تناقش هذه الحلقة قصة الصراع بين الوفد والقصر من خلال رؤى كثيرة يأتى على رأسها دراسة الدكتور سامى أبوالنور خاصة فيما يتعلق بالفترة من 1922 إلى 1936. وتتناول الحلقة صراع الوفد من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. واعتمدت الدراسة على مذكرات فى السياسة المصرية للدكتور محمد حسين هيكل وحوليات مصر السياسية لأحمد شفيق، وتجربة مصر الليبرالية للدكتورة عفاف لطفى السيد. ملخص الحلقة الماضية ناقشت الحلقة الماضية، أسرار مؤامرة الملك فاروق للوقيعة بين الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس ومكرم عبيد، وكيف كان أحمد حسنين بطل هذه المؤامرة للنيل من حزب الوفد. كما تناولت هذه الحلقة الحزن الشديد الذى تعرض له النحاس عندما علم بوفاة مكرم، وله مقولة شهيرة فى هذا الشأن وهى أنه تمنى فقد عينيه ولا يسمع نبأ وفاة مكرم. كما ناقشت الحلقة الأسرار وراء إعلان أمريكا الحرب على النحاس. عندما أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير سنة 1922 من جانب واحد، كان ذلك يعنى فى الظاهر أن مصر قد حصلت على استقلالها من الناحية الشكلية. بيد أن هذا التصريح مع اعترافه الرسمى بالاستقلال، فإنه كان يحمل فى ثناياه كذلك الاعتراف الضمنى بأن مشيئة مصر لا تزال ناقصة، وانه لايزال خالياً من الطابع الذى يقرر إرادتها. والأخذ بمقولة أن التحفظات الأربعة الواردة فى التصريح سوف تكون محلاً للتفاوض بين البلدين على أمل الوصول بشأنها إلى اتفاق لم يكن ينفى بحال أن آثار الحماية مازالت باقية قد يتم الاتفاق عليها وقد لا يتم. وينهض دليلاً على نوايا بريطانيا ما استبقته لنفسها من تحفظات، وأرجأت المناقشة بشأنها إلى مفاوضات مقبلة، اذ ظلت- أى هذه التحفظات- بمثابة العقبة التى استحال معها الوصول إلى أى اتفاق، خاصة مسألة السودان، وذلك فى كل أطوار المفاوضات التى جرت بعد ذلك وحتى إبرام معاهدة 1936، مما يظهر معه إصرار بريطانيا على ألا يمس التصريح وضعها فى البلاد بشكل جوهري. والواقع أن المناخ السياسى العام الذى واكب إصدار التصريح لم يكن قط مناسباً. من ذلك أن القبض على سعد زغلول ونفيه وزملائه خارج البلاد، كان إجراء فى حد ذاته كافياً لدحر أى مشروع وحرمانه من تأييد الرأى العام، حتى بفئاته المعتدلة مهما كان هذا المشروع متفقاً مع الأمانى الوطنية أو حتى قريباً منها. بل إن هذا النفى قد جعل هذا التصريح يبدو وكأنه نتاج تآمر العناصر المعتدلة من أمثال عبدالخالق ثروت وعدلى يكن من جانب وبريطانيا من ناحية أخري. على الجانب الآخر حمل التصريح تأثيراته على دور القصر كمؤسسة سياسية. فى مرحلة ما قبل التصريح كان الجانب البريطانى هو المصدر الحقيقى لسلطة العرش، الأمر الذى لم يكن يتفق مع أطماع فؤاد وآماله فى الحكم المطلق والتخلص من مظاهر السيادة البريطانية. إلا أنه بصدور تصريح 28 فبراير سنة 1922، غدا المناخ أكثر ملاءمة للقصر الملكى لكى يلعب دوره، إذ أصبح «فؤاد» يحكم دولة من الناحية النظرية مستقلة ذات سيادة، وراح يخطب ود قوى الاحتلال، بعد أن اعترفت به ملكاً على مصر «المستقلة» واطمأن إلى مكانته وذريته على عرش البلاد بعد أن أصدر مجموعة من المراسيم الملكية لتنظيم وراثة العرش ووضع نظام الأسرة المالكة رتب بها من ينحصر فيهم لقب الإمارة، ويحكم قبضته على العائلة العلوية كي يجنب ذريته مغبة أى صراعات قد تدور حول العرش. وعلى الإجمال فقد بات التصريح قاعدة لسياسة حكم القصر. على الجانب الآخر أرّخ إصدار التصريح بداية لصراع حاد بين القصر والحركة الوطنية ممثلة فى الوفد المصرى بزعامة سعد زغلول. حقيقة أن تفجير الصراع بين الطرفين كان امراً حتمياً نتيجة لما بينهما من اختلافات جذرية فى المبادئ والغايات. فالوفد بحكم ايديولوجيته ورصيده الشعبى، اقتعد لنفسه صدارة الحركة الوطنية. ولعل تبنيه لفكرة الحكم الديمقراطى، بشكل خاص فى مواجهة القصر، قد أوقعه فى صراع حاد مع فؤاد الذى تولى عرش البلاد، وراح يتطلع إلى إرساء قواعد حكمه، وإحكام سيطرته على البلاد، ولم يكن يقبل وهو يصدر ذلك أية محاولة للحد من سلطاته واتجاهاته نحو الحكم المطلق. والصراع بين القصر والوفد بهذا المعنى، كان صراعاً بين عقائد مختلفة ومفاهيم متباينة اعتنقها طرفا الصراع، دون أن يكون صراعاً بين سعد زغلول وفؤاد فحسب. يتأيد ذلك بأن غياب أى منهما عن الساحة لم يؤرخ نهاية لهذا الصراع الذى تمتد جذوره إلى ما قبل ظهور الوفد كحزب سياسى بالمعنى المفهوم، بل منذ كان مجرد حركة سياسية تمثل البلاد فى المطالبة باستقلال البلاد. ولعل ما ساعد على تعميق أسباب الخلاف بين الوفد والعرش، ما كان من تشكيل الوفد الرسمى للمفاوضات المصرية- البريطانية برئاسة عدلى يكن فى 19 مايو 1921 وصدور المرسوم الملكى بذلك متجنباً إشراك الوفد فيه مما أحنق سعداً ورفاقه على فؤاد، وكشف عن اتجاهات القصر وعدائه للوفد. الصدام بين القصر وحزب الأغلبية: إنحياز الوفد كحزب شعبى لقضية الديمقراطية، ودفاعه عن الدستور والحكم النيابى إنما يصدر عن اقتناع قيادته بأن بقاءها فى مواقع السلطة كان دائماً رهناً بهما. على الجانب الآخر بدا الملك فؤاد بمظهر الحاكم الأوتوقراطى الأنانى الذى يفضل أن يرى مصر تغرق على أن تسبح بدونه. ولا ريب فى أن الوفد بزعامة سعد زغلول- خاصة أثناء الوزارة الدستورية الأولى قد سعى إلى الحد من أوتوقراطية العرش، ودارت بينهما صراعات حادة، خلعت على الوفد زعامته للحركة الوطنية وأكسبته شعبية لا ينازعه فيها أحد. وصار محركاً خطيراً للشعب وهدفاً للملك يتعين عليه تحطيم زعامته ومبادئه. إلى جانب ذلك فقد كان هناك العديد من المسائل التى فرضت نفسها على العلاقة بين القصر والوفد، ساعدت بدورها على تأصيل الخلاف بينهما. كانت مسألة العرش إحدى المسائل التى حاول بها خصوم الوفد السياسيون إظهاره بمظهر من يحاول السيطرة على العرش وفرض وصايته عليه، وأرادوا من وراء ذلك افساد العلاقة بينهما. من ذلك ما يقوله محمد على علوبة أحد أقطاب الأحرار الدستوريين فى مذكراته: «فى منتصف شهر يوليو 1920 أخبرنا سعد زغلول برغبته فى استشارتنا فى أمر ارتآه، وهو التساهل مع ملنر في بعض طلباتنا بشرط أن يعزل السلطان فؤاد، ونظر إلينا يريد إبداء آرائنا، وأذكر أن على ماهر أجابه بأن الموضوع فى حاجة إلى تفكير، وسأله أحدنا: من يكون سلطاناً اذن؟ فأجاب بأن يكون الرضيع فاروق سلطاناً بدل ابيه مع تعيينى وصياً عليه، ففهمنا من هذا أن سعداً كان يبغى أن يكون الوصى على العرش، أى عرش طفل عمره بضعة شهور وسيكون فوق ذلك رئيس الأمة باعتباره رئيس الوفد، فيصبح الحاكم بأمره فى البلاد. والواقع أن تأييد بريطانيا للنظام الملكى وقتذاك كان أمراً لا شبهة فيه، يتأيد ذلك بما انتحلته لنفسها من حق للتدخل فى نظام وراثة العرش عندما أبلغت السلطان فؤاد قرارها فى هذا النظام وفحواه الاعتراف بالأمير فاروق ونسله من الذكور كأولياء عهد السلطنة المصرية وأبلغت السلطان فؤاد بذلك فى 15 أبريل سنة 1920. يضاف إلى ذلك أنه لم يكن ليتصور أن سعد زغلول وهو بصدد التفاوض فى لندن بشأن قضية الاستقلال أن يطرح تنازلات أو يدخل فى مساومات بغية أن ينال الوصاية على العرش على حساب استقلال البلاد وهى قضية التفاوض الأساسية فضلاً عن ذلك ففى تقديرى أن سعد زغلول لم يكن ليقبل الوصاية على عرش البلاد أصلا فى ظروف الوجود الاحتلالي، والأحكام العرفية كانت لاتزال سارية تثقل كاهل البلاد. كل ذلك كان من شأنه أن يغل يد سعد زغلول فى زعامته للحركة الوطنية أو يجعله يركن الى ممالأة قوى الاحتلال. وتلك أمور فى جملتها مستبعدة بالنظر الى ماضى القيادة الوفدية و خطها الوطني. أما مسعى الوفد نحو الجمهورية، فكان أيضاً من الدعاوى التى أطلقها خصوم الوفد، أريد من ورائها توسيع فجوة الخلاف بينه وبين القصر. وكتبت جريدة «تايمز» اللندنية فى 4 يناير 1925 تقول: «ومع أن الوفد المصرى ما برح يجاهر بإخلاصه وولائه للعرش، فان جميع الدلائل تدل على أنه يسير سيرا مطردا نحو الجمهورية الصريحة». والواقع أن الوفد قد اتخذ من قضية الاستقلال منهجا أساسيا له، منذ أن ظهر كحركة سياسية، وحتي قبل أن ينخرط في سلك الحزبية، وكانت تلك القضية تشكل محور نضاله الأساسى، وبطبيعة الحال فإن تغيير نظام الحكم إلي الجمهورية، لم يكن ليخدم قضية الوفد الرئيسية بصورة أو بأخرى علي الإطلاق، علي العكس فإن سعي الوفد نحو الحكم الجمهورى - في تقديرنا - كان من شأنه أن يفجر صراعا آخر ضد العرش - غير الصراع الدستورى - قد يلجأ الملك معه إلي نضال مصيرى من أجل البقاء، خاصة أن بريطانيا - وهذا أمر أساسى - لم تكن بحال لتوافق علي تغيير النظام الملكى بعد أن اعترفت به ونظمته- علي نحو ما مر بنا- بالاضافة إلي ذلك فلم تكن هناك جدوى حقيقية للوفد من وراء قيام حكم جمهورى في ظل وجود احتلالى قوى. ويبدو أن الصراع الدستورى الذي جرى بين الوفد والملك في عهد الوزارة الدستورية قد فسره خصوم الوفد بأنه مسعي له نحو الجمهورية. وراح الأستاذ عباس العقاد يفند هذا الزعم بقوله: «أما إذا كان سعد طامعا في الجمهورية، فذلك ما لم يظهر منه بكلام ولا إيحاء إلي أحد من المصريين أو الإنجليز. ثم لماذا يكون طمع سعد في الجمهورية مسوغا للحكم بغير دستور والعمل لتحقيق ذلك منذ زمن طويل في حياة سعد وبعد مماته بسنوات؟!. وبعبارة أخري فإن ما ساقه خصوم الوفد من اتهامات له في هذا الصدد لم يكن سوي مسوغ لتبرير الانقلاب الدستورى أثناء العهد الزيورى، والذي جاء ليعضد حكم القصر. وكانت قضية الخلافة فصلا آخر للصراع بين الوفد والعرش. وتفصيل ذلك أن الزعيم التركي مصطفي كمال قام بإلغاء الخلافة في تركيا سنة 1924، معتقدا أن الخلافة كانت سببا لنكبة تركيا في العصر الحديث. وعن إنجلترا فقد رحبت بأن تكون مصر مقرا للخلافة. كما قيل إن في بعض البلاد الإسلامية اتجاها يدعو إلي أن يكون صاحب عرش مصر أول ملوك المسلمين بها. أما الحكومة الوفدية التي كان يرأسها سعد زغلول فلم تبد رأيا في الدعوة إلي المؤتمر الإسلامى، وكان أن أرسل الأمير عمر طوسون خطابا في 15 مارس 1924 إلي رئيس الوزراء في هذا الشأن، فرد عليه الأخير بكتاب في 18 مارس يقول فيه: «ردا علي خطاب سموكم المؤرخ 15 الجارى، أتشرف بأن أبدي أنني عرضته علي جلالة الملك لاختصاصه بمسألة الخلافة التي لها علاقة بشخصه الكريم، وسأبلغ سموكم ما أتلقاه من جلالته في هذا الشأن». علي الجانب الآخر كان فريق من الوزراء المعروفين بولائهم للملك مثل محمد سعيد باشا قد روجوا لفكرة مبايعة الملك فؤاد للخلافة. كما اهتم حسن نشأت رئيس الديوان الملكي بالنيابة بالاشتغال بالفكرة سرا، فكان يسافر إلي طنطا ويجتمع بالعلماء هناك، ثم يسافر إلي الإسكندرية والمدن الأخرى التي يمكن أن تقام فيها اجتماعات من العلماء، ثم بدأت تتكون جماعات في تلك الجهات بصفة لجان للخلافة. والواقع أن الوفد قد تحمس لفكرة الخلافة في البداية، باعتبارها قضية عامة تثير اهتمام عامة المسلمين. بل إن جريدة البلاغ الوفدية قد أنبرت تهاجم هيئة كبار العلماء في تركيا لتعريضها بصلاحية مصر مكانا لمؤتمر الخلافة. بيد أنه ما أن تبين للوفد أن القصر يعمد إلي تبنى فكرة الخلافة لدعم شعبيته في مواجهته حتي امتنع عن تأييد الفكرة أو الدعوة لها، بل ما فتئ أن حاربها، وتمثل ذلك في هجومه المتواتر علي لجان الخلافة، حتي لا تكون هناك قوة تعمل بجانبها في الخفاء وأن يكون مصدر هذه القوة موظفين بالقصر، وذلك اشارة إلي جهود حسن نشأت وكيل الديوان الملكى في هذا الصدد. يضاف إلي ذلك أن فكرة الخلافة لم تكن تلقي قبولا من بعض قطاعات الرأي العام، التي رأت أن الملك لا يجوز له أن يتولى مع ملك مصر أمور دولة أخرى بغير رضاء البرلمان طبقا للمادة 47 من الدستور، وأن رأي البرلمان هو الفصل في مسألة الخلافة قبل غيره من الأشخاص أو الهيئات. كان من الواضح أن فكرة الدعوة إلي الخلافة قد لاقت صعوبات كثيرة سواء من الداخل أو من الخارج، حتي أنه ما إن انعقد المؤتمر العام للخلافة عام 1926، حتي كان الفشل من نصيبه، وتهاوت آمال «فؤاد» في الخلافة. علي أية حال فإن إثارة قضية الخلافة وما تمخض عنها من نتائج جاءت تعكس جانبا من طبيعة العلاقة بين القصر والوفد فضلا عما أظهرته من دلالات مهمة ينبغي الاشارة إليها. منها أن القصر لم يكن ليظهر حماسا كبيرا لمسألة الخلافة وقت أن كان الوفد في موقع السلطة، وبدا بمظهر الراغب عنها رغم أنها كانت تشكل ركيزة أساسية في سياسته. يتأيد ذلك بما كان من تزايد مساعي القصر في الترويج لفكرة الخلافة وقت أن كان الوفد «خارج الحكم»، وذلك كان يصدر عن إدراك الملك «فؤاد» بأن علاقته بالوفد - خاصة أثناء عهد وزارة الشعب - لم تكن تسمح بنبت تلك الفكرة، ومن ثم فإن تشدد القصر في الدفاع عنها والدعوة لها من شأنه أن يزيد من صلابة هجوم الوفد، كما يقضي علي الفكرة أصلا وهي في مهدها. ومن ذلك أيضا أن القصر قد حفظ للوفد تلك «اليد السيئة»، في رفض فكرة الخلافة بل ومحاربتها في وقت كان القصر يسعي فيه لكي يكتسب وضعًا متميزًا في العالم الإسلامي يحقق لصاحب العرش زعامة دينية وزمنية تدعم وضعه كمؤسسة للحكم في مصر. بيد أن غياب سعد زغلول عن الساحة بوفاته قد ترك آثاره مما ترتب عليه حدوث انسلاخات أو انشقاقات في الوفد عدها البعض نتيجة ضمنية لتراكمات فترة قيادة سعد زغلول وزعامته. وقد امتد عداء القصر بعد ذلك لمؤيدي الوفد حتي لمن كانوا من الأسرة الملكية ذاتها. فما أن أصدر النبيل عباس حليم نداءه إلي الأمة في 2 أكتوبر سنة 1930 - بعد استقالة الوزارة النحاسية الثانية - أيد فيه الوفد وهاجم قرار حل البرلمان وإعلان دستور 1930، حتي أثار حفيظة القصر عليه، فصدر أمر ملكي بتجريده من لقبه وامتيازاته، وقد رأي البعض في صدور هذا الأمر نوعا من التهديد والتحذير لكي لا يتدخل أعضاء الأسرة المالكة في أي خلاف حزبي سياسى. وعن تقييمنا للعلاقة بين الوفد والملك فؤاد. فيمكن القول إن هناك اعتقادًا قد وقر لدي الأخير، بأن في استطاعته أن يسيطر علي الحركة الوطنية التي آلت زعامتها إلي الوفد وذلك من خلال سيطرته علي الحزب الجماهيرى، إلا أنه ما إن تكشفت نوايا كل منهما للآخر، حتي بدأت العلاقة بينهما تتسم بطابع عدائى حاد. ففي الوقت الذي أتخذ فيه الوفد من الحكم وسيلة لتحقيق استقلال البلاد، فضلا عن محاولاته للحد من ميول القصر الأوتوقراطية لكي يملك ولا يحكم، كان الملك فؤاد يري في الوفد خصما عنيدا يحاول أن يعيد للأمة حقوقا يعتقد «فؤاد» أنها له، وأن انتقال الحكم من القصر إلي الوفد يعني إحلال ديكتاتورية محل أخرى. ولا مراء في أن التطورات التي اعترت الموقف الدولي قد انعكست آثارها علي الأوضاع الداخلية في البلاد بصفة عامة، وعلي الصراع بين القصر والوفد بصفة خاصة.. ذلك أن تفاقم المشكلة الحبشية وتزايد الخطر الإيطالى، دفع بريطانيا إلي محاولة التفاهم مع الوفد وابرام معاهدة تطلق يدها علي أرض مصر إذا ما اندلعت الحرب. وكان ذلك بطبيعة الحال تقوية لشوكة الوفد في مواجهة القصر. أضف إلي ذلك أن تزايد وطأة المرض علي الملك فؤاد، قد جعلته - بلا ريب - يفقد إلي حد بعيد تأثيره السياسى الفعال.