كتب - أشرف كمال: عادة ما تكون الرحمة فى قلب الأم سواء إنسان أو حيوان أو طير، فهى التى ترضع أطفالها (حليب) حنانها، وتسهر على راحتهم، ومن تشذ عن النواميس الإلهية، تكون قد خرجت من تحت مظلة رحمة الله، ولا تساوى درجة خلق الحيوان أو الطير، وتوصف بتحجر القلب. تلك هى قصتنا والتى وقعت فى عزبة الشيخ عيسى إحدى العزب لقرية صفط الخمار بالمنيا فى صعيد مصر المحروسة، بعدما تزوجت (الشيماء) من أحد شباب القرية (ضاحى)، وعاشا كما يعيش أى زوجين الأشهر الأولى فى سعادة، الزوج على (باب الله)، يعمل من أجل كسب قوت يومه هو وزوجته، الرزق يوماً بيوم، رزقوا بأول مولود (محمد). وبعد 4 سنوات، جاء المولود الثانى هانى. الزوج فرح بولديه، شعر أن امتداد جذوره فى الحياة سيكون موصولا فى نجليه محمد وهانى، يعمل ليل نهار من أجل تدبير نفقات المعيشة، والزوجة كانت المدللة وسط أهلها، وتمادى الأهل فى طلبها بشكل مستمر للحضور إلى منزل العائلة، كانوا يطلبونها فى كل كبيرة وصغيرة أن تحضر لمساعدة الأم، ولا يمنع الأمر من الإغداق عليها ببعض الملابس والاحتياجات، الزوج يتذمر من كثرة ذهابها لمنزل العائلة، ويحاول نصحها مرات ومرات أن تقلل من ذلك، ترد: مفيش مخلوق يقدر يمنعنى من زيارة بيت أهلى حتى وإن كنت (أنت)، الزوج يشعر بتغير طباع زوجته عقب كل زيارة لأهلها، وكأن أم الزوجة (الحماة)، كأى حماة توصى ابنتها: خلى الكلمة كلمتك، ومفيش حد ليه عليكى (سلطان) طالما أهلك وإخواتك عايشين على ظهر الدنيا، (متعوليش هم للدنيا)، وفى اليوم الموعود يعود الزوج، ليجد باب المنزل مغلقاً، وزوجته ليست فى المنزل، يسأل الجيران، ويعرف أنها اصطحبت الأولاد وخرجت لبيت أهلها، الزوج يغضب والنار ترعى فى جسده البالى من كثرة العمل، فهو الحالم أن يعود لمنزله ويجد زوجته وأولاده، ويتناولون سويا وجبة الغداء. ساعات تمر والزوجة تحضر، وينهرها زوجها بتركها للمنزل والذهاب عند أهلها، ويقسم عليها لو تكررت مرة أخرى لن تمر مرور الكرام، الزوجة تعترض وتحتج على رفض زوجها ومنعها من زيارة أهلها، والزوج يصمم ويقسم على عدم ذهابها، وفى الصباح يخرج الزوج للعمل، والشيطان تسلم رأس الزوجة بنصائحه الشيطانية، يوسوس لها، هو كيف يمنعنى أروح بيت أهلى، مين يحرم أم أو أب أن بنته تزوره؟ تصطحب طفليها، وتخرج من المنزل، وتسير فى الشوارع بجوار ترعة البحر اليوسفى، والشيطان ما زال يحدثها. نعم هروح بيت أمى، ومفيش مخلوق يقدر يمنعنى، وطالما هو هيمنعنى من أنى أشوف أمى وأبويا، أنا كمان هحرمه من أولاده، نعم هحرمه أنه يشوفهم نهائى، وفى لحظة، تُنتزع الرحمة من قلب الأم محمد يسير ممسكا بيدها، وهانى فى (اللفة) عمره 6 أشهر بين ذراعيها، وتقوم بإلقائهما فى الترعة، ثم تجرى مسرعة، محمد يغطس فى مياه البحر اليوسفى، عمره 5 سنوات، يغطس ويطفو عدة مرات وهو يصرخ مستغيثا بأمه، والأم لم يحرك لها صراخ فلذة كبدها ساكناً، وهانى وسط (اللفة) تجرفه المياه، يراه أحد الشباب، ويدرك الطفل الرضيع وينقذ حياته، ومحمد يلفظ أنفاسه، ليموت غرقا ويتم انتشال جثته. ولبشاعة الحادث، ينتقل اللواء مجدى عامر، مدير أمن المنيا، لمكان الحادث، ويشهد الجميع بأن الأم هى من ألقت بأطفالها وفرت هاربة. محمد أصبح جثة هامدة يشكو إلى الله إزهاق روحة البريئة دون ذنب أو جريرة، سوى أنه جاء للدنيا من رحم أم فى الأساس لا تعرف الرحمة، وهانى التى شاءت العناية الإلهية أن يتم إنقاذه، يكاد ينطق بجحود أمه، وما يسكته سوى أنه طفل صغير لا يعرف الكلام، يتم القبض على الأم التى تعترف بجريمتها الشنعاء، التى يندى لها جبين الإنسانية، ويتبرأ من جحودها الطير والحيوان، والتى تقاتل من أجل أن يعيش صغارها. المهم تصرخ فى تحقيقات النيابة: نعم ألقيت أطفالى فى ترعة البحر اليوسفى كيدا وانتقاما من زوجى الذى يمنعنى من زيارة أهلى، الكلبشات تزين يدى الأم وترمى خلف جدران السجن فى انتظار حكم القاضى، فى الدنيا، وحكم الله عز وجل فى الآخرة، حبل عشماوى أصبح يراود الأم فى منامها وتصحو مفزوعة كأنه كابوس، تصرخ باكية ونادمة، بعدما أصبح لا يفيد الندم، تتخيل صورة الصغير محمد الذى كان ممسكا بيدها وهى تلقيه بكل وحشية وإجرام فى مياه البحر اليوسفى، صورته وهو يغطس ويطفو أصبحت لا تفارقها وهو يستغيث بأمه أن تنقذه، الحادث هز ضمائر ونفوس أهل القرية، من بشاعتها، فليس هناك من يتخيل أن تقوم الأم بقتل فلذات أكبادها من أجل قيام زوجها بمنعها من زيارة بيت أهلها، ولكن الله عز وجل، يمهل ولا يهمل، الأم كتبت بيديها مصيرها الأسود، ليسجل التاريخ جحود أم فى قتل أطفالها.. فلذات كبدها.