معركة شفيق ليست مع الإخوان لكن مع الثورة.. وصعود مرسى ستصاحبه «فاشية دينية» يقف د.هشام صادق، أستاذ القانون الدولى الخاص فى كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، دائما فى منطقة «الشاهد على الأحداث»، يقظا، ومراقبا، ومحللا، وبصراحة مطلقة يفقدها الكثير من أبناء جيله، إما استعلاء أو استكبارا، أو هروبا من قراءة الواقع، وفى حوارنا معه، يلخص صادق رؤيته للمشهد السياسى المصرى الحالى، عقب الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، فى كلمة واحدة «مأزق»، ويعتبره «مأزقا لم تشهده مصر منذ زمن طويل، وعودة لما قبل ثورة 25 يناير». بالنسبة لصادق، فإن معركة الفريق أحمد شفيق فى جولة الإعادة، ليست مع منافسه الإخوانى، محمد مرسى، لكنها مع ثورة 25 يناير، كما أن صعود مرسى فى نفس الوقت، سيصاحبه صعود ل«الفاشية الدينية»، وانتهاء لعصر الدولة المدنية، ليبدأ تطبيق النموذج «السعودى» فى مصر، باعتباره الأقرب لمزاج تيارات الإسلام السياسى المصرى، باتساقه مع الرغبة الأمريكية، متوقعًا حدوث «ثورة أخرى»، فى حال وصول أى منهما إلى الحكم. يقول صادق إن المشهد السياسى المصرى يعانى حاليا مأزقًا غير مسبوق، «للأسف أعادنا للمربع رقم واحد قبل قيام ثورة 25 يناير، وتخيير نظام مبارك لنا بينه هو أو الإخوان المسلمين، فهذه الثنائية نفسها تعود الآن، مجسدة فى المنافسة بين كل من الفريق أحمد شفيق، بوصفه أبرز وجوه النظام السابق، من وجهة نظر شريحة عريضة من المصريين، وبين محمد مرسى، ممثلا لجماعة الإخوان المسلمين، وليس حزب الحرية والعدالة كما يراه الناس». وبحسب صادق، فإن «هذه الثنائية ظلت قائمة منذ زمن طويل، ودخلت فيها منظومة التوريث والفساد، حتى جاءت ثورة 25 يناير، للمطالبة بإسقاط النظام، وقيام دولة مدنية على العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية، وهو الطريق الثالث الذى نادى به شباب الثورة، بخلاف جيلى، الذى عاش فى أزمة الخلاف العقائدى للجمع بين الاشتراكية والرأسمالية». ويضيف صادق «جيلى كان يبحث عن الجمع بين العدالة الاجتماعية والحريات، واختار العدالة الاجتماعية وقتها، على حساب الحريات، نتيجة ظلم الإقطاعيين والرأسماليين، لكن جيل ثورة 25 يناير كان طموحا، فنادى بدولة مدنية تقوم على الديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية، وهى مطالب ليست صعبة، فهذا الطريق الثالث نجح فى أوروبا، وتم تطبيقه فعليا، وكنت أتمنى أن يكون الصراع السياسى فى جولة الإعادة بين النظام القديم، طالما لم يطبق قانون العزل السياسى، وبين قوى الثورة، بما فيها التيار الدينى الذى شارك فعليا فيها». ورغم اعتراف صادق بأنه يقف ضد جماعة الإخوان المسلمين سياسيا، إلا أنه يؤكد حقهم فى المشاركة السياسية، مضيفا «إذا كنت جزءا من تيار الإسلام السياسى، وتحديدا جماعة الإخوان، كنت سأعلن انسحابى من الانتخابات الرئاسية، لتكون هذه اللحظة التاريخية التى يكسبون مقابلها الشعب المصرى كله، فبهذه الطريقة، ستثبت الجماعة للثوار، أن مخاوفهم منها غير صحيحة، فى ظل سوابقها التى يعلمها جيلى عنهم، من انتهازية سياسية، وبعدما سيطرت على السلطة التشريعية». ويوضح صادق «لكننى فى نفس الوقت، لا أستطيع أن أطلب من شفيق أن ينسحب من جولة الإعادة، فكيف أستطيع أن أطلب من نظام سابق أن ينسحب من معركته مع الثورة، هذا الكلام سيكون غير منطقى، بعكس الإخوان، التى لو انسحبت، وأيدت الثوار، ومن يمثلهم، حمدين صباحى، لكانت خسارتها تحوَّلت إلى نصر تاريخى». وعن الضمانات التى تطلبها القوى المدنية من الإخوان، مقابل تأييد مرشحها محمد مرسى، حتى لا يتكرر سيناريو الثورة الإيرانية، فى حال فوز الإخوان بالرئاسة، يقول صادق «الضمانة الوحيدة لذلك، هى المصارحة، مثلما يحدث فى الغرب، وبالمقارنة بين نتيجة الانتخابات التشريعية والرئاسية، واللتين تفصل بينهما شهور قليلة، فالفارق واضح فى النتائج، وهى انخفاض شعبية الإخوان، فى دلالة واضحة تدركها الجماعة، على وجود تخوفات شعبية وسياسية منها، وأن الكثير من الفرص الضائعة فاتتها دون أن تشعر، رغم أن الإخوان أكثر حنكة سياسية بحكم الممارسة، من التيارات السلفية، التى تميل إلى الصدام، نتيجة عدم الخبرة السياسية». وفى مقارنته بين نماذج الحكم الإيرانى والسعودى والتركى، وأقربها للتطبيق فى مصر، إذا فاز مرشح الإخوان بالرئاسة، يؤكد صادق أن النموذج السعودى هو الأقرب لمزاج تيار الإسلام السياسى فى مصر، موضحا «الدول الكبرى الغربية لها الكثير من المصالح فى المنطقة العربية، ومصالحها مع مصر على القمة، باعتبارها مفتاح المنطقة، وكانت كل التقارير الواردة من المعاهد السياسية الأمريكية تصف نظام الرئيس السابق مبارك بالصديق، وبعد سقوط نظامه، أصبح الحل للحفاظ على هذه المصالح، هو أن يأتوا بنموذج الإسلام السعودى، المعتدل من وجهة نظرهم، والذى يمكنه أن يحقق مصالح الأمريكيين، ويخطئ من يظن أن الإخوان سيهددون العلاقات بين مصر وإسرائيل، أو يسعون لإشعال حرب جديدة بينهما، مثلما يتخوف بعض المصريين، وواقعة تهريب المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى، وما صاحبها من فرقعة إعلامية، والتصريحات النارية للإخوان فى مجلس الشعب، تثبت ذلك، فعقب سفر المتهمين، وجه السيناتور الأمريكى جون ماكين الشكر إلى الحكومة المصرية والسلطة التشريعية والمجلس العسكرى ومكتب الإرشاد». ووفقًا لتقديرات صادق، فإن سيناريو حدوث ثورة جديدة فى مصر، فى حالة فوز شفيق أو مرسى بالرئاسة، «سيكون أمرا واردًا، بعد أن تذوق المصريون طعم الحرية، لكنها لن تحدث دون مبرر، لأن المصريين حاليا يبحثون عن الاستقرار، وإذا حدثت، فإنها ستحدث نتيجة أخطاء شفيق أو مرسى». ويضيف صادق «تقديرى أن أخطاء شفيق أو مرسى، التى قد تؤدى لثورة أخرى، ستكون متعلقة بالحريات العامة، ويدخل فيها فرض قيود على الإبداع والفنون، وأخشى أن يكون لدى الإخوان مستقبلا عقدة حريات تجاه الآخرين، رغم معاناتهم السابقة»، وبالإضافة إلى الحريات، يرى صادق أن أخطاء المرشحين قد تظهر فى قضية العدالة الاجتماعية، خاصة أن «العدالة الاجتماعية تغيب عادة فى نظام يمينى مثل نظام مبارك، ووفق تصنيفى للإخوان، فهم يقفون أيضا فى معسكر اليمين، لأنهم رأسماليون وتجار، ولا يوجد عندهم تقدير لحق الفقير، رغم تشديد الإسلام على حقوقهم، ورغم أن ثورة 25 يناير قامت من أجل إعلاء قيم الحريات والقضاء على القهر السياسى، لكن يظل السبب الرئيسى لها هو غياب العدالة الاجتماعية، وقيام شباب الطبقة المتوسطة بها، هو الذى رحم مصر من ثورة الجياع». ويفسر صادق نجاح المرشح حمدين صباحى فى اقتناص الكثير من الأصوات فى معاقل الإسلاميين، بقوله «صباحى كان صادقا ومعاصرا فى خطابه للناخبين، وبعض الناس تقول إن الصدق فى السياسة سذاجة، لكنه يكسب المتلقى، فعندما سألوه هل ستقوم بالتأميم، لاحظ تخوف رجال الأعمال من سياسات عبد الناصر، ورد لا أنا ضد الخصخصة وتشريد العمال، لكننى أيضا ضد تأميم الشركات والمصانع، وبذلك كان صباحى يتحدث عن الطريق الثالث، ويقصد به الرأسمالية الاجتماعية، وعندما تحدث عن عبدالناصر، لم ينكر انتماءاته الناصرية والقومية، وهو ما ولد لدى قطاع عريض ممن أيدوه، شعورا بتصديقه، بالإضافة لانحيازه إلى العدالة الاجتماعية، والتى كانت سببا رئيسيا لقيام ثورة 25 يناير، وأنصحه أن يسعى لتكوين حزب فورا، ويستعد لانتخابات 2016». أما الأصوات التى حصدها الفريق أحمد شفيق، فيعتقد صادق أنها جاءت استنادا إلى نظرية «استرداد هيبة الدولة»، وبحسب صادق «فبغض النظر عما إذا كان صالحا أم لا، وقادرا على تنفيذ وعوده من عدمه، فهناك اعتقاد داخل الشارع المصرى، بأن أى رئيس قادم، يجب أن يعيد هيبة الدولة المصرية