كرم الله عز وجل الإنسان، وخلقه فى أجمل صورة، وحرم الله قتل النفس إلا بالحق، وقتل النفس يعد من الكبائر، يهتز لها عرش الرحمن، وافتدى الله روح الإنسان، بفدية، فاتحاً باباً للرحمة والتسامح والعفو بين البشر، والنفس البشرية خُلقت ووضع بداخلها حب المال والشهوات والبنون، تاركا الله البشر، يميزون بين الخبيث والطيب، فى ظل متربص لعين ألا وهو (الشيطان)، حتى يكافئ رب السموات والأرض، الصابرين والكاظمين الغيظ بجنات عرضها السموات والأرض. تلك هى قصتنا مع (كرم) أحد شباب قرية كوم مطاى شمال محافظة المنيا بصعيد مصر، 17 عاما فى المرحلة الثانوية، عرف عنه الاجتهاد والعمل فى القاهرة خلال فترة الإجازة المدرسية، للإنفاق على الدروس، ومعاونة أسرته فى الإنفاق والاحتياجات الأسرية، وحزم (كرم) حقائبه من القاهرة، عائدا إلى بلدته، حتى يعاود انتظامه فى مدرسته واستكمال دراسته بعد انتهاء إجازة نصف العام. نزل من القطار، وكله فرحة وسعادة، سوف ينام الليل فى حضن أهله، فهو مشتاق لحضن أمه، ورؤية والده وأشقائه، الأم تتابع من خلال الاتصال التليفونى خطوات فلذة كبدها لتطمئن على وصوله، وهى تعد طعام العشاء احتفالا بعودته، يسقط كوب المياه من يدها أثناء إعداد الطعام لينقبض قلبها. نزل كرم من القطار، يلتفت حوله على أى وسيلة لتوصيله لقريته كوم مطاى، ليفاجأ ب(شعبان) سائق توك توك، وأحد أبناء قريته، اطمأن له، وركب معه طالبا توصيله للمنزل، وفى وسط الطريق، طلب شعبان أجرة التوصيلة من كرم، طلب السائق ثلاثين جنيها، وهنا احتدم الخلاف ما بين أبناء القرية الواحدة، كرم، يريد أن يدفع عشرين جنيها فقط، والسائق يطلب (30 جنيها)، كرم صائحا: هو انت هتستغل أبناء بلدك؟، والسائق صائحا: الأجرة دى معروفة لأنك بالليل ولازم تدفع. كرم يرفض دفع سوى عشرين جنيها، والسائق يصر على ثلاثين جنيها، وما بين رفض كرم وإصرار شعبان، يدخل الشيطان بوسوسته اللعينة، لازم تدفعه، إنت تعبان طول اليوم علشان ترجع لبيتك وفى جيوبك مصاريف البيت، وكرم يرفض الاستغلال ودفع أكثر من الأجرة المقررة. زادت حدة الصوت والاختلاف، امتدت الأيادى، تشابكت، وتصارع أبناء القرية الواحدة، من أجل عشرة جنيهات، قادت النار بعدما نفخ فى الكير الشيطان (إبليس)، يمسك سائق التوك توك شعبان بقطعة خشبية، بعدما نزلا من التوك توك ليلاً، وقام بضرب كرم على رأسه، ثم أعقبها بضربات متتالية، وفى حالة اللاوعى، كرم يصرخ من توالى الضربات الموجعة على رأسه. صائحا: أغيثونى، حرام عليك هتموتنى، خذ اللى انت عاوزة، حرام عليك هتموتنى، ولكن كان وقتها شعبان سائق التوك توك لا يسمع شيئا بعدما وضع الشيطان (حفنة من الطين) فى أذنيه، حتى لا يسمع ولا يدرك أن ما يفعله هو جريمة كبيرة ونكراء. كرم يسقط قتيلا فى التو واللحظة، دون أن يرى أمه وأهله، وسائق التوك التوك يستولى على التليفون المحمول، وتحويشة عُمر «كرم»، وفور وصول الأمر للواء مجدى عامر، مدير أمن المنيا، ينتقل على رأس قوة أمنية لمكان الواقعة، بعدما تم الإبلاغ عن العثور على جثة كرم داخل الزراعات القريبة من قرية كوم مطاى، الأم تحاول الاتصال بنجلها، ولكن التليفون المحمول كان قد تم غلقه. شعرت بقلب الأم أن هناك شيئا ما قد حدث لنجلها، تصرخ من صميم رأسها، ابنى مات، يتحرك الأهل، ليجدوا جثة ابنهم غارقة فى دمائها، مهشمة بفعل القاتل اللعين، الذى لم يراع حرمة أنهم جيران وأبناء بلدة واحدة، وأن قتل النفس من فعل الشيطان، تتبعت الأجهزة الأمنية تليفون القتيل، حتى تصل للجانى. يتم ضبط شعبان، سائق التوك توك، وبعد تضييق الخناق، يعترف تفصيلا بجريمته النكراء، الأساور الحديدية كبلت يديه، وبين جداران وأسوار السجن الموحشة، يصرخ شعبان نادما، ولكن بعد فوات الأوان، قتلت نفسا بريئة من أجل عشرة جنيهات، كنت عبداً ذليلاً لوساوس الشيطان، حتى هلكت حياتك، وآخرتك، وأصبحت رقبتك قاب قوسين، أن تتدلى بين حبال عشماوى. وكانت تلك الرحلة الأخيرة ل«كرم» من القاهرة إلى بلدته أو العكس، انتهت رحلته فى الحياة، وضاع الحلم، رحلة كفاح قصيرة جدا.. قُتل دون ذنب.. دون دية.. دون أهل.. دونة أمه.