«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم الإحتفال بشم النسيم فى دراسة للشيخ عطية صقر
نشر في الوفد يوم 17 - 04 - 2012

أصدر الشيخ عطية صقر – رحمه الله – فتوى فى إبريل عام 2007 بشأن الإحتفال بشم النسيم ، وتناول فى الفتوى معنى شم النسيم والاحتفال به عند الفراعنة واليهود ومختلف الأمم ، وقد لخص فتواه التى نشرها فى صورة دراسة مطولة إلى أنه ينصح بعدم المشاركة في الاحتفال به، مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين، والخلق والكرامة ممنوعة، لا يقرها دين، ولا عقل سليم والفتوى لما لها من أهمية كونها بحث أو دراسة أكبر منها فتوى نعيد نشرها بالتفصيل
يحتفل المصريون بيوم شم النسيم، فما هو أصل هذا الاحتفال، وما رأي الدين فيه؟
الجواب:
النسيم هو: الريح الطيبة، وشمه يعني: استنشاقه، وهل استنشاق الريح الطيبة له موسم معين حتى يتخذه الناس عيدًا يخرجون فيه إلى الحدائق والمزارع، ويتمتعون بالهواء الطلق والمناظر الطبيعية البديعة، ويتناولون فيه أطايب الأطعمة؛ أو أنواعًا خاصة منها لها صلة بتقليد قديم أو اعتقاد معين؟ ذلك ما نحاول أن نجيب عليه فيما يأتي:
كان للفراعنة أعياد كثيرة، منها: أعياد الزراعة التي تتصل بمواسمها، والتي ارتبط بها تقويمهم إلى حد كبير؛ فإن لسَنَتِهم الشمسية التي حددوها باثني عشر شهرًا ثلاثة فصول، كل منها أربعة أشهر، وهى: فصل الفيضان، ثم فصل البذر، ثم فصل الحصاد. ومن هذه الأعياد: عيد "النيروز" الذي كان أول سنتهم الفلكية بشهورها المذكورة وأسمائها القبطية المعروفة الآن.

وكذلك العيد الذي سمى في "العصر القبطي" ب"شم النسيم"، وكانوا يحتفلون به في الاعتدال الربيعي عقب عواصف الشتاء وقبل هبوب الخماسين، وكانوا يعتقدون أن الخليقة خُلقت فيه، وبدأ احتفالهم به عام 2700 ق.م، وذلك في يوم 27 برمودة، الذي مات فيه الإِله "ست" إله الشر، وانتصر عليه إله الخير، وقيل: منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
وكان من عادتهم في شم النسيم الاستيقاظ مبكرين، والذهاب إلى النيل للشرب منه وحمل مائه؛ لغسل أراضي بيوتهم التي يزينون جدرانها بالزهور.
وكانوا يذهبون إلى الحدائق للنزهة، ويأكلون خضرًا كالملوخية والملانة والخس، ويتناولون الأسماك المملحة التي كانت تصاد من "بحر يوسف"، وتملح في مدينة "كانوس"، وهي "أبو قير" الحالية كما يقول المؤرخ "سترابون"، وكانوا يشمون البصل، ويعلقونه على منازلهم وحول أعناقهم للتبرك.
وإذا كان لهم مبرر للتمتع بالهواء والطبيعة وتقديس النيل الذي هو عماد حضارتهم، فإن تناولهم لأطعمة خاصة بالذات، واهتمامهم بالبصل لا مبرر له إلا خرافة آمنوا بها، وحرصوا على تخليد ذكراها.
لقد قال الباحثون: "إن أحد أبناء الفراعنة مرض، وحارت الكهنة في علاجه، وذات يوم دخل على فرعون كاهن نوبي معه بصلة أمر بوضعها قرب أنف المريض، بعد تقديم القرابين لإِله الموت "سكر" فشفي، وكان ذلك في بداية "الربيع"، ففرح الأهالي بذلك، وطافوا بالبلد والبصل حول أعناقهم كالعقود حول معابد الإله "سكر".
وبمرور الزمن جدت أسطورة أخرى تقول: "إن امرأة تخرج من النيل في ليلة "شم النسيم" يدعونها: "ندَّاهة" تأخذ الأطفال من البيوت وتغرقهم، وقالوا: إنها لا تستطيع أن تدخل بيتًا يعلق عليه البصل". محمد صالح - الأهرام: 30/ 4/1962م.
ثم حدث في التاريخ المصري حادثان، أولهما: يتصل باليهود، والثاني: بالأقباط، أما اليهود فكانوا قبل خروجهم من "مصر" يحتفلون بعيد "الربيع" كالمصريين، فلما خرجوا منها؛ أهملوا الاحتفال به، كما أهملوا كثيرًا من عادات المصريين، شأن الكاره الذي يريد أن يتملص من الماضي البغيض وآثاره.
لكن العادات القديمة لا يمكن التخلص منها نهائيًّا وبسهولة، فأحب اليهود أن يحتفلوا ب"الربيع"، لكن بعيدًا عن "مصر" وتقويمها، فاحتفلوا به كما يحتفل البابليون، واتبعوا في ذلك تقويمهم وشهورهم.
فالاحتفال ب"الربيع" كان معروفًا عند الأمم القديمة من الفراعنة والبابليين والأشوريين، وكذلك عرفه الرومان والجرمان، وإن كانت له أسماء مختلفة، فهو عند الفراعنة: عيد "شم النسيم"، وعند البابليين والأشوريين: عيد "ذبح الخروف"، وعند اليهود: عيد "الفصح"، وعند الرومان: عيد "القمر"، وعند الجرمان: عيد "إستر" إلهة "الربيع".
وأخذ احتفال اليهود به معنى دينيًّا هو شكر الله على نجاتهم من فرعون وقومه، وأطلقوا عليه اسم: "عيد بساح"؛ الذي نقل إلى العربية باسم: "عيد الفصح" وهو: الخروج، ولعل مما يشير إلى هذا حديث رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟) فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ). فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. وفي رواية: "فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ" (رواه مسلم).
غير أن اليهود جعلوا موعدًا غير الذي كان عند الفراعنة، فحددوا له يوم البدر الذي يحل في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة.
ولما ظهرت المسيحية في "الشام" احتفل "المسيح" وقومه بعيد "الفصح" كما كان يحتفل اليهود. ثم تآمر اليهود على صلب "المسيح"، وكان ذلك يوم الجمعة 7 من أبريل سنة 30 ميلادية، الذي يعقب عيد "الفصح" مباشرة، فاعتقد المسيحيون أنه صلب في هذا اليوم، وأنه قام من بين الأموات بعد الصلب في يوم "الأحد" التالي.
فرأى بعض طوائفها أن يحتفلوا بذكرى "الصلب" في يوم "الفصح"، ورأت طوائف أخرى أن يحتفلوا باليوم الذي قام فيه "المسيح" من بين الأموات، وهو عيد "القيامة" يوم "الأحد" الذي يعقب عيد الفصح مباشرة، وسارت كل طائفة على رأيها، وظل الحال على ذلك حتى رأى "قسطنطين الأكبر" إنهاء الخلاف في "نيقية" سنة 325 ميلادية، وقرر توحيد العيد، على أن يكون في أول أحد بعد أول بدر يقع في الاعتدال الربيعي أو يعقبه مباشرة، وحسب الاعتدال الربيعي وقتذاك، فكان بناء على حسابهم في يوم 21 من مارس "25 من برمهات"، فأصبح عيد "القيامة" في أول أحد بعد أول بدر، وبعد هذا التاريخ أطلق عليه اسم: عيد "الفصح المسيحي"؛ تمييزًا له عن عيد "الفصح اليهودي"، هذا ما كان عند اليهود وتأثر المسيحيين به في عيد "الفصح".
أما الأقباط وهم المصريون الذين اعتنقوا المسيحية فكانوا قبل مسيحيتهم يحتفلون بعيد شم النسيم كالعادة القديمة، أما بعد اعتناقهم للدين الجديد فقد وجدوا أن للاحتفال بعيد "شم النسيم" مظاهر وثنية لا يقرها الدين، وهم لا يستطيعون التخلص من التقاليد القديمة، فحاولوا تعديلها أو صبغها بصبغة تتفق مع الدين الجديد، فاعتبروا هذا اليوم يوما مباركًا بدأت فيه الخليقة، وبشَّر فيه "جبريل" "مريم العذراء" بحملها للمسيح، وهو اليوم الذي تقوم فيه القيامة ويحشر الخلق، ويذكرنا هذا بحديث رواه مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) رواه مسلم.
فاحتفل "أقباط مصر" ب"شم النسيم" قوميًّا باعتباره عيد "الربيع"، ودينيًّا باعتباره عيد البشارة، ومزجوا فيه بين التقاليد الفرعونية والتقاليد الدينية، وكان الأقباط يصومون أربعين يومًا لذكرى الأربعين التي صامها "المسيح" -عليه السلام-، وكان هذا الصوم يبدأ عقب عيد "الغطاس" مباشرة، فنقله البطريرك الإِسكندري ديمتريوس الكرام، وهو البطريرك الثامن عشر "188 - 234م" إلى ما قبل عيد "القيامة" مباشرة، وأدمج في هذا الصوم صوم "أسبوع الآلام"، فبلغت عدته خمسة وخمسين يومًا، وهو الصوم الكبير.

وعمَّ ذلك في أيام مجمع نيقية "325م"، وبهذا أصبح عيد "الربيع" يقع في أيام الصوم -إن لم يكن في "أسبوع الآلام"-، فحرم على المسيحيين أن يحتفلوا بهذا العيد كعادتهم القديمة في تناول ما لذ وطاب من الطعام والشراب، ولما عزَّ عليهم ترك ما درجوا عليه زمنًا طويلاً؛ تخلصوا من هذا المأزق، فجعلوا هذا العيد عيدين، أحدهما: عيد "البشارة"، يحتفل به دينيًّا في موضعه، والثاني: عيد "الربيع"، ونقلوه إلى ما بعد عيد "القيامة"؛ لتكون لهم الحرية في تناول ما يشاءون، فجعلوه يوم الاثنين التالي لعيد القيامة مباشرة، ويسمى كنسيًّا: "اثنين الفصح" كما نقل الجرمانيون عيد "الربيع"؛ ليحل في أول شهر "مايو".
من هذا نرى أن "شم النسيم" بعد أن كان عيدًا فرعونيًّا قوميًّا يتصل بالزراعة جاءته مسحة دينية، وصار مرتبطًا ب"الصوم الكبير"، وبعيد "الفصح" أو "القيامة"، حيث حدد له وقت معين قائم على اعتبار التقويم الشمسي والتقويم القمري معًا، ذلك أن الاعتدال الربيعي مرتبط بالتقويم الشمسي، والبدر مرتبط بالتقويم القمري، وبينهما اختلاف كما هو معروف، وكان هذا سببًا في اختلاف موعده من عام لآخر، وفى زيادة الاختلاف حين تغير حساب السنة الشمسية من التقويم اليولياني إلى التقويم الجريجوري.
وبيان ذلك: أن التقويم القمري كان شائعًا في "الدولة الرومانية"، فأبطله "يوليوس قيصر"، وأنشأ تقويمًا شمسيًا، قدر فيه السنة ب 25،365 يومًا، واستخدم طريقة السنة الكبيسة مرة كل أربع سنوات، وأمر "يوليوس قيصر" باستخدام هذا التقويم رسميًّا في عام 708 من تأسيس "روما"، وكان سنة 46 قبل الميلاد، وسمى ب"التقويم اليولياني".

واستمر العمل به حتى سنة 1582م حيث لاحظ الفلكيون في عهد بابا "روما" جريجوريوس الثالث عشر خطأ في الحساب الشمسي، وأن الفرق بين السنة المعمول بها والحساب الحقيقي هو 11 دقيقة، 14 ثانية، وهو يعادل يومًا في كل 128 عامًا، وصحح البابا الخطأ المتراكم فأصبح يوم 5 من أكتوبر سنة 1582 هو يوم 15 أكتوبر سنة 1582م وهو التقويم المعروف ب"الجريجوري" السائد الآن.
وعندما وضع الأقباط تاريخهم وضعوه من يوم 29 من أغسطس سنة 284م، الذي استشهد فيه كثيرون أيام "دقلديانوس"؛ جعلوه قائمًا على الحساب اليولياني الشمسي، لكن ربطوه دينيًّا بالتقويم القمري، وقد بني على قاعدة وضعها الفلكي "متيون" في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو أن كل 19 سنة شمسية تعادل 235 شهرًا قمريًا، واستخدم الأقباط هذه القاعدة منذ القرن الثالث الميلادي، وقد وضع قواعد تقويمهم المعمول به إلى الآن البطريرك "ديمتريوس الكرام"، وساعده في ذلك الفلكي المصري "بطليموس".
وبهذا يحدد عيد "القيامة" الذي يعقبه "شم النسيم" بأنه الأحد التالي للقمر الكامل "البدر" الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة، وقد أخذ الغربيون الحساب القائم على استخدام متوسط الشهر القمري لحساب ظهور القمر الجديد، وأوجهه لمئات السنين "وهو المسمى بحساب الألقطي"، وطبقوه على التقويم "الروماني اليولياني"، فاتفقت الأعياد المسيحية عند جميع المسيحيين كما كان يحددها التقويم القبطي، واستمر ذلك حتى سنة 1582م حين ضبط الغربيون تقويمهم بالتعديل "الجريجوري". ومن هنا اختلف موعد الاحتفال بعيد "القيامة" و"شم النسيم".

أستمحيك عفوًا -أيها القارئ الكريم-؛ إذ أتعبتك بذكر تطورات التقويم وتغير مواعيد الأعياد، إذ قد لخصتها من عدة مواضع من كتاب "تاريخ الحضارة المصرية"، ومن بحث للدكتور عبد الحميد لطفي في مجلة الثقافة "عدد 121" لسنتها الثالثة في 22/4/ 1941م ومن منشورات بالصحف: الجمهورية 15/4/1985، الأهرام 20/4/1987، 11/4 /1988، فإني قصدت بذلك أن تعرف أن عيد "الربيع" الحقيقي ثابت في موعده كل عام؛ لارتباطه بالتقويم الشمسي.

أما عيد "شم النسيم" فإنه موعد يتغير كل عام؛ لاعتماده مع التقويم الشمسي على الدورة القمرية، وهو مرتبط بالأعياد الدينية غير الإسلامية، ولهذه الصفة الدينية زادت فيه طقوس ومظاهر على ما كان معهودًا أيام الفراعنة وغيرهم، فحرص الناس فيه على أكل البيض والأسماك المملحة، وذلك ناشئ من تحريمها عليهم في الصوم الذي يمسكون فيه عن كل ما فيه روح أو ناشئ منه، وحرصوا على تلوين البيض بالأحمر، ولعل ذلك؛ لأنه رمز إلى دم "المسيح" على ما يعتقدون، وقد تفنن الناس في البيض وتلوينه حتى كان لبعضه شهرة في التاريخ.
فقد قالوا: إن أشهر أنواع البيض بيضة "هنري الثاني" التي بعث بها إلى "ديانادي بواتييه" فكانت علبة صدف على شكل بيضة بها عقد من اللؤلؤ الثمين، كما بعث "لويس الرابع عشر" للآنسة "دي لا فاليير" علبة بشكل بيضة ضمنها قطعة خشب من الصليب الذي صلب عليه المسيح، و"لويس الخامس عشر" أهدى خطيبته "مدام دي باري" بيضة حقيقية من بيض الدجاج مكسوة بطبقة رقيقة من الذهب، وهى التي قال فيها الماركيز "بوفلر" لو أنها أكلت؛ لوجب حفظ قشرتها "مهندس/ محمد حسن سعد - الأهرام 25 من أبريل 1938.
وقيصر روسيا "الإِسكندر الثالث" كلف الصائغ "كارل فابرج" بصناعة بيضة لزوجته 1884م، استمر في صنعها ستة أشهر كانت محلاة بالعقيق والياقوت، وبياضها من الفضة وصفارها من الذهب، وفى كل عام يهديها مثلها حتى أبطلتها "الثورة الشيوعية" 1917م.
وبعد، فهذا هو عيد "شم النسيم"، الذي كان قوميًّا ثم صار دينيًّا، فما حكم احتفال المسلمين به؟؟
لا شك أن التمتع بمباهج الحياة من أكل وشرب وتنزه أمر مباح؛ مادام في إطار المشروع، الذي لا ترتكب فيه معصية، ولا تنتهك حرمة، ولا ينبعث من عقيدة فاسدة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة:87)، وقال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (الأعراف:32).
لكن هل للتزين والتمتع بالطيبات يوم معين أو موسم خاص لا يجوز في غيره؟!
وهل لا يتحقق ذلك إلا بنوع معين من المأكولات والمشروبات، أو بظواهر خاصة؟!
هذا ما نحب أن نلفت الأنظار إليه، إن الإِسلام يريد من المسلم أن يكون في تصرفه على وعي صحيح وبُعد نظر، لا يندفع مع التيار، فيسير حيث يسير، ويميل حيث يميل، بل لابد أن تكون له شخصية مستقلة فاهمة، حريصة على الخير، بعيدة عن الشر والانزلاق إليه، وعن التقليد الأعمى، لا ينبغي أن يكون كما قال الحديث إمَّعة، يقول: إن أحسن الناس؛ أحسنتُ، وإن أساءوا؛ أسأتُ، ولكن يجب أن يوطِّن نفسه على أن يحسن؛ إن أحسنوا، وألا يسيء؛ إن أساءوا.
وذلك حفاظًا على كرامته واستقلال شخصيته، غير مبالٍ بما يوجه إليه من نقد أو استهزاء، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن التقليد الذي من هذا النوع فقال: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ) (متفق عليه).
فلماذا نحرص على "شم النسيم" في هذا اليوم بعينه والنسيم موجود في كل يوم؟! إنه لا يعدو أن يكون يوماً عاديًّا من أيام الله؛ حكمه كحكم سائرها، بل إن فيه شائبة تحمل على اليقظة والتبصر والحذر، وهى: ارتباطه بعقائد لا يقرها الدين، حيث كان الزعم أن "المسيح" قام من قبره، وشم نسيم الحياة بعد الموت.
ولماذا نحرص على طعام بعينه في هذا اليوم، وقد رأينا ارتباطه بخرافات أو عقائد غير صحيحة، مع أن الحلال كثير وهو موجود في كل وقت، وقد يكون في هذا اليوم أردأ منه في غيره أو أغلى ثمنًا؟!
إن هذا الحرص يبرر لنا أن ننصح بعدم المشاركة في الاحتفال به، مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين، والخلق والكرامة ممنوعة، لا يقرها دين، ولا عقل سليم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ؛ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ؛ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.