تحقيق - على عبدالعزيز / إشراف : نادية صبحي لا يختلف أحد أن فئة الصنايعية والأسطوات وأصحاب الخدمات على جميع المستويات من الفئات البسيطة التى تحصل على رواتب شهرية مناسبة كما هو الحال مع أصحاب الوظائف الحكومية، أو حتى الشركات الخاصة، ولا يمكن الاستغناء عنهم. المقاول، والميكانيكى، والسباك، والنجار، والكهربائى، وتركيب السيراميك، والعشرات من أصحاب هذه المهن، يوجد جزء كبير منهم يسطرون بأيديهم قصص نجاح، ما يجعل زبائنهم يغدقون عليهم بأموال أكثر مما يستحقون، وفى المقابل هناك من يجعلك تندم أنك أتيت به، أو فكرت فى الأساس أن تبنى بيتاً أو تشترى سيارة، أو حتى تكره نفسك ومنزلك عندما يتم تغيير الدهانات فيه أو تغيير أى جزء بداخله بسبب الصنايعية والأسطوات، والأكثر أن تتحول الخدمة التى يتقاضى عنها الصنايعى إلى وسيلة نصب يأخذ منها أموال الزبون الذى لجأ له، والسؤال الذى يطرح نفسه، هل سيعيد الصنايعية رونق هذه المهن إلى سابق عهدها، بعد أن أنصف الرئيس السيسى العمالة غير المنتظمة، وتم تدشين تأمين خاص بهم ومعاش ما يعنى تأمين حياة أسرهم بشكل مماثل للموظفين فى الدولة والقطاع الخاص؟ «رحلة عذاب توضيب الشقة»، بهذه الكلمات الغاضبة، روى أحمد محمود، شاب موظف، مأساته خلال محاولته جلب الصنايعية لإنهاء منزله حتى يتسنى له الزواج، مؤكداً أنه استلم منزله على الطوب الأحمر، وقام بتوفير الأموال كل شهر من عمله، حتى يبدأ خطوة خطوة فى ما وصفه رحلة عذاب الشقة، لأن كل صنايعى يأتى للعمل يطلب أموالاً طائلة وبعد ذلك تجد الكثير من العيوب التى تطلب توفير صنايعى آخر لتعديلها. كوارث وسلبيات الصنايعية بدأت رحلة محمود من خلال أعمال المحارة الداخلية للمنزل، عندما أبرم اتفاقاً مع صنايعى فى منطقة إمبابة على عمل المتر فى المنزل بعشرين جنيهاً، وأقنعه بأن هذا السعر هو الأدنى خاصة بعد ارتفاع كافة الأدوات والأشياء المستخدمة وأجرة من يعملون معه، موضحاً أنه بعد الانتهاء من عمله اكتشف الكثير من العيوب، إضافة إلى أنه استلم المنزل بعد ضعف المدة المتفق عليها. وأكمل أنه قابل الكثير من الصعوبات بداية من تركيب السيراميك بعد ذلك، والذى تسبب الصنايعى الخاص به بأن يفرق علو منزله عن الخارج مقدار درجة سلم كاملة بعد خطأ الصنايعى، وانتقل إلى مرحلة العذاب الأخرى مع النجار الذى استلم أموالاً طائلة عن أبواب وشبابيك المنزل، ليكتشف صاحب المال بعد ذلك أن الأخشاب هشة للغاية ولا ترقى للأموال التى دفعها، ولكنه لم يقدر على التفوه بحرف بعد أن تم صناعة الخشب وتركيبه، وسماع الحجة المتكررة فى كل حين بأن الغلاء ضرب كل الأشياء، إضافة إلى الصنايعى الخاص بالدهانات الذى ظل يغيب عن العمل على فترات متباعدة لأنه أخذ الأموال مقدماً. «لازم تقف على دماغهم»، هكذا أكد مصطفى عبدالعزيز، 50 عاماً، وقال لا يمكن أن تترك أى صنايعى يعمل فى منزلك دون أن تراقب كل خطوة يخطوها فى عمله، وإلا ستضطر لهدم ما فعله فى النهاية وإعادته مرة أخرى، مشيراً إلى أن بعضهم عندما يجد نفسه وحيداً فى المكان، يأخذ راحته ولا يؤدى عمله بنزاهة وإتقان، وأنه من الأفضل أن يتعلم الجميع هذه المهن بقدر المستطاع حتى لا يسقط فى يد عديمى الضمير. أضاف عبدالعزيز أنه يجب عدم إعطاء الأموال للصنايعى قبل الانتهاء تماماً من عمله، مؤكداً أن أغلبهم يسيرون على قاعدة بأنه يذهب إلى العمل لأنه يحتاج إلى الأموال، وبالتالى ما الذى يستدعيه أن ينزل من منزله ويذهب إلى العمل إذا كانت الأموال متوافرة بالفعل. «بيحسسك أنه دكتور أو مهندس» أردف إبراهيم السيد، أنه مر بكثير من هذه السلبيات، وأن بعضهم حالياً يشعرك بأنه يستحق أكثر من ما هو عليه، وأن له الكثير من الإنجازات والبطولات وبالتالى لا يريد أن يشتغل بيده، وإنما يجبرك على دفع أموال زائدة لنقل الرمال من غرفة لغرفة أخرى مثلاً، أو نقل البضائع من أسفل المنزل إلى الدور الثانى، وحتى شراء أدوات زائدة ورميها بعد ذلك فقط لراحته الشخصية أثناء العمل، ما يجعلك تتكبد المزيد من الأموال. الغلاء والضمير سبب انهيار المهنة الحاج محمود مصطفى، مقاول، قال إنه بعد ثورة يناير ضرب الغلاء جميع مواد البناء، وبالتالى الأمر ليس بيد المقاول أو الصنايعى الذى يعمل فى هذه المهنة، مشيراً إلى أن أجرة الصبى وحتى الصنايعى ارتفعت كثيراً فى الوقت الحالى إلى 150، و200 جنيه، بعد أن كان يأخذ 70، و90 جنيهاً فقط قديماً. أكد أن السبب الآخر فى غلاء سعر هذه الخدمات يكمن فى صعود صغار المقاولين، موضحاً أن المقاول يجلس فى مكانه ولا يفعل شيئاً، وإنما فقط يتفق مع الزبائن ويرسل الصنايعية إلى المكان ويحاسبهم فى نهاية اليوم على اليومية الخاصة بهم، ويربح هو من فرق المبلغ المتبقى فى نهاية العمل، قائلاً: «الشغلانة دى عاوزة اللى فاهم واللى قضى عمره كله فيها عشان مبيبقاش طماع، لكن دلوقتى فى أكثر من مقاول فوق بعض كلهم بياخدوا عمولة وكله بيجى على الزبون فى الآخر». «زمن الصنايعية انتهى» قال محمود الكبير، مقاول، يبلغ من العمر 48 عاماً، إن زمن الصنايعية الجيدين وأصحاب الإتقان والعمل الجيد والمبهر قد انتهى فى الوقت الحالى، مشيراً إلى أن عدداً قليلاً جداً من الأشخاص العاملين فى هذه المهن يمكن أن تعتمد عليه فقط، وأن السبب فى ذلك انتهاء زمن الوظائف الحكومية، وأنه حتى الوظائف فى الوقت الحالى لا تعطى أموالاً مناسبة، وبالتالى يلجأ الأغلب إلى هذه المهن دون وعى أو خبرة حتى يكتسب الأموال. أوضح أن قديماً لم يكن الأمر كذلك، وأن المواد المستخدمة فى البناء والتشييد وحتى أجرة الصنايعية أنفسهم لم تكن غالية هكذا، وأن الزمن قد تغير فى كل أركانه بداية من جودة المواد، وغلاء الأسعار، وحتى أخلاق وضمير الصنايعى نفسه، والزبائن التى لا تريد أن تدفع شيئاً مقابل الخدمة التى يتلقونها. ومن جانبه، قال محمد سعفان، وزير القوى العاملة، إن المختصين بدأوا عملية حصر العمالة غير المنتظمة على مستوى الجمهورية منذ أول شهر مارس الجارى، حيث وصل عدد العمالة غير المنتظمة حتى الآن إلى 700 ألف شخص. وأشار سعفان إلى أنهم سيعملون على توفير رعاية متكاملة لكافة العمالة غير المنتظمة بالتعاون مع وزارة التضامن، لافتاً إلى أن إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى شهادة أمان أعطى حافزاً للعمالة على تسجيل أنفسهم فى قاعدة البيانات، قائلاً: «نعيش الفترة الذهبية للعمالة غير المنتظمة». وأعلن أنه تم تخصيص 25 مليون جنيه للتأمين على العمالة غير المنتظمة المسجلة بالوزارة، وشراء شهادة أمان، مشدداً على ضرورة تكاتف كافة المؤسسات لرعاية العمالة غير المنتظمة.