حاضرة هى.. ابدًا.. لا تغيب.. مجلل اسمها ورسمها.. بروح وريحان وطيب.. ذات مكان ومكانة فى قلوب وأفئدة الجميع.. ذات هيبة وقداسة.. ومقام عالٍ رفيع.. إنها ربة الطهر والصون والعفاف والكمال.. إنها نبع الصفاء والنقاء.. والنور والجمال.. محفوظ اسمها فى شغاف القلوب وفى مقل العيون.. ووصف السيادة قرين اسمها.. كلما نطقه المؤمنون الصادقون.. وعلى ذلك يجمع - سواء بسواء - المسيحيون ومن قبلهم المسلمون.. الذين هم فى مصر الكنانة إخوة أشقاء متحابون متلاحمون وكيف لا وهى بقرار من السماء.. هى خير نساء العالمين.. وهى وحدها دون كل النساء التى احتفل بها الكتاب المبين.. فأفرد لها القرآن الكريم سورة كاملة باسمها.. من آيات ثمان وتسعين.. ثم جاء ذكرها فى القرآن فى آيات أربع وثلاثين.. مرات وحدها.. ومرات مع ابنها سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.. نعم إنها سيدتنا العذراء مريم البتول عالية المقام.. ففى أول سور القرآن (سورة البقرة) كان ذكرها فى قوله تعالي: «وقد آتينا موسى الكتاب، وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس».. (الآية 87).. ثم كان آخر ذكر لسيدتنا.. فى سورة التحريم.. حيث وفت بالصديقة القانتة فى قوله تعالي: «ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين» (الآية 12).. وما بين أولى الآيات وأخيرها.. كانت الآية الخامسة والأربعون من سورة آل عمران.. التى قررت وسجلت وأكدت.. فى أجلى وأروع وأبلغ بيان.. مكانة سيدتنا العذراء عند ربها.. وسموها ورفعتها وعفتها وطهرها.. وإعلان اصطفاء الله لها مرتين اثنتين.. ويجىء حقيقة طهرها محاطًا باصطفائين.. فى قوله تعالى: «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (الآية 42).. وبعد تلك الآية بآيتين.. تأتى آية أخرى.. تسجل لك - يا سيدتى - أجل وأعز بشارة من الله لأكرم وأعظم وأغلى وأعلى وأسمى وأمجد ولادة حفلت بها الدنيا.. وشرفت بها فى عالمى الغيب والشهادة.. ذلك قوله تعالي: «إذ قالت الملائمة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين» (الآية 45 آل عمران).. الله.. الله.. يا سيدتنا الكريمة العظيمة.. يا من ولدت السيد المسيح الكريم العظيم.. حاضرة أنت.. فى قلوبنا.. فى قلوب كل المؤمنين.. ماثلة أنت أمام أعيننا فى كل وقت وفى كل حين.. قريبة أنت إلى أفئدة كل المصريين.. شغوفون هم جميعاً بسيرتك العطرة على مدى ألفين من السنين.. فمنذ سعدت مصر وشرفت باستقبالك ووليدك الجليل، وضاح الجبين.. هرباً من بطش الطغاة الظالمين.. ووجدتهما فى مصر.. الأهل.. والسهل.. والبشر والحب.. والملاذ الحصين.. وسرى الخير فى ركابكما.. وظفرت مصر - معكما - بكنز نفيس ثمين.. حين غدا مسار العائلة المقدسة.. ومواطئ أقدامها.. مزاراً يقصده أنبل القاصدين.. وأشرقت أرض مصر - من يومها - بنور ربها ورفرفت راية «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين». سيدتي.. يا خيرُ نساء العالمين.. الطاهرة المطهرة المصطفاة.. والدة أعظم وأمجد البنين.. قرى عينا بمصر الكنانة التى أحبتك وأحبت وليدك العظيم سيدنا المسيح عليه السلام.. فلسوف تظل.. هى المحروسة المصونة.. جوهرة البلدان.. يحتفل المسلمون والمسيحيون قاطبة سواء بسواء.. فكلهم به فرح وسعيد.. فالمسلم يؤمن بالسيد المسيح إيمانه بنبيه محمد عليهما الصلاة والسلام.. بهذا الإيمان العميق تظفر مصر الكنانة بالأمن واليمن.. والمحبة والوئام.. ولسوف تظل أرض الكنانة.. منذ حلت بها العائلة المقدسة.. وإلى أن تقوم الساعة.. هى واحة للأمن والإيمان والسلام والخير.. وكيف لا وقد باركها السيد المسيح عليه السلام بقوله: «مبارك شعب مصر».. ومن بعده كرمها أخوه سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: مصر كنانة الله فى أرضه من أرادها بسوء قصمه الله.. فمصر الكنانة واحة الأمن والإيمان والخير العميم.. فهى محفوظة بعناية من السماء.. ولسوف يظل النسيج الوطنى لشعب مصر الوفى الأمين.. قوياً متيناً فى حرز مكين.. من يحاول النيل منه مساساً بوحدتنا وألفتنا.. هو من المارقين الحاقدين.. ملعون فى السماء والأرض.. فى كل شريعة ودين.. فمصر التى استقبلت العائلة المقدسة وآوتها فى مقل العيون ستظل برعاية الله فى حرز أمين مصون.. وأهلها هم - أبداً - لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. --- المستشار: عبدالعاطى محمود الشافعى