«بمظهر أنيق وملابس منمقة وخطوات ثابتة» هكذا كانت تسير «نهى»، بين شوارع قريتها فى محافظة الشرقية، كانت تلك الفتاة تتمتع بجمال إلهى يجعل الجميع يرغب فى التقرب إليها، فكانت حلماً لكل شباب القرية، يتهافتون عليها لنيل رضاها، لكنها كانت تترفع عن الجميع فى انتظار فتى أحلامها الذى سيأتى بالصورة التى رسمتها له فى مخيلتها، لكنها لم تعلم بأنه سيكون تذكرتها إلى الآخرة. تعرفت الفتاة على أحد الشباب، الذى أقنعها بمظهره الجذاب وكلماته المعسولة حتى صارت كالخاتم بين أصابعه يحركها كيفما يشاء، كان ينظر إليها على أنها فريسة يجب عليه التهامها قبل أن يسبقه غيره إليها، لكنه ينتظر الوقت المناسب لافتراسها، وحتى لا يطير منه صيده الثمين، مرت الأيام بين الاثنين ينسجان أسطوانات حب وهيام، حتى بصمت الفتاة على حبه، وأيقنت بأنها اختارت الفتى المناسب الذى سيغير حياتها ويسير بها على جواده الأبيض نحو حياة هادئة ومستقرة. «دا الوقت المناسب» قالها الشاب لنفسه ليبدأ مرحلته التالية فى الوصول إلى هدفه نحو الفتاة التى تدللت على الجميع وأصبح هو مالك زمامها بعد جهد وعناء، فكر الشاب كثيراً فى حيلة يستدرج بها الفتاة ليوقعها فى بئر الرذيلة على أن يكون ذلك بموافقتها، جلس الشاب وأحكم إغلاق غرفته ليعقد صفقة ثنائية مع الشيطان، ليوقع بالفتاة التى تفكر به ليل نهار على أمل تنفيذ وعده بالزواج لها. «إحنا مش هينفع نكمل مع بعض» وقعت تلك الكلمات كالصاعقة على الفتاة الضحية وشعرت بأن قلبها يقتلع من جذوره كما تفعل الرياح العاتية فى الأشجار فى ليل الشتاء العاصف، لتبدأ تنساب دموعها على وجنتيها، وتتذلل لحبيبها من أجل العدول عن قراره والعودة إليها مرة أخرى، لكنه أصر على قراره فى سبيل الضغط عليها حتى تستجيب لجميع رغباته. لم تذق الفتاة طعم النوم فى تلك الليلة حزناً على قرار حبيها المفاجئ وظلت تحاول الاتصال به لمحادثته، لكنه لم يستجب لها، فى الصباح الباكر لم تمل هى من كثرة الاتصال حتى استجاب لها وقرر أن يرد على مكالماتها التى لا تنقطع ليخبرها بصوت خافت بأنه ما زال يعشقها لتهدأ ضربات قلبها وتجفف دموعها، وأصغت إليه بكل جوارحها تستمع لكلماته التى تشعرها بأنها ما زالت على قيد الحياة. مع تلك التجربة التى مرت بها الفتاة تأكدت أنها لا يمكنها الاستغناء عنه حتى وإن كان على سبيل الدلع فعقاب الفراق هى أقل من أن تتحمله، بدأ الشاب يتدلل عليها بعدما تأكد بأنه يملكها بين يديه وتغيرت لغة الحوار بينهما إلى تهديد أحياناً وإلى تلميحات نحو الغرائز تارة أخرى، فى البداية كانت ترفض الفتاة تلك الكلمات لكنها كان يهددها بالفراق، وكانت هى لا ترغب فى البعد فهى لن تتحمل تجربة الانفصال مرة أخرى. مرت الأيام بين الاثنين حتى تعودت هى على تلك الطريقة وأدمنتها معه وتطورت إلى لقاءات بينهما وتجرأ على لمسها حتى أوقعها فى بحر الرذيلة وسلبها أعز ما تملك أى فتاة، لم تنس الفتاة ذلك اليوم الذى ودعت فيه براءتها على يد ذلك الوحش الآدمى، ظلام الغرفة، حركاته، بكائها، ضعفها أمامه.. كلها أشياء لا يمكن أن تمحيها الأيام من ذاكرتها، لكنه ربت بيديه على كتفها وطمأنها بأن ذلك شىء عادي بين المرتبطين، خاصة بأنه كلم أسرته لخطبتها وأنهما سيتزوجان قريباً. انتظرت الفتاة طويلاً «أياماً وليالي» قدوم أسرته ليصححا خطأهما لكنها كانت أشبه بمن تنتظر عائداً من القبر، وتفنن هو فى خلق الحجج والأكاذيب الواهية للهروب منها على أمل استدراجها لإشباع رغبته مرة أخرى، وكانت هى تستجيب له ظناً منها بأنه سيصدق فى وعده لها مع مرور الأيام. بعد فترة ليست بالقليلة شعرت الفتاة بتغيرات تطرأ على جسدها لم تعهدها من قبل وأحست بأن شيئاً يتحرك داخل أحشائها، شيئاً قرأت عنه فى الكتب وسمعت عنه ممن هن أكبر منها سناً، خفق قلب الفتاة فى تلك اللحظة وأيقنت بأنها تحمل طفلاً «طفل حرام»، أسرعت نحو هاتفها للاتصال به لكنه قابلها برد بارد لم تتوقعه «محدش ضربك على إيدك ماتتصليش بيا تانى» لتنتهى المكالمة بينهما سريعاً لتزيد من آلام صدرها، خارت قوى الفتاة فى ذلك الوقت وسقطت مغشياً عليها لتهرول والدتها إليها محاولة إفاقتها، ولم تكن تعلم بأن هناك مصيبة تنتظرها. استجمعت الفتاة قواها بعد فتره ولم تجد حلاً أمامها سوى إخبار أسرتها بمصيبتها، جلست الفتاة بصحبة والدتها تشكو لها وفاجأتها بخبر حملها «يا ماما أنا غلطت مع واحد وحامل منه» اعتقدت الأم أنها مزحة سخيفة ستنتهى بابتسامة عريضة من ابنتها، لكنها فوجئت بجمود ملامحها التى لم تتغير وتساقطت دموعها، اسودت الحياة فى عين الأم وذهبت أحلامها فى ارتداء ابنتها الفستان الأبيض أدراج الرياح، وانهالت على ابنتها بالضرب.. كادت تقتلها انتقاماً منها، لكن ذلك لم يشف غليلها، وأدخلتها إلى الغرفة واستدعت الأب ليشاركهما المصيبة. «يا ريتها ماتت ولا سمعت الخبر دا» وقف الأب يندب حظه العاثر ومصيبته فى ابنته التى كان يتباهى بها، لكنه قرر الانتقام منها واتفق مع أمها على غسل عارهما «مفيش حل تانى لازم نموتها» وجلس الاثنان يضعان خطة الخلاص من فلذة كبدها، مع محاولة الهروب من العقاب، دخلت الأم إلى ابنتها فى غرفتها وتوددت إليها بأنها ترغب فى إنهاء حملها الثقيل وإجهاض ذلك الطفل، واتفقت معها على إعطائها منوماً حتى لا تشعر بآلام الإجهاض، لم تتخيل الفتاة بأنها ستكون نومتها الأخيرة. تناولت الفتاة المنوم معتقدة بأنها ستعود إلى وعيها وستكون قد أنهت همومها وتخلصت من فضيحتها، لكن الأب والأم بعد أن غابت عن الوعى نظرا إلى بعضهما، وأنهيا حياتها وقطعا جسدها بقلوب متحجرة، ووزعا جسدها على عدة أكياس بلاستيكية ودفنها الأب داخل أرض زراعية يملكها، وعاد بعد غسل عاره ليستريح على أريكته، لكنه لم يهنأ براحته بعد شكوى الأهالى من خروج رائحة كريهة من باطن أرضه فلم يجد أمامه حلاً سوى إخراجها وتوزيع جسدها على المصارف، لكن لم تفلح خطته وعثر الأهالى على أجزاء جسدها وتم إخطار أجهزة الأمن ولم تجد التحريات صعوبة فى الوصول إلى صاحبة الأجزاء الممزقة أو الجناة، ألقت القبض على الأب والأم اللذين لم يتحرك لهما ساكناً، فهما قاما بغسل عارهما الذى لوثته طفلتهما بعشقها الحرام.. تم اقتياد كل منهما إلى سجن خاص به ونظراتهما الأخيرة تقول نحن كنا مضطرين لفعل ذلك.. لماذا كل هذا اللوم والعتاب ألا يكفيهم ما نحن فيه من ألم وعذاب على فراق ابنتنا.