قرية العمار واحدة من قرى محافظة القليوبية الشهيرة بزراعة المشمش، لكنها تختلف كثيرًا عن قرى المحافظة، كونها تتمتع بالأرض السمراء الخصبة، التي باتت تفتقرها الكثير من الأراضي الزراعية في شتى ربوع مصر. منذ قديم الأزل والجميع يعرف عن هذه القرية أنها أكثر قرى مصر زراعًة للمشمش، ولا يضاهيها أحدًا فى زراعته بالمحروسة شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وذلك بفضل تربتها الخالية تمامًا من الرمال وتمتعها بتوافر كافة مقومات التربة الجافة. ومع حلول شهر ديسمبر من كل عام يبدأ المزراعون رمي ثمارهم الجديدة بين الأشجار القديمة، لتكون بديلة الأشجار التى قاربت على انتهاء عمرها الافتراضى، ويبدأون فى ري الأرض مع الأسابيع الأخيرة من كل عام، حتى فبراير من العام الذي يليه، وتلك الفترة المعروفة بين المزراعين بنضوج الزهرة الأولى، وفى الفترة ما بين فبراير حتى شهر أبريل الزهرة الثانية وهى التى تزيد كميات المشمش على الشجر. ويعد المشمش أرخص المحاصيل الشتوية وأسهلها فى الزراعة، لأنه لا يحتاج إلى ري دائم ولا يستهلك مياه كثيرة، فضلًا عن أن رعايته لا تحتاج إلى جهد، فيكفى زيارة الأرض المزروعة مشمش مرة واحدة أسبوعيًا، كى تتطمئن على محصولك وتنظفه، إضافًة إلى أنه محصول نظيف للغاية، لا تدخل إليه الحشرات الخطيرة كحال معظم المحاصيل الزراعية الأخرى. المناخ المناسب للزراعة يعتبر فصلى الشتاء والربيع هما أفضل فصول زراعة المشمش وحصاده، لأنه فاكهة تعتمد على المياه القليلة والتربة الجافة وأن جميع مقومات الشتاء تخدمه بداية من نضجه وإنتهاءًا بتنظيفه من الحشرات بسبب قطرات الندى التى تنزل على الأشجار، وهذا ما يقوله المزارع بدوى ل"الوفد". جمع المشمش ب"السيبه والسلطه" السيبه والسلطه هما أداتا الجمع الأساستين، جيث يستخدم الفلاح " السلطة" وهو يشبه السلم إلى حد كبير ويكون بأطوال مختلفة حسب قمة الشجرة. و" السيبه" وهى "جلابية" تكون فضفاضة من الأعلى ويربط وسطه بحبل عريض ويكون فوق الشجرة ليجمع بداخلها المشمش ثم يقوم بوضعه فى "القٌفه"، وهذا ما يوضحه المزراع محمد عبد المنعم صاحب ال23 عامًا، ويقولون بأن هذه الأدوات متوراثة بينهم منذ نشاتهم وهى أسرع وسيلة فى الجمع، ويجب أن يكون المشمش فى مرحلة متوسطة ما بين النضج والنشأة، حتى يتحمل النقل من المزارع إلى التاجر ومنه إلى المستهلك وكل هذا الضغط لا يتحمله المشمش الناضج. التعبئة بعد نزوله من على الشجر يقوم المزراع بتعبئة المشمش فى "علب كرتونية" خاصة به تتكلف العلبة ما بين الثلاث إلى خمس جنيهات، ويقوم بضبطه فى الكرتونة وفقًا لمرحلة نضجه، ويجب أن يكون القائم على التعبئة متخصص فى ذلك حتى لا تفسد التعبئة، وهذا ما يشير إليه المزراع، حيث أن التعبئة أهم خطوات بيع المحصول لأن أى خطأ فى التعبئة يؤثر على جودة المنتج. بيع المحصول يبيع المزارع محصوله فى ثلاث إتجاهات أولها البيع من داخل الأرض، حيث يقوم المزراع بتعبئة المحصول وبيعه للتجار الذين يقبلون عليه، أو البيع عن طريق الأسواق الكبرى بالتنقل بمحصوله بين البلدان لبيعه، أو الطريقة الأشهر فى العمار وهى "السويقة"، وذلك حسبما ذكر لنا عبد المنعم، مفرقًا بين طرق بيعه حيث يقول أن أفضل طريقه هى البيع من داخل الأرض بحيث لا تتحمل أى نفقة فى النقل وتضمن بيع منتجك وهو فى أفضل حالاته. السويقة هى مكان يتجمع فيه الناس عند أحد التجار الكبار بالقرية وينقل له المشمش دون تعبئة ويعرضه عليه، وفى حالة موافقة التاجر على شرائه يقوم بعمل مزاد بين التجار الحاضرون ليحددوا قيمة الكيلو فى المشمش المُقدم له، وهذا ما كشفه لنا أحد حسانين محمد أحد تجار السويقه، حيث يقول أنه يوفر على المزارع التعبئة والنقل ويبيع له محصوله بالقيمة التى يستحقها وأن المزاد يكون بالعلن أمام الجميع حتى لا يدور فى بال أحد إننا نسرقه، وبعد شرائه نقوم بالتعبئة والنقل للأسواق الكبرى فى القاهرةوالمحافظات. أسباب إنهيار زراعة المشمش عامة على رغم أن "العمار" أشهر قرية فى مصر لزراعة المشمش، الإ أنه خلال زيارة "الوفد" للقرية وجدنا أن زراعته أصبحت تتراجع بشكل كبير للغاية وهذا ما أكده المزراع محمد رمضان والذى يبلغ من العمر ستون عامًا، مرجعًا كسادها إلى عام 2000 بسبب دخول الكيماويات والسماد المسرطنة فى مصر مما ضر بمستقبل زراعة المشمش، وأصبحت الأرض على أثر تلك الظروف لا تؤتى ثمارها أكثر من 4 أعوام على التوالى مما اضطر الناس فى تلك الفترة إلى قطع الشجر والعزوف عن زراعته والتوجه إلى زراعة المحاصيل الموسمية. وبعتبر مشمش "الجبل" القشة التى قصمت ظهر البعير، وذلك على الرغم من أن جودته ضعيفة لا تتخطى خمسين بالمائة من جودة مشمش "العمار" المعروف فى جميع محافظات مصر بجودته العالية الإ أنه استطاع أن يقلل زراعة المشمش فى "العمار"، وهذا ما أكده رمضان، معللًا ذلك بحصاده قبل أوانه وزيادة رقعته الزراعية وإعتماده على السماد والمواد الكيمائية التى تجعله ينتج كميات كبيرة وفى وقت أقل ويباع بأرخص الأسعار، وهذا يجعله الأكثر إنتشارًا وبيعًا فى الأسواق المحلية، لأن المستهلك لا يستطيع أن يفرق بين جودته الإ الأشخاص الذين يعرفون قيمة مشمش العمار. ورغم إدراك مسئولى الوحدة الزراعية أهمية إنتاج المحاصيل فى القرية من خلال التوعية والإرشاد الزراعى، الإ أن فى السنوات الأخيرة اختفوا تمامًا من القرية ولا يسألون عن أى شئ، حتى أن المبيدات والسماد الذى يبيعونه للمزراعين أصبحت فاسدة وتضر التربة، وذلك وفقًا لما أقره بدوى محمد المزراع، قائلًا أنا لا أعتمد على سماد أو مبيد من الوحدة الزراعية وكل المواد التى نحتاجها نجلبها من شركة النصر التابعة للقوات المسلحة التى تعتبر المنقذ لنا من إهمال الإرشاد الزراعى. انهيار زراعة المشمش العام الحالى تعتبر الذبابة آفة ضارة للغاية للمشمش وكانت السبب الرئيسى هذا العام فى فساد جزء كبير من الزراعة، حيث إنها انتشرت بشكل مبالغ فيه هذا الموسم وكانت عنصرًا مهاجمًا لنجاح محصول المشمش، ولم تستطيع أى مبيدات حشرية فى القضاء على فعاليتها، وهذا ما أكده المزارع محمد رمضان، ملقيًا بتهمة الإهمال على الوحدة الزراعية التى لم تعد تهتم بزراعة محصول المشمش ولم تفكر فيه مثلمًا كان فى السابق. ويعد عام 2018 هو الأسوء فى تاريخ زراعة المشمش بالقرية بسبب التغيرات المناخية ففى فصل الشتاء التى من المفترض برد تفأجئنا بأكثر من عشرة أيام حر قضوا على المحصول واثرواعلى الزهرة الأولى، ومع بداية فصل الربيع الذى يستفاد منه المشمش بنزول قطرات الندى الثلجية أصبنا بالسيول والأمطار مما قضى على المحصول نهائيًا، وهذا ما أعلنه لنا بدوى محمد المزرارع ، معلقًا على ذلك قائلًا، أن قطرات الندى التى كانت تهبط فى فصلى الشتاء والربيع كانت بمثابة طوق النجاة للمحصول لإنها تنظفه من الذباب والعنكبوت، ومع تغير المناخ لم نستفاد من الموسمين. أنواع المشمش يعد مشمش الحموي من أجود الأنواع النادرة الذى لا يخرج الإ فى أرض العمار فقط، ويكون حجمه متوسط ولونه أصفر فاقع و"نواته" تشبه حبات اللوز يمكن أكلها، وهذا ما أشار إليه بدوى محمد المزراع، مؤكدًا على أن "نواة" المشمش يختلف من نوع لأخر وكلما كانت مرٌه فانه يدل على رداءة المحصول وضعف المنتج، وأن كل مشمش العمار لا توجد به "النواة" المرٌ. استخدامات النواة وأثناء موسم الحصاد يجمع الفلاح ما يمكنه جمعه من على الشجر وهو المنتج الصالح، ولكن هناك حبات تسقط على الأرض بسبب عوامل الجو أو إنها أصبحت ناضجة وهنا لا يمكن للمزراع أن يبعها فيضطر أن يدخلها ضمن المنتج الفاسد، وهذا ما يقوله المزراع محمد رمضان، ولكن يؤكد على أن لها استخدامات عديدة أبرزها البيع مثل "الترمس"، لإنه إذا قسمتها وأخرجت منها النواه تستطيع أن تخمره فى الماء وتبيعه بأسعار مقبولة، وهناك تجار يشترونه. المشمش الفاسد جميع ثمار المشمش اليى يسقط من على الشجر دون حصاده فأنه يدخل ضمن المشمش الفاسد الذى لا يمكن بيعه للمستهلك، وسواء كان سقوطه بسبب عوامل المناخ أو النضج أو حتى بسبب دخول الدوده أو السوس فيه فأنه يباع أيضا، وذلك وفقا لما أوضحه المزراع محمد عبد المنعم، حيث أنه يقول أن الشركات الخاصة بالمربى والعصائر تشترى منا هذا المشمش لتدخله فى الصناعات المختلفة كالمربى والعصير. أسعار العام الحالي تترواح أسعار المشمش فى العام الحالى ما بين 6 إلى 8 جنيه من أرض المزراع، وذلك بدون حساب تكلفة التعبئة والنقل والتخزين، وهذا يجعله يصل ما بين 13 إلى 15 جنيه فى يد المستهلك الأخير، وعلى الرغم من ذلك فأن المشمش يباع فى الأسواق ما بين 20 إلى 25 جنيه.