حوار- صابر رمضان الدكتور أحمد على سليمان عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية امتدت جهوده فى خدمة الدين والوطن إلى قرابة الربع قرن من الزمن وهو كاتب وأكاديمى وداعية وأحد خبراء اللغة العبرية والمهمومين بالدعوة وإشكالياتها وسبل تجديد الخطاب الدينى الإسلامى وبناء منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية فى المجتمع. سافر فى جولات دعوية ممثلاً لرابطة الجامعات الإسلامية للتعريف بالإسلام عن عدد من الدول الأوروبية والآسيوية وقارة استراليا، ابان المشكلات التى تعرض لها العالم الإسلامى فى السنوات الأخيرة، فأسهم فى تصحيح المفاهيم المغلوطة وتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام هناك وقدم نموذجاً دعوياً حضارياً للداعية المسلم، وتولى عدة مناصب أبرزها المدير التنفيذى لرابطة الجامعات الإسلامية ومستشار لعدد من المؤسسات والمراكز الإسلامية وكتب تسعة مشروعات لتطوير عدد من قطاعات عمل المؤسسات الدينية، وهو عضو فى اتحاد كتاب مصر وعضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، كما قدم للمكتبة العربية عدداً من الكتب والأبحاث والدراسات. «الوفد» التقت به وهذا نص الحوار: فى البداية.. فى رأيك لماذا تأخر المسلمون وتقدم آخرون؟ - أن الناظر المدقق فى حال كثير من الدول الإسلامية فى عصرنا الراهن يلحظ أنها تعيش وضعاً لا تحسد عليه، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا بقوة لماذا هذا، ولعل الإجابة عن هذا السؤال تتطلب كتابات عدة فى محاولة لقراءة هذا الوضع وتحليله، وبالعودة إلى الوراء فى العصر الإسلامى الأول لتقارن بين وضع المسلمين فيه وبين وضعهم فى العصر الحديث ولقد شاءت إرادة الله تعالى منذ 1450 عاماً أن يبعث الله تعالى فى الأميين رسولاً منهم ليوقد مشاعل النور والعلم ويقضى على الجهل ويشرع نوافد العقل البشرى أمام الحقائق الكبرى المكفوفة فى كتاب الله المنظور «الكون» وكتاب الله المسطور «القرآن» فالقضية اذن هى قضية العقل، تلك النعمة التى ميز الله بها الإنسان عن غيره العقل الذى يرفع أمماً حال توظيفه واستثماره أفضل استثمار لخدمة الكون والحياة، وعندما وظف المسلمون عقولهم خير توظيف كتب الله تعالى لهم الريادة والسيادة، ولا شك العصر الإسلامى الأول خير دليل على ذلك، فهو العصر الذهبى لتدوين العلوم، ففى أٍقل من خمسين عاماً من آخر الدولة الأموية إلى صدر الدولة العباسية كانت أغلب العلوم قد دونت ونظمت خصوصاً علوم الرياضة والمنطق والفلسفة وعلم الكلام، ومن ثم نستطيع أن نؤكد أن المسلمين هم أول من ابدعوا المنهج العلمى وهم الذين اضاءوا مشاعل الحضارة الإنسانية وقت أن كان الاوروبيون يعيشون فى الظلام والتخلف، فقد نهض المسلمون عندما تعلقوا بحبال الله وعندما ابتعدوا عن منهجه تأخروا. د. سليمان، لكم دراسات متعددة فى قضايا مواجهة التطرف.. فماذا عن ظاهرة التطرف والإرهاب؟ - الإرهاب ظاهرة عالمية لا جنس له ولا دين ولا وطن ولا يرتبط بزمان أو مكان، وانما هو قديم قدم الإنسان ذاته، ومن يستعرض حقائق التاريخ البشرى فى سياقها العلمى العادل يجد أن المسلمين عبر عصور طويلة وإلى هذه اللحظة كانوا ولايزالون هم أولى ضحايا الإرهاب، وقد عقدت مئات الندوات والمؤتمرات حول العالم وكتبت آلاف الكتب والأبحاث والمقالات حول هذه الظاهرة الخطيرة، ولم تسفر هذه الجهود عن محاصرة ظاهرة الإرهاب أو إسكات أصواتها بل كانت المعالجات الأمنية السريعة هى الحلول المتبعة والمسيطرة على تعاطى المؤسسات المعنية مع هذه الظاهرة محلياً وإقليمياً ودولياً، ومن ثم يجب أن تتعاضد الجهود من أجل القضاء على الإرهاب من خلال حلول ثقافية وتربوية تتوازى جنباً إلى جنب مع الحلول الأمنية، وإيجاد تعليم حديث فى بلادنا ينمى مهارات التفكير العليا ويكون الحصانة الفكرية والمناعة السلوكية للمتعلم بحيث لا تنطلى عليه حجج وأفاعيل المتطرفين ولابد من رفع وعى المؤسسات التعليمية بمخاطر الغلو والتطرف والإرهاب من أجل حماية الأجيال داخل هذه المؤسسات فنحن نريد خلق بيئة عالمية لافظة له ولتحويل ثقافة مواجهة الإرهاب إلى ثقافة مجتمعية تسرى فى أوصال المجتمع. كيف ترى دور المؤسسات الدينية فى مصر فى ظل التحديات التى تواجه الأمة؟ - لا يمكن لمنصف أن ينكر الدور العالمى الذى يقوم به الأزهر الشريف ومؤسساته المختلفة فى نشر السلام العالمى، وأيضاً دور وزارة الأوقاف المصرية بمنابرها الممتدة على التراب الوطنى التى صارت عصية على المتشددين،ودور المجلس الاعلى لشئون الإسلامية فى تصحيح المفاهيم داخلياً وخارجياً ودار الافتاء فى تقيم الفتاوى النابهة التى تبرز عظمة الإسلام وصلاحيتها لكل زمان ومكان وتقف بالمرصاد لتفنيد فتاوى التكفيريين، فهناك دور تاريخى لهذه المؤسسات العريقة فى الوقوف فى وجه التشدد والمتشددين والوقوف في وجه الانحلال، ولولا هذه المؤسسات الراسخة لتغيرت الأمور ولتمكن هؤلاء- لا قدر الله- من نشر التشدد والغلو فى كل مكان، مضيفاً أن التعليم فى الأزهر الشريف يقوم على منهجية علمية يستحيل معها الانجرار إلى التشدد أو الغلو أو الانحلال، حيث يتعلم الطلاب فى الأزهر علوم الغايات وعلوم الآلات وعلوم المكملات، إضافة إلى العلوم العصرية الحديثة ومن ثم ينشأ الطالب على حسن الفهم وحسن القول وسلامة التفكير والاستنباط وحسن السلوك فيضع الأمور فى نصابها السليم وفق قواعد الشريعة، على عكس هؤلاء المتشددين أصحاب الجمود والتقليد والفكر الأحادى الذى لا يقبل الآخر ولا يقبل إلا ما يمليه عليه من يقلده ولهذا يعادون الفن والإبداع على اطلاقه. كخبير فى جودة التعليم الأزهرى.. ماذا عن العلاقة بين الإسلام والغرب، وكيف ترى جولات شيخ الأزهر فى الخارج مؤخراً؟ - إن الكتب الدراسية فى الغرب خصوصاً كتب التاريخ تشتمل على مغالطات عن الإسلام، تم معظمها عن سوء فهم، ومما يؤسف له أنها أسهمت فى نشر الخوف من الإسلام والمسلمين وزرعه فى نفوس النشء والشباب بل المجتمع الغربى، كما أدت إلى انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، لكننى أدعو الغرب إلى ضرورة تصحيح هذه المعلومات وبصورة عاجلة، بالتعاون مع الأزهر الشريف وغيره من المؤسسات المعنية، أما جولات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الخارجية فقد اسهمت فى إذابة الجليد بين الإسلام والغرب، ورسمت معالم السلام العالمى، وعلى الغرب أن يخطو خطوات مماثلة مع المسلمين، وأحذر الغرب أن يحكم على الإسلام من السلوك السلبى لبعض المسلمين، الأمر الذى أسهم فى عمليات التباعد بين الحضارتين، كما يجب على المسلمين الذين يعيشون فى بلاد الشرق والغرب أن يؤدوا أداء حضارياً متميزاً فى أعمالهم، ويسهموا فى نهضة البلاد التى يعيشون فيها ويأكلون من خيراتها بحيث يجعلون الأنظار تصوب إليهم فى سلوكهم الحضارى المتميز، كما توجهت من قبل فى قديم الزمان إلى أسلافهم التجار الذين نشروا الإسلام فى أصقاع كثيرة بحسن خلقهم وسلوكهم فذلك كفيل برسم الصورة الحقيقية عن الإسلام وعن نبى الإسلام الذى جاء لإصلاح الإنسان والكون والحياة. وكيف ننشر منهج التسامح الذى يمثله الأزهر على نطاق واسع فى العالم فى رمضان؟ - لن أحدثك عن مبعوثى الأزهر المنتشرين فى جل دول العالم، فهؤلاء ومبعوثو الأوقاف فى رمضان وغيرها يؤدون أدواراً مهمة، ولكن أحدثك عن كنز مهم جداً وهم الطلاب الوافدون الذين يدرسون فى الأزهر الشريف، وهم سفراء لسماحة الإسلام وهم ركائز حضارته الحديثة، لذا يجب عليهم أن يتحلوا بصفات تؤهلهم لأن يكونوا سفراء لسماحة الإسلام والتى منها أن يكون متأدباً بأدب النبى صلى الله عليه وسلم وحسن المعالمة مع كل الناس، وأن يبرع فى العلم والتعليم والبحث مدى الحياة وأن ينتهج نهج الشورى ويحترم عقول الآخرين، ويحترم حرية المعتقد وأن يكون رحيماً ورفيقاً بكل مفردات الطبيعة والكون من انسان وحيوان ونبات وحتى الجماد، وأن ينتهج نهج الوسطية ويوازن بين حاجات الروح والجسد وأن يعمل للدنيا والآخرة معاً وأن تتجلى فيه القيم والأخلاق النبيلة، أضف إلى ذلك الجانب الذى يجب أن يتحلى به سفير سماحة الإسلام ومن المهارات الفنية والمهنية مهارة الإقناع والاستمالة التى ترتكز على الحجة وانتقاء مفردات الحوار فى التعامل مع إنماط الشخصيات والطباع الصعبة وكلمة السر فى الوصول إلى الإقناع وحسن التعامل والتعايش مع الواقع. طالب الغرب بإبطال سور فى القرآن الكريم وحذف بعض آياته بحجة معاداة السامية والحض على القتل فماردكم على هذا الافتراء؟ - إن مطالبة بعض الغربيين بإبطال سور من القرآن الكريم أو تجميد آيات بعينها أو الحكم عليها بالتقادم ومن ثم إحالتها للتقاعد بحجة أنها أمست قديمة لا تواكب العصر أو أنها تعادى السامية أو أن بعض الإرهابيين يفسرونها بما يسمح لهم بقتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين والملحدين ما هو الا محض هذيان ومحاولة إلهاء العالم عن مشكلات بعينها عجز هؤلاء الفاشلون عن تحقيقها، فثمة فرق كبير جداً بين كلام البشر وبين كلام رب البشر المقدس، كما أن فهم البشر وبالتحديد غير النبيين للقرآن وغيره فهم غير مقدس، وهذه مسلمة يجب أن نشترك فيها جميعاً. ومن هنا أطالب الأزهر الشريف والمؤسسات الإسلامية المعتمدة بأن تدرس وبعناية الدوافع والمرامى والأسباب وراء هذه المطالبة الخطيرة وتقديم الردود العلمية والبراهين المنطقية والمنهجية الحاسمة بعيداً عن العاطفة لتفنيد الحجج التى على أساسها كانت هذه المطالبات وبما يجعل الغرب يرضخ علمياً ومنطقياً ويوقن بأن العيب فى سوء فهم النص لدى نفر قليل، وليس العيب أبداً ولن يكون فى النص المقدس الذى أنزله الله أساساً من أجل إصلاح الإنسان والكون والحياة.