أعرف أنه قد يتبادر الي الأذهان أن عنوان مقالي ينبئ عن أنني أكتب بعيدا عن خضم الأحداث التي تموج بها البلاد طولا وعرضا، ولكني أراني قد سئمت الحديث والكتابة عن تداعيات تلك الأحداث الراهنة التي طالما يتأملها المرء تثير الغصة وتبعث علي الغثيان بدءا من الانفلات الأخلاقي الذي استشري بيننا فوق لغة الحوار السافرة التي يظنها الأقزام تضيف اليهم قامة وانتهاء بالإسفاف الدراماتيكي لمرشحي الرئاسة، فقد وجدتني مدفوعا - غير منكر أنني ساداتي الهوي - لأكتب بمناسبة مرور 31 عاما علي استشهاد المشير أحمد بدوي وثلاثة عشر ضابطا من صفوة القادة وما اقترنت به هذه الحادثة من اتهام رخيص للسادات بتدبيرها والمؤسف أن هذه الفرية المغرضة توارثتها الأجيال المتعاقبة وبقيت الحقيقة مخبوءة في ضمير الشرفاء ولأن براءة السادات رحمه الله في ذهني حقيقة خالدة فقد تخيرت أهم وأعظم شهادة في هذا الصدد أولها للوزير المفوض إيهاب بدوي نجل المشير، ولواء طيار عبدالعزيز بدر رئيس لجنة التحقيق وقتئذ وكلاهما علي قيد الحياة يقول نجل المشير إن السادات هو الذي أعاد والدي الي الخدمة في صفوف القوات المسلحة في إطار الإعداد لحرب أكتوبر بعدما أطاح عبدالناصر بدفعة شمس بدران التي ينتسب اليها والدي عقب نكسة 1967 ثم أحالها الي التقاعد، وهو الذي قلده نجمة سيناء في جلسة تاريخية تحت قبة البرلمان والحديث عن اتهام السادات بتدبير هذا الحادث عار من الصحة تماما هذا وقد أعزا اللواء طيار عبدالعزيز بدر الحادثة أنها عادية بحسبان أن مكان إقلاعها وهبوطها منطقة مليئة بأعمدة الإنارة والأسلاك بجانب الحمولة الزائدة التي أدت الي سقوطها وفقدان قدرتها علي الدفع وأرجع سرعة انتشار النيران بهذه الكثافة الي أن درجة حرارة المحرك تصل الي 2000 درجة وهي التي حولت الطائرة كتلة من اللهب وأن ما تردد من أن صاروخا أطلق عليها ضرب من الخيال المريض وما أعطي هذه الحادثة الحجم المتعاظم أن القائد العام كان أحد ضحاياها، تلك هي الحقيقة التي ظلت مبهمة أمدا وأحسب أن مظنة الحديث بغير الحقيقة بعيدة عن قاموس الرجلين ولا سيما وأن السادات والمشير الآن في ذمة الله. وعساي أذكر بما قاله أنيس منصور إننا ظلمنا السادات وبالغنا في ظلمه ولم نعرف قدره حتي الآن ومن المفارقات أن الشعب الإسرائيلي عصبي المزاج قضي علي بيجن بهدوء والشعب المصري الهادئ قضي علي السادات بكل عنف ولكن من المؤكد أن التاريخ سينصفه أما الرئيس الأمريكي كارتر يقول إنني أتطلع لإقامة صداقة معه لأتعلم منه الكثير فهو شخصية شجاعة ويتمتع بذكاء حاد أما هنري كيسنجر فيقول: إنني أدركت بعد دقائق معدودة من أول لقائي به أنني أمام رجل دولة بحق. وأخيرا اعتراف قادة جماعات الجهاد دون مرة وفي أكثر من موضع أن قتل السادات حرام شرعا، رحم الله السادات عاش رجلا وطنيا واستشهد شامخا مرفوع القامة وهو يستقبل رصاص الغدر بشجاعة الفرسان فنال الشهادة يوم عرسه. ------------- بقلم- عاطف الجلالي المحامي