مدفيديف يكشف أسباب عدم استلام كييف لجثث جنودها    زيزو: السفارة الأمريكية خطأي الوحيد.. وعرض الزمالك كان أكبر من الأهلي باعتراف مسؤوله    إنقاذ شابين من الغرق في شاطئ بورفؤاد.. أحدهما في حالة حرجة    مصدر بالنقل: الأتوبيس الترددي أصبح واقعًا وعقوبات مرورية رادعة تنتظر المخالفات (خاص)    بالكليات والبرامج الدراسية، 7 جامعات أهلية جديدة تبدأ الدراسة العام المقبل    تقرير: ايران تكشف إحدى أكبر الضربات الاستخباراتية في التاريخ ضد إسرائيل    رئيس الوزراء الباكستاني يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    الصين توافق على تصدير بعض المعادن النادرة قبل المحادثات مع الولايات المتحدة    المركزي الأوروبي: خفض أسعار الفائدة قد يتوقف    سبورت: برشلونة يقدم عرضًا لشتيجن مقابل الرحيل هذا الصيف    استمرار أعمال التجميل ورفع المخلفات بميادين الإسماعيلية    ننشر النماذج الاسترشادية للثانوية العامة مادة الرياضيات البحتة 2025    رامي جمال يحدد موعدًا نهائيًا لطرح ألبوم «محسبتهاش»    القاهرة الإخبارية: شرطة الاحتلال تعتدي على المتظاهرين وسط تل أبيب    توافد جماهيري كبير على مواقع "سينما الشعب" في المحافظات.. (صور)    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    جامعة القاهرة تستقبل 7007 حالة وتُجري 320 عملية طوارئ خلال يومي الوقفة وأول أيام العيد    لبنان يحذر مواطنيه من التواصل مع متحدثي الجيش الإسرائيلي بأي شكل    لأول مرة.. دعم المعمل المشترك بمطروح بجهاز السموم GC/MS/MS    استعدادات مكثفة لتأمين مركز أسئلة الثانوية الأزهرية في كفر الشيخ    اليوم.. آخر موعد للتقدم لترخيص 50 تاكسي جديد بمدينة المنيا    كل عام ومصر بخير    عيّد بصحة.. نصائح مهمة من وزارة الصحة للمواطنين حول أكل الفتة والرقاق    إعادة هيكلة قطاع الكرة داخل الزمالك بخطة تطويرية شاملة.. تعرف عليها    هدية العيد    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    سلمى صادق واندريا بيكيا وشريف السباعى فى أمسية ثقافية بالأكاديمية المصرية بروما    حركة فتح: مصر تؤدي دورًا محوريًا في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية    القومي للمرأة ينظم لقاءاً تعريفياً بمبادرة "معاً بالوعي نحميها" بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    السيسي ورئيس الوزراء الباكستاني يؤكدان أهمية تعزيز التشاور والتنسيق تجاه القضايا الإقليمية والدولية    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار فى البحيرة    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    اللحوم بين الفوائد والمخاطر.. كيف تتجنب الأمراض؟    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب اليونان    إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها ل محمد السنوار    مها الصغير: أتعرض عليا التمثيل ورفضت    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    رونالدو يعلن موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    الداخلية ترسم البسمة على وجوه الأيتام احتفالا بعيد الأضحى| فيديو    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    وزير الزراعة يتابع أعمال لجان المرور على شوادر وأماكن بيع الأضاحي وجهود توعية المواطنين    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الكيمياء (فيديو)    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر: الهروب الكبير للأموال والصفقة
نشر في الوفد يوم 18 - 03 - 2012

«التغيير على وساخة يجيب تسلخات»، لافتة مكتوبة بخط اليد قرأتها في مصر، ولكنها تمثل حكمة عميقة لتوصيف ما هو حادث في مصر، والتغيير هنا يعني التغيير السياسي مستلهما فكرة تغيير الضمادات على الجروح بالمعنى الطبي، وهذا الذي يأتي بتسلخات في الجلد، ولكنه في حالة مصر الحالية يؤدي إلى تسلخات في جسد الوطن، وينقل مصر من حالة قديمة مستقرة، على الرغم من كونها سيئة، إلى حالة تغيير للأسوأ تقترب من الوقوف على شفا جرف الدول الفاشلة، وما تلك بمبالغة، وإنما إنذار في ضوء الهروب الكبير للأموال وانعدام الثقة في كل شيء، من المحاكمات إلى جدية القائمين على الحكم، إلى حالة العبث الممثلة في برلمان مراهق.
مصر في محنة لا شك، والمحنة نحن صنعناها بأيدينا ولم تنزل من السماء، ولا حل لها إلا بوقف هذا النزف غير المسؤول من هروب الأموال للخارج، فهذا الهروب الكبير لم يحدث عبثا، ولكنه نتيجة لجو ضبابي ومتخبط.
هروب الأموال مؤشر انعدام ثقة في مؤسسات الدولة، دستورها، وقضائها وحكامها وطرق فض النزاع فيها، مؤشرات انهيار كبير، وبكل أسف حتى هذه اللحظة لم ينتقل المصريون من مراهقة الثورة إلى رشد الدولة، حتى يتمكنوا من بناء شيء يليق بالتضحيات، إذ يبدو أن المصريين انشغلوا إما بطرق شيطانية للقضاء على الثورة، أو بمراهقة غير مسبوقة لا ترى إلا الانتقام والتشفي كوسيلة لهدم القديم وبناء جديد عليه، أو محاولة حماية أنفسهم وأموالهم من مصر ما بعد الثورة وروحها الانتقامية.
قبل الحديث عن هروب الأموال الكبير منها والصغير، مهم أن نعرف أن وزير المالية قرر مؤخرا أن يدخل في مفاوضات مع كبار رجال الأعمال ورجال النظام المحكوم عليهم في سجن طرة، أو من هم بصدد قضايا أخرى، من أجل استرداد أموال الدولة مقابل العفو عنهم، أو تخفيف الأحكام على بعضهم (الدخول فيما يعرف في الغرب بالبلي بارجين).
والحديث الفاهم في مصر يقول إن وزارة المالية هي الطرف الأضعف في تلك الصفقة، لأن بعض جماعة سجن طرة هددوا بأن المحاكمات ستورط الجميع، «ومن الأفضل أن نتوصل إلى صيغة نعيد بها الأموال ونحميكم في ذات الوقت». ومن هنا تكون صفقة المفاوضات هي إنقاذ الموقف قبل أن يقر من في طرة هدم المعبد على من فيه. وتحت وطأة هذا التهديد دخلت الوزارة المفاوضات، وفي ظل هذا التهديد أيضا بدأت رحلة الهروب المالي.
ونحن هنا نتحدث عن نوعين من الهروب، هروب كبير متمثل في الأموال الكبيرة، وهروب عشوائي لملايين الدولارات في حقائب كتلك التي ضبطت في شقة في لندن، أو تلك التي ضبطت في مطار هيثرو، حيث تم القبض على أحد المصريين وهو يحمل حقيبة مليئة بالجنيهات الإسترلينية بلغت قيمتها عشرة ملايين جنيه، هذا النوع من الهروب العشوائي للأموال مهم بالنسبة للاقتصاديين فيما يسمى ب«موني فلايت»، ولكن لمن يهتمون بالسياسية هروب الأموال الكبيرة مؤشر انعدام ثقة، فعندما تقرر أسرة أعمال كبيرة أن تنقل كل أعمالها التي تصل إلى مليارات الدولارات خارج مصر، فهذا لا يمثل رهانا على المستقبل على الرغم من البرلمان القائم والانتخابات الرئاسية المقبلة.
قد يبدو الحديث عن هروب كبير للأموال المصرية وغير المصرية، وأن الناس تبيع كل شيء استعدادا للسفر، مبنيا على أدلة سماعية أو حكايات متناثرة، ولكن فيما يخص هذا المقال أستطيع أن أشير إلى أكثر من دليل قاطع لبيع مؤسسات تجارية كبرى وخروج أصحابها بشكل شبه نهائي من مصر، خروج بالطبع مقنع، أي أن الجسد في مصر والأموال خارجها، ولا داعي لإحراج من نعرف ممن تركوا البلد، فنحن لسنا أكثر وطنية منهم، ولكنهم هكذا قرروا، المهم بالنسبة لي القرار، ولكن لماذا قرر أصحاب الأموال الهرب بجلدهم؟
يشير بعضهم إلى أن أصحاب الحكم أنفسهم لا يستأمنون الوطن على أموالهم، فمعظم ودائعهم المليارية الكبيرة في بنوك خارج مصر، ودائع تصل قيمتها إلى أربعين مليار دولار، فإن كان الحاكم خائفا فماذا عن المحكوم؟ الحاكم لا يستأمن رغم كل ما فعله من أجل تأمين أمواله، وهي قضية أموال في المقام الأول قبل أن تكون قضية سياسية، فكيف نتوقع من المحكومين أن يحتفظوا بأموالهم داخل الوطن؟ أصحاب الودائع الكبيرة لا يريدون إدخال أموالهم للداخل ويفضلون الاقتراض من الخارج على إخراج أموال من مساكنها الآمنة خارج الحدود، ويدعون وطنية زائفة، كشفها البعض وقرر الهروب بجلده قبل أن تقع الكارثة.
ترى ماذا يترك هذا الهروب الكبير للأموال للرئيس المقبل أو حتى ل«الإخوان» أن يديروه، وأموال «الإخوان» ذاتها خارج الوطن أيضا. بعد الانتخابات الرئاسية سيترك هؤلاء للرئيس المقبل خزانة مفلسة تجعل من الرئاسة المقبلة كارثة. فكل مرشح للرئاسة وعد الشعب بما لا يستطيع تنفيذه، فهذا حمدين صباحي الناصري يعد المصريين بناطحات سحاب لإيواء الفقراء، وعبد المنعم أبو الفتوح والعوا يعدون بإصلاح أحوال الوطن في المائة يوم الأولى، وعمرو موسى يريد أن يحول مصر إلى دولة تناطح ليس الجوار وإنما العالم.
مهم أن يعي الجوار أننا في وطن رفعت الثورة سقف توقعات الشعب فيه إلى عنان السماء لا عنان الحكم، وفي المقابل يعايش الناس وبشكل يومي إحباطات ويأسا غير منتهيين، تلك الفجوة بين التوقعات العالية وما يراه المواطن على الأرض، حتما ستؤدي إلى صراع دموي في بلد لم يعرف صراع الدم ولم يعتد عليه، ولكنه الإحباط في أسوأ حالاته. الفجوة الكبرى بين التغيير المطلوب والتغيير الذي تنتج عنه تسلخات مؤسسات الوطن كبيرة، وحتما هي وصفة «هوجة عنف» بعد انتخابات الرئاسة إن لم تكن خلالها.
الأموال تهرب، وصفقة الحكومة مع طرة، في حالة نجاحها، فضيحة سياسية، وفي حالة فشلها قد تكشف المحاكمات عما يريد البعض أن يخفيه، ولذلك قرر بعضهم الهرب تحسبا «لطرطشات» ما قد يحدث. وقبل هذا وذاك مصر اليوم تعاني من أزمة أفكار راشدة، خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع إدارة فجوة التوقعات بين المتاح والموعود. أصدقاء مصر خارج الحدود يجب ألا يركزوا على دعم مصر ماديا، فمصر تحتاج اليوم إلى أفكار أكثر من احتياجها إلى الأموال، نحتاج إلى رشد وحكمة قبل أن تنهار الدنيا على رؤوسنا.
هروب الأموال بهذا الشكل العشوائي ليس مؤشر عقل، بل مؤشر هرولة في غياب العقل، والاتفاق مع أركان النظام كبديل عن محاكمته، أمر تنقصه الحكمة السياسية، لأن تبعات ذلك خطيرة، فساعدونا في تثبيت عقول المصريين في مكانها، فنحن لا نعاني فقر المال اليوم بقدر ما نعاني فقر الفكرة، فمع الأموال التي تهرب من بلدنا، أيضا هربت الأفكار من رؤوسنا. ساعدونا. وتلك استغاثة ملهوف، واستغاثة وطن.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.