«السيسى» أول حاكم مصرى يزور الأقباط فى الكاتدرائية لتهنئتهم بأعيادهم لأول مرة يتبرع رئيس دولة لبناء كنيسة كاملة من ميزانية الدولة فى العاصمة الإدارية قانون بناء الكنائس كان حلماً يراود المسيحيين منذ عام 1856م سوف نتناول فى هذه المقالة الثالثة عن السيسى وبناء الكنائس؛ تحقيقاً لوسطية واعتدال الإسلام، فمن المعروف تاريخياً أن المسيحية دخلت مصر على يد مرقس الرسول فى عام 68 ميلادياً، وكان أول بطريرك للكرازة المرقسية فى تاريخ مصر مار مرقس الرسول، وقد مرت الكنيسة الأرثوذكسية بعدة عهود حكمت مصر منذ عام 58م، فقد كان يحكم مصر الدولة الرومانية فى عام 30 ق.م بعد انتصار الإمبراطور أكتفيوس على كليوباترا، ثم بدأ دخول المسيحية إلى مصر فى عام 58م. وفى عصر الإمبراطور قسطنطين، أصبحت الديانة المسيحية هى الديانة الرسمية للدولة الرومانية. وفى عام 451م حدث خلاف بين المسيحيين فى العالم حول طبيعة السيد المسيح، وانقسم العالم المسيحى إلى ملتين، الملة الكاثوليكية بزعامة بطريرك روما، والملة الأرثوذكسية برئاسة بطريرك الإسكندرية المصرى، وعندما تولى الإمبراطور هرقل فى 610م أصدر أوامره بأن يؤمن جميع رعايا الدولة الرومانية ومنهم مصر بالملة الكاثوليكية، وعين حاكماً على مصر المقوقس الذى أراد إجبار المسيحيين الأرثوذكس على ترك ملتهم، والدخول فى الملة الكاثوليكية، ورفض سكان مصر ترك ملتهم، لذلك تعرضوا للعذاب أشكالاً وألواناً، فقد قتل ما يقرب مائة ألف مصرى أرثوذكسى بالتعذيب ووضعهم فى زيت مغلى أو القتل بالغرق فى البحار وقشط جلدهم والربط فى فروع الأشجار بآلة خاصة وترك فروع الأشجار تعود لوضعها الطبيعى فيتمزق المسيحى الأرثوذكسى إلى عدة أجزاء. والمؤرخ القبطى الأرثوذكسى ساديروس بن المقفع فى كتابه «سيرة الآباء البطاركة»، قال إن دماء الأقباط الأرثوذكسيين وصلت أى حد رُكب خيول الجنود الرومان الكاثوليك. وقال ذلك المؤرخ القبطى، إذا كانت عجائب الدنيا سبعاً، فإن العجيبة الثامنة هى بقاء المسيحية الأرثوذكسية فى مصر. وفى هذا الجو المأساوى من عذاب الأقباط فى مصر أتى عمرو بن العاص بجيش قوامه أربعة آلاف مقاتل، ودخل من العريش فى العام الثامن عشر من الهجرة فى عام 639 ميلادياً، ثم إلى بلبيس، ثم عين شمس، ثم حصار حصن بابليون بجزيرة الروضة لمدة سبعة أشهر، ثم الإسكندرية. ومن المؤكد تاريخياً أن الأقباط الأرثوذكس ساعدوا الجيوش الإسلامية خلال سيرها وأمدوا الجنود الإسلامية بالأكل لهم ولخيولهم؛ للخلاص من الاضطهاد الكاثوليكى، لذلك هرب بطريرك الأرثوذكس الأنبا بنيامين ورفاقه إلى مدينة بالصعيد، وهى مدينة قوص، إلى أن جاء عمرو بن العاص، وأعطى الأنبا بنيامين البطريك 38 الأمان فى أن يدير شئون طائفته وملته بحرية، وقد كانت الدولة الإسلامية، وهى فترة الرسول والخلفاء الراشدين الأربعة أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وعلى، تحكم من المدينة فى عام 661 ميلادية ليبدأ عصر الدولة الأموية بقيادة الخليفة الجديد معاوية بن أبى سفيان، وكانت تحكم من دمشق. وفى عام 745 بداية عصر الدولة العباسية، وكانت تحكم من بغداد، ثم عهد الدولة الإخشيدية والطولونية والفاطمية والأيوبية، ثم عهد المماليك وعهد الدولة العثمانية الذى بدأ من 1517 ميلادياً، ثم الاحتلال الفرنسى، ثم الاحتلال الإنجليزى فى عام 1882 ميلادياً وأسرة محمد على، ثم عهد ثورة 1952 ميلادياً بداية من الرئيس محمد نجيب ومن تلاه من رؤساء إلى اليوم، إلى أن جاء عهد الرئيس السيسى فى كل هذه العهود السابقة على السيسى لم يحدث أن دخل حاكم مصرى أو أجنبى الكاتدرائية المرقسية سواء فى الإسكندرية أو فى العباسية بالقاهرة؛ لكى يزور الأقباط ويحييهم فى عيدهم إلا رئيس واحد فقط هو الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى دخل لأول مرة فى 6 يناير 2015 ليقول للأقباط الأرثوذكس «كل سنة وأنتم طيبين» بعيد الميلاد المجيد، وأصبحت سنة رئاسية تتكرر كل عيد ميلاد حتى اليوم. وفى 6 يناير عام 2015 كنت موجوداً أصلى فى الكاتدرائية، أصلى صلاة العيد وفوجئ كل الحاضرين بالصلاة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى بينهم جاء ليهنئهم بالعيد وسط زفة من الشمامسة والكهنة واستقبله البابا تواضروس الثانى وسط زغاريد وتهاليل الأقباط الموجودين فى الكنيسة، وتزايدت هتافات الأقباط بصوت جنونى داخل الكاتدرائية تصيح. وأتذكر صيحات الأقباط يقولون بنحبك يا سيسى ويحيا الهلال مع الصليب. ووجه الرئيس السيسى كلمة قصيرة لتهنئة الأقباط بعيدهم، وهنا تعالت صيحات الأقباط مرة أخرى بنحبك يا سيسى خليك معانا شوية يا ريس، وخاصة حينما قال الرئيس السيسى فى ختام كلمته أنا هنا فى بيت من بيوت الله، ويدعو الله أن يحفظ مصر، وأذكر بعد الصلاة أن اتصل بى أخى صفوت من نيوجيرسى فى أمريكا ليقول لى إن الأمريكان فى أمريكا كلها وخاصة الأقباط فى أمريكا غير مصدقين ما يحدث أمام أعينهم من زيارة الرئيس السيسى للكاتدرائية، وصفوت أخى هو مصرى أمريكى الجنسية، قال لى إن كل الأقباط فى نيويورك ونيوجيرسى يتصلون ببعضهم لفتح جهاز التليفزيون لمشاهدة ما لم يخطر على بال أحد منهم. أسرد هذه الوقائع لكى أقول إن الرئيس السيسى لم يفعل ذلك من عنده، ولكن من وسطية واعتدال الإسلام الذى هو أحد المؤمنين به، ففى خطبة الوداع فى عام 632 ميلادية قال الرسول صلى الله عليه وسلم «يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد لا فضل لعربى على أعجمى ولا أعجمى على عربى ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» قمة المساواة بين البشر قالها الرسول ونفذها، وكذلك نفذها الرئيس السيسى؛ انطلاقاً من وسطية واعتدال الإسلام. ثانياً: وأتذكر بهذه المناسبة حينما كنت عضواً بالبرلمان المصرى كتبت كتاباً بعنوان: مشاكل الأقباط فى مصر وحلولها ووضعت فيه كل مشاكل الأقباط والحلول وأرسلته إلى الرئيس مبارك لقراءته، فأرسله إلى الدكتور مصطفى خليل، وقد كان رئيساً للبنك العربى الأفريقى فى ذلك الوقت، وكان الرئيس مبارك يثق فيه، ودعانى الدكتور مصطفى خليل إلى مكتبه فى البنك ثلاث مرات بجوار ميدان مصطفى كامل؛ لدراسة ما يمكن تنفيذه من هذه الحلول لمشاكل الأقباط طبقاً للظروف الموجودة والإمكانيات المتاحة، فعرضت عليه أن يكون عيد الميلاد عيداً لكل المصريين يهنئون بعضهم البعض تأكيداً للوحدة الوطنية؛ لأن قضية مولد السيد المسيح بطريقة إعجازية محل اتفاق بين القرآن والإنجيل. وعرض الدكتور مصطفى خليل أن يكون كذلك عيد القيامة يوم إجازة مثل المولد النبوى أو غيره من الأعياد الإسلامية، ولكنى اعترضت لأن قضية القيامة قضية خلافية فى القرآن والإنجيل، وقد عرض الدكتور مصطفى خليل بعض الحلول المتاحة لمشاكل الأقباط، وكان أول اقتراح جعل عيد الميلاد عيداً رسمياً لكل المصريين يهنئون بعضهم البعض. ثالثاً: إنى مبهور من موقف الرئيس السيسى من قضية بناء الكنائس تحقيقاً لوسطية واعتدال الإسلام، فكل ما ذكرته عن عهد عمر بن الخطاب أو عهد جمال عبدالناصر أن كلاً منهما تبرع بجزء من بناء الكنيسة ولكن لأول مرة فى تاريخ مصر منذ الفتح الإسلامى لمصر يتبرع رئيس دولة ببناء كاتدرائية وكنيسة كاملة من ميزانية الدولة فى العاصمة الإدارية الجديدة لم يدعُنى أحد يوم افتتاح كنيسة العاصمة الإدارية الجديدة، ولكنى زرتها بعد ذلك بمدة منذ عدة أشهر، ومعى زوجتى الدكتورة سلوى، ودخلت الكنيسة الموجودة بالعاصمة الجديدة، فوجدت طرازاً معمارياً عالمياً لا يقل عن كل الكنائس التى تعتبر مزاراً عالمياً فى فرنسا أو إنجلترا أو إيطاليا أو إسبانيا وتنفيذاً معمارياً على أعلى مستوى. وفى نفس الزيارة، زرت المسجد المقام على أرض العاصمة الجديدة على بعد عشرات الأمتار من بناء الكنيسة، فوجدت مسجداً على طراز معمارى يجعل منه أفخر مساجد العالم العربى والإسلامى، لذلك أتمنى من وزير السياحة أن يضع كنيسة ومسجد العاصمة الإدارية على خريطة المزارات السياحية؛ لكى يرى العالم كله عظمة التآخى والمحبة بين المسلمين والمسيحيين فى عهد الرئيس السيسى، انطلاقاً من تطبيق السيسى لمبدأ وسطية واعتدال الإسلام مع الآخر فى سورة الكهف آية 29 (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وهذا ما ردده وقاله الرئيس السيسى، مؤخراً، فى إحدى خطبه أمام المؤتمر العالمى للشباب فى شرم الشيخ، إن الدولة لا تتدخل فى علاقة الإنسان مع ربه، وللإنسان أن يختار ما يريده.. أخيراً أقول لماذا عرفتم أن الأقباط فى مصر مؤيدون لنظام السيسى، الإجابة لأنه يطبق وسطية واعتدال الإسلام بصدق ومحبة وبأفعال وليس بأقوال ودون كلام معسول أو مخدر كما كان يحدث فى عهود كثيرة. رابعاً: لعلى أكون قد أجبت عن السؤال الذى يطرحه العالم كله داخل وخارج مصر لماذا وقف الأقباط مع نظام السيسى، وخرجوا بالملايين فى 30/6/2013م؛ لأنه بصراحة شديدة لم يستمع، ولم يخف من الأصوات العالية للمتطرفين والإخوان والسلفيين كما كان يفعل بعض الحكام فى العهود السابقة، ولكنه استمع لصوت القرآن الكريم فى سورة المائدة آية 82، «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى»، وحينما قال القرآن فى سورة المائدة 256 «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى»، واستمع إلى صوت الرسول حينما قال «من أذى ذمياً فأنا خصيمه يوم القيامة»، لذلك اعتنق الرئيس السيسى وسطية واعتدال الإسلام. خامساً: ومن حسن الحظ أن الرئيس السيسى لتنفيذ وسطية واعتدال الإسلام اعتمد على محبة الشعب المصرى لشخصه، واعتمد على القوات المسلحة، واعتمد على جهاز الشرطة، واعتمد على أبناء البرلمان المصرى، وكلهم وطنيون وعلى رأسهم أحد عمالقة القانون العام فى الشرق الأوسط الدكتور على عبدالعال، أحد مساعدى الرئيس السيسى فى تنفيذ وسطية واعتدال الإسلام فى المجال التشريعى من خلال البرلمان ولأول مرة فى تاريخ المسيحية فى مصر يستمع إلى الأقباط فى مصر، ويحقق لهم حلم قانون بناء وترميم الكنائس، فقد كان حلماً للأقباط منذ ظهور الخط الهمايونى فى عام 1856 وهذا هو موضوع المقال القادم عن الدكتور على عبدالعال ووسطية واعتدال الإسلام فى بناء الكنائس.