حنان أبوالضياء يبدو أن جو الإثارة والتشويق الذى اعتاد عليه الجمهور فى معظم أعمال يوسف الشريف لم يعد هو تيمة النجاح المضمونة، التى يعول عليها الشريف دائما فى أعماله، وبالأخص مسلسلاته التى خلقت له جمهوراً يرى كل ما يقدمه الشريف إعجازاً لا يمكن مناقشته، وهى آفة إبداعية مصاب بها الجمهور العربى والمصرى خاصة. وفيلم «بنى آدم» يعد عودة سينمائية «بعد شوقة»، كما يقولون ليوسف، ولكن النجاح الذى حققه خلال مدة الغياب لمدة 9 سنوات عن السينما منذ «العالمى» عام 2009 خدعته فلم ينتبه إلى أن التوليفة التى يخلق منها مسلسلاً تليفزيونياً ليست كافية لأن تكون جواز المرور فى السينما، وخاصة أن يوسف الشريف لم يترك بصمة نجاح واضحة فى أعماله السينمائية السابقة بداية من «سبع ورقات كوتشينة» مع روبى، وفيلم «فتح عينيك» مؤدياً دور ضابط مع مصطفى شعبان، و«آخر الدنيا» مع نيللى كريم، ودوره فى تجربة شاهين الأخيرة «هى فوضى» أما بطولته المطلقة فى فيلم «العالمى» الذى نجح لكونه قدم دور مالك لاعب كرة القدم الحالم بالاحتراف وتلك النوعية من الأعمال بمثابة الدفعة الجيدة للممثل لأن القصة تلعب على أحلام الجمهور نفسه. وكانت إطلالات الشريف التلفزيونية فى البداية لا تشير إلى ما سوف يناله من نجومية فى هذ النوع من الدراما بعد ذلك، ومنها «السندريلا» مع منى زكى بدور على بدرخان، ومسلسل «ليالى» مع زينة. وتعد نقطة الانطلاق الحقيقية للشريف مسلسل «إكس» بشخصية «أحمد قاسم» مشهور ب«إكس»، الذى يقتل فى أول أحداث المسلسل لنعود (الفلاش باك) لمعرفة من قتله وهل هو برىء أم متهم ثم توالت البطولات بعد ذلك «زى الورد»، «رقم مجهول»، «اسم مؤقت»، «الصياد»، «لعبة إبليس»، «القيصر»، وأخيراً «كفر دلهاب». ولعل فيلمه الأخير عزف على منظومة تلك الأعمال ليستلهم منها سر نجاحها، ويمزجه بمزيد من الغموض والحوار الفلسفى، والنهاية غير المتوقعة، وهى نكهات اعتاد عليها الشريف فى أعماله، ولكن يبدو أنه ليس كل مرة تسلم الكرة! ففيلم «بنى آدم»، بنى على شخصية رجل الأعمال «آدم»، التى ظاهرها يختلف عن باطنها، وهى تيمة تبدو رئيسية فى أعماله السابقة فالمفاجأة تكون فى فحوى تكوينة الشريف الحقيقية، فرجل الأعمال الناجح والزوج الطيب والأب الرائع يخفى وراءه شخصية إجرامى ورئيس عصابة يصل إلى حد أن يكون إرهابياً. ويبدو أنه فى التعاون الخامس له مع المخرج أحمد نادر جلال بعد مسلسلات «كفر دلهاب»، و«القيصر»، و«اسم مؤقت»، و«رقم مجهول»، جعلت الاثنين يعتقدان أن تكنيك المسلسلات يكفى لإنجاح فيلم! وهو أمر جعل كليهما شريكاً فى إيصال المشاهد إلى أنه أمام حلقة تليفزيونية مجمعة لمسلسل ناجح، كما تفعل بعض القنوات الآن، فمشاهد الأكشن التى تشد جمهور الشريف الذى يبلع له الظلط، تفتقر إلى التجديد، ومشهد الانفجار لا يعدو مشهداً تليفزيونياً، لم يأخذ وقته فى التنفيذ لضيق الوقت كما المعتاد. وبالطبع استخدام حركة اللقطة البطيئة «Slow Motion» من الطرق الكلاسيكية لتعميق الإحساس بالتشويق، وخاصة إذا كان هناك تتابع فى الأحداث داخل المشهد يسمح بتتابع القطع، ولكن الأمر هنا زاد على حده فانقلب إلى الضد تماماً، وخاصة لأن المخرج أطال فى استخدام أسلوب الحكى لبيومى فؤاد، عما حدث فى حياة آدم. وفيلم «بنى آدم» تأليف يوسف الشريف وعمرو سمير عاطف، وهو التعاون الرابع لهما، بعد أن قدما معاً مسلسلات «كفر دلهاب»، و«لعبة إبليس»، و«الصياد»، و«رقم مجهول». ومن المعروف أن «الشريف» يدلى بدلوه فى كتابة أعماله. وتلك الأعمال بنيت الملامح الرئيسية للبطل فيها على الغموض، ولكن هناك رابط بين فيلم «بنى آدم» ومسلسل«كفر دلهاب» فكلا العملين هناك عنصر الحوار الفلسفى الذى يأخذ منحى دلالى آخر مختلفاً عن ظاهر ما يقوله الحوار، إلى جانب الإشارة التى وصلت إلى حد التصريح بوجود الشيطان ففى كفر دلهاب نكتشف أن الطبيب سعد ما هو إلا إبليس المساعد والمغوى ليتبع بعد ذلك، وفى بنى آدم رئيس العصابة محمود الجندى يتقمص أيضًا دور الشيطان وهناك يشير إلى ذلك صراحة عندما يقول الجندى «احنا نعرف بعض من إمتى»، فيجيب آدم: «من ساعة ما وعيت على الدنيا». أما شخصية بيومى فؤاد فى الفيلم فهى بمثابة سر الاعتراف، أو سر المصالحة، أى المصالحة مع الله فى المسيحية من خلال سماع كاهن معرّف بغية الحصول على إرشاد روحى ونفسى صحيح، ومن ثمة تكفير الإثم بأعمال بر، كالصلوات أو أعمال الخير تعويضًا عن الأضرار الناجمة عن الخطيئة. ومن الممكن قبول الاعتراف دوريًا، كما يحدث فى الفيلم من حكى الشريف وعادة ما يلتزم المعترف مع أحد رجال الدين فيصبح له «مرشدًا روحيًا»، وهذا يبدو واضحاً فى سياق شخصية فؤاد بيومى والحوار بينهما: فهناك مشهد لبيومى فؤاد يقول للشريف «انت اللى محتاج تعرف حقيقتك يا آدم علشان بناء عليه هيتحدد مصيرك».. وآخر: «إنت قولت تضرب عصفورين تلاتة بحجر واحد لكن فى عصفور مش هتعرف تصيبه وهو أنا.. عمرك ما هتعرف تضحك عليا انت عملت كده علشان مصلحتك انت بس»، «انت اللى تخيلت انك ممكن تجمع بين الخير والشر». تقع المفاجأة فى النهاية حينما تكون النتيجة مخالفة لتوقع المتفرج المبنى على مقدمات الأحدث، وتصبح هناك إشارة إلى أن آدم دخل الجنة، لكونه تاب، مستكملاً بذلك مقولة يوسف الشريف فى الفيلم «الموت مش عقاب، الموت نهاية أى حد عايش». وبالطبع المفاجأة خارج أطر المنطق، صادمة بالمعنى الحرفى للكلمة، وهى الطريقة التقليدية فى عالم السينما فى الانتقال إلى لقطة غير متوقعة بالنسبة للمتفرج. وفى الحقيقة أن اختيار «آدم» كاسم لبطل الفيلم، ودخوله الجنة بعد أن تاب والعلاقة التى تجمع بين أدم ورئيس العصابة فى الدنيا، وأسلوب الاعتراف بالذنب لبيومى فؤاد كوسيلة للتطهر بالتأكيد أراد منها السيناريست والمخرج دلالات دينية، وهو ما يخرج بنا من إطار الفيلم إلى ما يريد يوسف الشريف توصيله، وخاصة أن المتتبع لأعماله السابقة وخاصة فى مرحلة التحكم فى النص تحمل نفس الرؤية!