاء العسكري، نرى النص على قصر اختصاص المحاكم العسكرية في وقت السلم على العسكريين دون سواهم. وبمثل هذه النصوص، يمكن الحديث حينها عن دولة العدل والقانون. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.