** الاعلام إحدي أهم الوسائل في تشكيل وتوجيه الرأي العام، وبخاصة في دول العالم الثالث والمجتمعات النامية، وتستخدم حكومات وأنظمة هذه الدول وسائل الاعلام في تضليل الشعوب وتسطيحها.. ومع التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات في السنوات الأخيرة، ووجود منافذ اعلامية جديدة أمام المواطنين مثل الفضائيات والانترنت، استخدمت الأنظمة أذرعها الأمنية والسياسية في السيطرة علي هذه الوسائل وتوجيهها بأشكال مختلفة.. يأتي علي رأسها حالة الفوضي الاعلامية الخلاقة التي رأيناها في مصر إلي الدرجة التي انعكست معها الرسالة الاعلامية من التنوير والرقابة ومواجهة الفساد بكل أشكاله.. إلي الاسفاف والتلميح والروباجندا وصناعة الرموز الوهمية وافساد الاخلاق وثقافة المجتمع.. بل وتحول الاعلام إلي وسيلة للتربح والصفقات وتصفية الحسابات، وتبارت الوسائل الاعلامية في الاغداق علي صفوة المنافقين والحنجورية لجذب أكبر قدر من المشاهدين، ووصل الأمر إلي وقوع حروب معلنة بين بعض وسائل الاعلام لمجرد أن أصحابها علي خلاف سياسي، أو خلاف اقتصادي علي إحدي المصالح متجاهلين احترام عقل القارئ أو المشاهد. ** حالة الفوضي والتردي الاعلامي بدأت من النظام عندما صادر وسائل الاعلام القومية لحسابه، وأفقدها دورها ومصداقيتها، وهو ما جعل الجميع ينصرف عنها، وأكدتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، عندما اعتمد الشباب علي وسيلة حرة غير خاضعة لأية توجيهات وهي المواقع الالكترونية علي الانترنت التي تبادلوا من خلالها الآراء والافكار للخلاص من النظام المستبد.. ثم حددوا الموعد والأهداف وهو ما أدي إلي نجاح الثورة وخروجها إلي النور بهذا الشكل المفاجئ والمذهل.. وعندما حاولت الدولة استدراك الموقف وقامت بوقف شبكة الانترنت كان الموعد قد فات واستقر الشباب في قلب التحرير وانضم إليهم جموع المصريين حتي بات الواقع يفرض نفسه.. ويبدو أن وسائل الاعلام التقليدية من صحافة وإذاعة وفضائيات لم تستوعب الدرس ولم تستفد منه، واستمر التليفزيون المصري والصحف المسماة بالقومية في الغيبوبة والتزييف والتضليل رغم أن معظمها كان محاصرًا بالثوار إلي أن رحل النظام السابق.. وباتت هذه الوسائل في موقف صعب ومخجل أمام الرأي العام بسبب التحول الدراماتيكي المفاجئ.. أما باقي وسائل الاعلام التي مسكت العصا من المنتصف.. وذهب أصحابها والمسئولون عنها في شتي الاتجاهات بحثًا عن شاطئ يرسون عليه لركوب الموجة من جديد.. فلم يكونوا أفضل حالاً من وسائل اعلام الدولة، ولعلنا لاحظنا جميعًا التناقض الشديد داخل هذه المنابر الاعلامية منذ اليوم الأول للثورة ومحاولة وأدها ومواجهاتها تحت مزاعم الاستقرار ومواجهة الفوضي والبلطجية.. ثم التحول التدريجي والانقلاب إلي النقيض مع رحيل النظام الحاكم!! ** للأسف الفساد الاعلام في مصر وصل إلي ذروته في السنوات الأخيرة ليس فقط من حيث نشأته وقيامه علي مصالح وأهداف محددة معظمها كان التخديم علي النظام السابق، وعلي رجال أعمال ملتصقين ومتعاونين مع النظام الفاسد.. ولكن المؤسف هو استغلال الرسالة الاعلامية بصورة عكسية إلي حد خيانة المجتمع بعد ان بات واضحًا أن معظم القائمين عليها مجرد تجار من أنصاف المثقفين.. ولعلنا نلحظ الآن بجلاء انقلاب الوجوه بعد تغيير الأقنعة والتنافس في ركوب موجة البطولات علي كل ما هو سابق من نظام واشخاص كانوا يسبحون بحمدهم ويعقدون معهم الصفقات ويستفيدون منهم.. بينما لا نسمع عن بطولة واحدة تنتقد الوضع الراهن خاصة التعديلات الدستورية التي خرجت ممسوخة وغير محددة المعالم.. أو عن الاسباب الحقيقية والغامضة التي تجعل المجلس الأعلي للقوات المسلحة يعلن عن إجراء الانتخابات التشريعية قبل انتخابات الرئاسة في ظل هذا الوضع المتفكك والفوضوي الذي لن يفرز إلا مجلسًا ممسوخًا ويؤثر بشكل قاطع علي انتخابات الرئاسة!!