بصعوبة يتذكر الواقعة، ففي عمر الزمان مضي اكثر من 13 عاما كاملة علي تفاصيلها المأساوية ولانها كانت قاسية علي الجميع بصورتها التي حدثت فمجرد تذكرها يثير الشجون فالمشهد كما وقع ضحاياه رفقاء سلاح عاشوا حلو الحروب ومرها انتصارها وانكسارها قضوا كلهم في حادث مازالت كل تفاصيله الحقيقية لا تعرف النهاية الصادقة حتي ولو كان التقرير النهائي لها يؤكد انها قضاء وقدر. الضحايا لم يكونوا فقط رفقاء سلاح ولكنهم كانوا نخبة من قادة الجيش المصري علي رأسهم القائد العام ووزير الدفاع الفريق اول وقتها احمد بدوي سيد احمد و31 من خيرة قادة جيش مصر الذي حقق انتصار أكتوبر العظيم. القائد العام كان في زيارة للمنطقة الغربية وبالتحديد واحة سيوة حيث قيادتها تحط به الطائرة في التاسعة صباحا يوم 2 مارس عام 1891 وهي من طراز مي 8 نوع من انواع الطائرات الهليكوبتر المستخدمة في الجيش المصري لنقل الجنود وبعد ان انهي القائد ورفاقه من الضباط الزيارة بدأت رحلة العودة، تدير الطائرة بقائدها المقدم سمير غيث محركها وما كادت ترتفع عن الارض حتي اصطدمت بعمود انارة وسقطت وسط كتلة من اللهب واحترق القائد وقادته بينما نجا الطيار وطاقمه من كابينة القيادة ونجا سكرتير المشير بدوي بأعجوبة فقد كان يجلس خلفه. علي الفور تنتقل لجنة للتحقيق ولكن علي ما يبدو تم طلب لجنة أخري برئاسة رتبة اكبر فوقع الاختيار علي اللواء طيار عبدالعزيز بدر الذي كان يشغل رئيس شعبة التدريب بالقوات الجوية لتضع تقديرها حول الحادث الغامض. قلت للطيار عبدالعزيز بدر من أين جاء التكليف أجابني: بتكليف وقتها من الفريق طيار شاكر عبداللطيف قائد القوات الجوية وكنت وقتها قائدا لشعبة التدريب بالقوات الجوية والحقيقة ان مسألة الحوادث هذه كانت تحدث في القوات خاصة علي الطائرات الروسي التي كان يمتلكها السلاح في ذلك الوقت وحتي عندما كنت قائد لواء المقاتلات كانت تقع مثل تلك الحوادث عن طائرات تسقط وزملاء يستشهدون حتي في التدريبات خاصة في الفترة التي سبقت حرب اكتوبر كانت التدريبات ثقيلة وعديدة. نعود لطائرة المشير بدوي وسقوطها الغريب؟ يقول اللواء بدر عندما ذهبنا الي منطقة سقوط الطائرة في قيادة المنطقة الغربية كانت في ذهني تداعيات لمثل هذا النوع من الطائرات الهليكوبتر ال»مي 8« فقد شهد لواء هذا النوع من الطائرات العديد من الحوادث وبينها حوادث مشابهة فالطائرة من خلال تحليل الحوادث الذي كنا نقوم به لكل حادثة لها »سوابق« بعد الاقلاع قبل ان تبدأ في الطيران بعد ارتفاعها عن سطح الارض تفقد فجأة قدرتها علي الطيران وتسقط وتتحطم وهي طائرة نقل جنود من الجيل القديم الذي لا إمكانيات فنية عالية به. الحادث كما كتبت في التقرير وقد انتقلنا له بعد فترة وبعد ان قامت لجنة أخري بالمعاينة لم يستغرق سوي ثوان قليلة ما بين الاقلاع والارتفاع عن الارض وبين السقوط، وما آثار التساؤلات هو نجاة الطاقم بالكامل وسكرتير المشير الذي كان يجلس داخل كابينة الجنود الخلفية ولكنه الوحيد الذي خرج سالما والحقيقة ان خروجه معجزة بكل المقاييس ولكنها إرداة الله فلو اجرينا ما حدث الف مرة لن ينجو منها مطلقا. اما خروج الطاقم كاملا فهو ايضا معجزة خاصة وسط حجم اللهب والنيران التي أمسكت بالطائرة وحطامها في اقل من 3 ثوان بمجرد سقوطها. وبماذا تفسر هذا السقوط؟ الثابت ان الطائرة وفق اقوال قائدها كانت »تشكو« من زيادة الحمولة ولكن ليس ذلك هو السبب المباشر ولكن الطائرة بعد الاقلاع عموديا الارتفاع عن الارض بمقدار 01 أمتار فقط بدأ قائدها في محاولة للتحرك بها ودفعها في الجو بكل قوة ولكن يبدو ان الطائرة فقدت القدرة علي الدفع بفقدان قدرات المحرك علي الدفع ولسوء الحظ كانت منطقة إقلاع الطائرة محاطة باعمدة انارة واسلاك علي ما يبدو اقترب ذيل الطائرة من أحدها فاصطدم به ووقعت الكارثة. تركيبة الطائرة عبارة عن جزءين كابينة للجنود وهي الكابينة الخلفية وكابينة القيادة وهي جزء امامي كل منفصل عن الآخر ويربطهما من الداخل باب داخلي وعندما سقطت الطائرة التي ابلغ قائدها المنطقة ان بها حمولة زائدة من الهدايا »صفائح زيتون وزيت زيتون« علي ما يبدو كانت تعليمات المشير لن تؤثر علي الرحلة فانطلق بها. ولكنها تحولت لكتلة لهب قضت علي كل من بداخلها عدا طاقمها والسكرتير الخاص؟ كما قلت الطائرة لها تكوين خاص وعندما سقطت وارتطمت بالارض احترقت في ثوان لان المروحة الرئيسية والمحرك الخاص بها والذي يزن وزنا كبيرا بجانب خزانات الوقود تقع اعلي كابينة الجنود وعندما انهارت الطائرة سقط المحرك والمروحة والخزانات فوق الكابينة محكمة الاغلاق والتي لا يمكن فتح ابوابها من الداخل وتحولت في ثوان لقتلة لهب. ألم يكن في امكان الطيار تفادي الحادث؟ لو كان هناك منطقة خالية امامه بعد ان رفع الطائرة عن الارض لكان قد تمكن من ذلك ولكن المنطقة المحيطة بموقع الحادث وعواميد الانارة والاسلاك واصطدام الطائرة باحدها بعد ان فقد القدرة علي الاندفاع ادت لسقوطها، فالثابت ان الطائرة بعد الاقلاع فقدت قدرة الدفع للامام. تردد ان الطائرة تعلقت بخطاف كما تردد ان صاروخا اتي من ناحية ليبيا التي كانت علاقاتها متوترة مع مصر هو الذي أسقطها؟ متعجبا.. يقول الطيار عبدالعزيز بدر هذا كلام عار تماما من الصحة حسب شكل الكارثة، فلا كان هناك خطاف امسك بالطائرة ولا صاروخ أطلق عليها ولكن الحادث كان قضاء وقدرا. ومن كانت تضم لجنتك للتحقيق؟ كانت تضم قائد لواء طائرات الهليكوبتر وكان اللواء في ذلك الوقت حامد الجوهري وكبير مهندسي الطراز وأحد ضباط القضاء العسكري والتقينا علي مدي ساعات بكل الشهود الذين اوضحوا ان الحادث وقع خلال 3 ثوان فقط وسط ذهول الجميع وكل الاسئلة تركزت حول كيفية سقوط الطائرة ووصف لما حدث بالضبط وهو ما تضمنه التقرير. ومن سألت بالضبط؟ الناجون في الحادث كانوا علي رأس من سألناهم خاصة الطيار سمير غيث وبعض ضباط المنطقة الغربية. وهل كانت اللجنة الاخري التي سبقتكم للتحقيق قد قدمت تقريرها؟ يقول الطيار بدر اللجنة لم تكن قدمت تقريرا ولذلك لم يكن هناك ما نضطلع عليه منها. ولذلك بدأنا عملنا بمحاولة فحص الحطام الذي كان قد رفع بالفعل مع أن التعليمات وفق المنشور الخاص بالحوادث تمنع الاقتراب منه او العبث به. وهل كانت هناك تعليمات معينة للجنة من اي جهة؟ أو حتي من قائد القوات الجوية؟ لا لم أتلق اي تعليمات من أحد ولكن انا بطبعي صريح ودقيق في عملي ولاني كنت أرأس شعبة التدريب في القوات الجوية وهناك نوعيات حوادث عديدة وقعت حتي من قبل هذه الطائرات وبنفس الاسلوب فقد كان هدفي الوصول للحقيقة الكاملة وهذا ما هدفنا إليه وكما قلت هذه الطائرة سقط بعضها بنفس الطريقة وكان الهدف الاصلي في اجراء التحقيق بشكل دقيق هو تفادي حدوث اي حادث وان توضع الدراسات الخاصة بكل حادثة لعدم تكرارها في تعليمات ملزمة لكل الطيارين وحتي يتم بحث مدي التزام الطيارين من عدمه وفق هذه التعليمات الصادرة إليهم والتي تصدر من خلال الخبرات. يقولون ان المنطقة التي وقع بها الحادث ليست مطارا مجهزا؟ فهل يكون ذلك سببا للحادث؟ الهليكوبتر يمكنها ان تطير من اي منطقة خالية ولا علاقة لذلك بكون المطار مجهزا من عدمه. والحقيقة ان المنطقة التي هبطت بها طائرة المشير بدوي ليست مطارا مجهزا ولكن المطار المجهز كان في حالة اصلاح فهبطت الطائرة وأقلعت قبل الحادث بالقرب من منطقة المكاتب الادارية. ولكن هل يمكن ان تنسب الحادث لعيب بالطائرة؟ هذا النوع من الطائرات كما قلت من الجيل القديم امكانياته محدودة حتي في المناورة رغم ان القوات الجوية المصرية استخدمته بكفاءة في نقل الجنود في حرب اكتوبر وحرب الاستنزاف ولكن هناك طائرات أحدث بكثير ولها إمكانيات ولها قدرات عالية. ولكن كما قلت فان حوادثها كثيرة والدفاتر الرسمية والحوادث تقول هذا. وبماذا تصف الحادثة؟ حادثة عادية جدا ما أعطاها هذا الحجم هو كون القائد العام والقادة في الجيش كانوا ضحايا لسقوطها وأعتقد ان الظروف التي أحاطت بالطائرة ووقوفها في منطقة هبوط بها اعمدة إنارة واسلاك بجانب حمولة قد تكون زائدة ادت الي سقوطها لو اضفنا لها فقدانها لقدرتها علي الدفع. واقول هنا ان سرعة انتشار النيران يرجع الي ان حرارة المحرك تصل الي 0002 درجة حرارة حولت الطائرة واجساد الشهداء لكتلة لهب. هل كانت تربطك بالمشير بدوي علاقة وعرفته عن قرب؟ عرفته بعد حرب اكتوبر وسافرت معه مرة واحدة إلي كنشاسا في الكونغو برازفيل وكانت طائرة ميستير صغيرة معدة للرحلة وجدت انها لا تصلح للمسافات الكبيرة في افريقيا واعترضت عليها ونقلت له رأيي وبالفعل تم تغيير الطائرة لطائرة اخري انيتنوف روسي بأربعة محركات وسافرنا بالفعل. وظللت جالسا بجانبه طوال الرحلة وعندما وصلنا الي الاجواء في كينشاسا ظللنا في الجو حتي أعطوا لنا تصريحاً بالهبوط وسط جو ممطر وعاصف بعد نصف ساعة وضحك المشير وقتها بعد ان ادرك ان الطائرة الصغيرة لم تكن تتحمل مثل هذا المشوار الكبير خاصة في تلك الاجواء الصعبة. من ضمن ما قيل إن هناك مؤامرة نسجت لاسقاط طائرة المشير بدوي فما ردك بصفتك رئيس لجنة التحقيق؟ لا تعليق لدي.