قبل أن تقرأ: «من نكد الدنيا على الحر أن يجد عدوا ما من صداقته بد».. هذا هو الوضع الذى أصبحنا فيه الآن بعد «هزيمة الإخوان», وأنا هنا أكتب.. ليس عن خسارتهم للانتخابات الرئاسية.. وسقوط «مرسى» أمام «الشفيق», ولكن عن خسارة الشعب المصرى ومصابه الأليم.. نعم خسارته فيهم.. فقد أوقد لهم شموع قلبه لتضيء لهم الطريق, لكى يعملوا لأول مرة من أجل الوطن.. فخذلوه وتجاهلوه وأحرقوا قلبه عليهم, وراحوا يعملون من أجل مصلحتهم فقط, ولسان حالهم يقول «هرمنا» وحان الآن وقت «الحصاد». - نعم خسر الإخوان خسارة مريعة ومذلة, سواء نجح مرسى وأصبح رئيسا أم نجح «الشفيق الفريق».. وذلك لأنهم أخطأوا كثيرا عندما لم يقدروا « قيمة» و«حجم» الهدية التى أهداها لهم الشعب المصرى.. عندما منحهم «أغلبية» برلمانية.. (بصرف النظر عن حكم الدستورية) يعوضهم بها عن سنوات المرارة والمذلة والتهميش التى قضوها فى السابق فى خندق المعارضة. فقد كان يتصور أن أداءهم تحت القبة سيعوضه ما حرم منه من تشريعات ومن إصلاحات انتخابية ودستورية.. إلا أن الشعب فوجئ بأن ما كان يحلم به من تحويل مصر إلى ورشة عمل.. يعمل فيها الإخوانى مع الليبرالى ويشاركهما العمل الشيوعى مع السلفى مع الوسطى.. تمخض عن وهم كبير لم يتمتعوا به كثيرا, وهو وهم «المغالبة» لا «المشاركة». - لقد بدأ «الإخوان» مثل «محدثى النعمة».. ففضحوا أنفسهم بأنفسهم.. بأنهم مجرد أناس لا يجيدون العمل السياسى بقدر ما يجيدون التواصل الاجتماعى والتحمس لمشروعات اجتماعية وخدمية تدر عليهم شعبية.. وانكشفوا بسرعة عندما مارسوا العمل السياسي على نطاق واسع.. فلم يكن لديهم مشروع حقيقى مستقبلى للنهضة بل مجرد كلمات مغلفة بغلاف إسلامى.. لم نر لهم أداء عبقريا أو فكرة مدهشة واحدة.. كأن يرشحوا رموز الثورة - كجورج اسحق وعبدالجليل مصطفى ووائل غنيم... إلخ - على قوائمهم (بصرف النظر عن الدستورية).. وحتى فى هذه ثبت أنهم جماعة دينية لا سياسية.. فرغم وجود العديد من أساطين القانون فى الجماعة إلا أنهم ضربوا بمقتل ب«القانون» ولم يصدقوا أن قوانينهم سيشوبها عدم الدستورية وسيخرجون من السباق الانتخابى بخفى حنين. خسر الإخوان مصداقيتهم عندما تحالفوا مع المجلس العسكرى وبدأوا شهر عسل معه لم يدم طويلا.. لكن الى جانب هذا الخطر الدائم الذى مثله لهم العسكر - بالتهديد المستمر بحل البرلمان - كان هناك خطر من داخل الإخوان أنفسهم .. فالذين اختاروا إتاحة الفرصة لمناقشة مشروع قانون يتيح مضاجعة الأموات.. بينما عزفوا عن مناقشة امكانية التوقيع على قانون المحكمة الجنائية الدولية.. الذى كان التوقيع عليه كفيلا بإحداث نقلة نوعية فى التعاطى مع «الثورة المصرية.. لم يدركوا خطورة أطروحاتهم العبثية التى أفقدتهم ثقة الشعب بسرعة البرق.. لقد كنا نعرف أنهم انتهازيون.. وأنهم ينتظرون اللحظة التى «ينقضون» فيها على السلطة.. ولكنهم لم يكونوا «انتهازيين» عندما «تحتم» ذلك وعندما فرضته اللحظة.. فقد تركوا الغالبية العظمى من أصوات «حزب الكنبة» قلقة من موقفهم من الدولة المدنية, بدوا أكثر غباء بعدم تفريطهم في الحلم بدولتهم الدينية.. وهكذا فقدوا أهم قيمة فى هذا السجال السياسى وهو «لحمة» المجتمع المصرى.. وهكذا خسروا اصوات حمدين وابو الفتوح وموسى التى راحت تتشرذم وتبتعد عنهم وتذهب ربما الى «مقاطعون» او مبطلون».. أو حتى «شفيئيون» وذلك بصرف النظر عن النتيجة والمرشح الفائز!!. -لم يقبل الإخوان الشراكة فى أى شىء.. استعلوا على الجميع.. وتركوا مرسى يصارع وحده كل «الأعداء» الذين تكالبوا لإعادة الإخوان الى الجحور.. وعلى حين كان «شفيء» مراوغا فى أشياء لكنه كان واضحا ومحددا فى مواجهته لأخطاء الإخوان.. لقد شن عليهم الحرب.. و«أنتج» الخطاب الاعلامى الصحيح.. فنبذ الانقسام والطائفية.. واستمال كثيرا «الكنباويين».. وركز باختصار على الأمن و«المم» واستطاع بكل عيوبه وبكل رفضنا لما يمثله ان يبدو ممثلا ل«الدولة العصرية»!! دون أن يجهد نفسه حتى فى إدانة «النظام الديكتاتورى» - على حد وصفه - الذى حكمنا ولا يزال..!! كان غريبا ألا يخشى شفيق عدم تأييد الثوار وأسر الشهداء ولم يغازلهم كثيرا ولم يعبأ باتهامه بأنه مؤيد من الفلول, وأن مبارك مثله الأعلى, وأن قادة القوات المسلحة يستحقون الترقية.. وقدم خطابا إعلاميا عصريا مطاطيا ذكيا مخادعا جاذبا للجمهور بعكس الخطاب الإعلامى المتخلف – والمنفر - للدكتور مرسى.. (شاهد إعلاناته مثلا) الذى واكبه أيضا اصرار على تشكيل «التأسيسية» على النحو الذى جرى.. وهو أبلغ دليل على الغباء السياسى الإخوانى. بعد أن قرأت: ضن الاخوان على القوى الوطنية حتى بحوار جاد.. وضنوا بأى ضمانات مكتوبة تجعل القوى الثورية تلتف حولهم. ولذا فأيا كانت نتيجة الصناديق فقد أخطأ مرسى وأصاب شفيق.. وخسر الإخوان المعركة قبل أن تبدأ!!