تعد أزمة الإسكان واحدة من أهم القضايا المطروحة علي جدول أعمال الرئيس القادم، فطيلة العقود الماضية كانت هذه الأزمة حجرا عثرة في سبيل كل الحكومات، التي عجزت جميعها عن حلها، وظلت هذه الأزمة دليلا علي فشل حكومات الحزب المنحل في حل مشكلات مصر.. واليوم تعد هذه الأزمة هي التحدي الأكبر أمام الرئيس القادم، وحسب آخر الإحصاءات تحتاج مصر إلي 4 ملايين وحدة سكنية لحل الأزمات المتراكمة طوال العقود الماضية، بالإضافة لما يقدر ب 800 ألف وحدة سكنية سنويا لمواجهة حالات الزواج الحديث والإخلاء الإداري فهل سينجح الرئيس القادم في حل هذه المشكلة؟! أم سيكون مصيره مثل مصير النظام السابق؟! وتعود أزمة الإسكان إلي سبعينيات القرن الماضي، حيث تفاقمت ظاهرة الهجرة من الريف للمدن، وهو ما أدي لظهور المناطق العشوائية التي وصل عددها لما يقرب من 1200 منطقة عشوائية يعيش فيها ما يقرب من 12 مليون نسمة، ومع تخلي الحكومة عن دورها في توفير مساكن لمحدودي الدخل، خاصة بعد اتجاه الحكومة لاقتصادات السوق الحرة، تفاقمت المشكلة أكثر وأكثر، وفي عهد وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان من 1993 وحتي 2005 اتجهت الحكومة لبناء المساكن لعلية القوم وركزت جهودها لإنشاء الشاليهات الفارهة في مارينا والساحل الشمالي، ما أدي لتفاقم الأزمة أكثر وأكثر، وزاد من الطين بلة تقليص دور هيئة تعاونيات البناء والإسكان، ومنعها من إنشاء مساكن لمحدودي الدخل بفائدة بسيطة لا تزيد علي 5٪، ومع ارتفاع أسعار الشقق التي يبنيها القطاع الخاص، وتفرغه لبناء نوعية جديدة من المساكن الراقية جدا «الكومباوند»، ومع زيادة معدلات الفقر في مصر، عجز كثير من المصريين عن توفير سكن ملائم ولم يعد أمامهم سوي سكن العشوائيات والمقابر وحواف الجبال التي تتهدم عليهم فتحدث كوارث إنسانية مروعة، وهو ما حدث في الدويقة منذ عدة سنوات. ووفقا للإحصاءات الرسمية فمصر في حاجة لحوالي 4.2 مليون وحدة سكنية لمواجهة أزمة الإسكان الناتجة عن ميراث السنوات الماضية وفقا لما ذكر الدكتور أبوزيد راجح رئيس المركز القومي لبحوث البناء والإسكان الأسبق، مشيرا إلي أن الرئيس القادم سيرث تركة مثقلة تتمثل في أن هناك فئة في مصر تحتاج ل 3 ملايين وحدة سكنية لتعيش في مستوي آدمي حيث انهم يعيشون في أماكن غير آدمية إطلاقا، هذا في الوقت الذي توجد فيه فئة قليلة لديها مخزون سكني يقدر بخمسة ملايين وحدة سكنية فاخرة لا تجد من يسكنها، كذلك هناك مشكلة القيمة الإيجارية وامتداد عقد الإيجار، وهي مشكلة لم يستطع أحد حلها حتي الآن. أما المشكلة الأكثر تعقيدا فهي كيفية توفير الاحتياجات السنوية للمصريين من الشقق، حيث ان هناك 600 ألف حالة زواج حديث سنويا، في حاجة لعدد مساو من الوحدات السكنية، وما يقرب من 60 ألف حالة إخلاء إداري سنويا، بالإضافة لحالات الخطورة الداهمة أي أننا في حاجة لما يقرب من 800 ألف وحدة سكنية كل عام، بالإضافة لمشكلة الحيز العمراني للمدن والقري والتي ضاقت بساكنيها فكل هؤلاء أين يذهبون؟! وحلاً لهذه المعضلة يري الدكتور راجح أن الرئيس القادم مهما كان برنامجه لن يستطيع أن يحل المشكلة وحده، وإنما الأمر يحتاج إلي نظام جديد قادر علي حل هذه المشكلة بإخلاص ووطنية، فالوعود وحدها لا تكفي ولكن لابد من رؤية متكاملة لحل مشكلة الإسكان بكافة جوانبها، وهذا الأمر يحتاج لدراسة واعية ومستفيضة. جدير بالذكر أن معظم برامج المرشحين للرئاسة إن لم تكن جميعها تحدثت عن مشكلة الإسكان، ووضعت حلولا لها جاءت في أغلبها التوسع في برامج الإسكان الاجتماعي ومساكن الشباب، وتعزيز المشاركة الشعبية في حل الأزمة، وتفعيل دور القطاع الخاص، وحل مشاكل العشوائيات، إلا أنها أغفلت ذكر مصادر تمويل هذه المشروعات ولم تتطرق وفقا للدكتور محمد كمال القاضي أستاذ الدعاية السياسية بجامعة حلوان- إلي وضع حلول حقيقية لهذه المشكلة وغيرها من مشكلات المجتمع المصري، وأضاف الدكتور الذي قام بدراسة كافة برامج المرشحين- أن معظمهم اعتمد في برامجه علي الأحلام والأمنيات، ولم تتضمن البرامج آليات لتنفيذ هذه المقترحات. وأشار إلي أن المرشحين تحدثوا عن مشكلات الإسكان والصحة والبطالة والتعليم وغيرها دون الحديث عن آليات علمية لتنفيذ هذه البرامج علي أرض الواقع. ويضع الدكتور حسين جمعة رئيس جمعية الحفاظ علي الثروة العقارية روشتة للرئيس القادم لحل أزمة الإسكان، مشيرا إلي أن حل أزمة الإسكان في مصر يجب أن يسير في اتجاهين، الأول: النص في الدستور الجديد علي أحقية المواطن المصري في الحصول علي سكن مناسب عند وصوله لسن محددة، أو توفير مقابل مادي يمكنه من الحصول عليها، والثاني هو إنشاء هيئة عليا للثروة العقارية تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، تكون مسئولة عن كل ما يخص الإسكان من قوانين وأراض وتصاريخ، وتوفير مساكن للمواطنين، علي أن تكون هذه الجهة هي المسئولة عن كافة أراضي الدولة بما فيها أراضي الإسكان والزراعة، والأرضي الصحراوية، مثلما هو متبع في إيطاليا للقضاء علي كافة التعديات التي تقع عليها، وضمان الاستغلال الأمثل لها، وحصر كافة مشاكل العقارات في مصر، مع ضرورة حصر دقيق للعشوائيات ووضع خطة شاملة لتطويرها، وحصر كافة القوانين والأوامر العسكرية والقرارات الوزارية الخاصة بالإسكان والتي تقدر بحوالي 140 قانوناً وأمراً وقراراً، وضمها جميعا في قانون واحد، مع ضرورة إيجاد علاقة جيدة بين المالك والمستأجر سواء علي طريقة القانون القديم أو الحديث، وإنشاء جهة مختصة لصيانة العقارات، ووضع خطة عقارية لمصر علي المدي البعيد تكون مسئولة عن النسق المعماري والحضاري لحصره وتنظيمه وتوحيده بحيث نضمن لمصر شخصية معمارية مميزة، مع ضرورة دراسة مشكلة انهيار العقارات في مصر وأسبابها ووضع حلول جذرية لها. وتطالب الدكتورة سهير حواس أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة الرئيس القادم بضرورة الاستعانة بالدراسات التي أجريت في العديد من الجهات البحثية والتي تحدثت عن حل مشكلة الإسكان، وشروط المسكن المناسب، والبعد عن التعامل مع مشكلة الإسكان علي أنها مشكلة فورية يتم التعامل معها من منطلق رد الفعل، وليس البحث عن حلول جذرية لمشكلة ضاربة بجذورها في أعماق مصر كلها. جدير بالذكر هنا أن مشكلة الإسكان ليست خاصة بالعاصمة والمدن الكبري فقط، ولكنها تمتد إلي كل القري والنجوع، وهو ما أدي إلي تآكل الأراضي الزراعية بالبناء عليها، وخلق مجتمعات عشوائية في كل المحافظات، وإذا كانت الأرقام تشير إلي تقلص المساحة المزورعة بما يعادل 1.2 مليون فدان خلال السنوات ال 12 الماضية بسبب البناء عليها، لذلك تطالب الدكتور سهير حواس بضرورة وضع خطة للسكن المستقر لمحدودي الدخل، ووضع استراتيجية عامة لاحتواء الأزمات التي تحتاج لتوفير إيواء عاجل.. وتشدد علي أهمية تخصيص جهة مرجعية للاستعانة بكافة الدراسات التي أجريت طوال الأعوام الماضية لحل أزمة الإسكان، مع الوضع في الاعتبار أن العالم كله تراجع عن مفهوم الإسكان الذي يضع علي عاتق الدولة توفير المسكن للمواطنين، واستبداله بمفهوم السكن أو التمكين من السكن الملائم، بما يضمن مشاركة الفرد للدولة في توفير المسكن للمواطنين خاصة محدودي الدخل منهم. تحقيق: نادية مطاوع