القليوبية – محمد عبدالحميد وأحمد عبدالله: ماكينة حلج سويسرية عمرها 117 سنة توضح تحويل «النهضة» إلى «وكر للحيوانات» ظلت محافظة القليوبية مركزاً مهاماً لزراعة وتسويق القطن حتى سنوات عديدة قبل انهيار الإنتاج وتراجع صناعة الغزل والنسيج وانهيار المحالج وسقوطها فى خانة الإفلاس وحجز البنوك عليها مما اضطر بعض الشركات المالكة المحالج إلى بيعها بالمزادات العلنية لسداد البنوك أو تركها مأوى للحيوانات الضالة حتى باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة نتيجة هذا الإهمال الجسيم. لم يكن محمد على باشا، أحد صناع نهضة مصر الحديثة يدرك أن ما يقوم به من نهضة زراعية وصناعية وتجارية مثل بناء القناطر الخيرية والمحلج الشهير بها، سيأتى عليها الزمن ليحولها إلى بيوت مظلمة تسكنها الخفافيش والحيوانات الضالة. ويعد محلج محمد على بالقناطر الخيرية والذى أنشئ عام 1847م من أقدم محالج القطن فى الشرق الأوسط على مساحة 28 ألف متر مربع حيث أنشأه محمد على باشا حاكم مصر آنذاك بعد أن شيد العديد من القناطر على امتداد النيل لتنظيم عمليات الرى فى هذه المنطقة، لاهتمامه بزراعة القطن التى اشتهرت بها مصر على مدار سنوات عديدة. ويتميز هذا المحلج بطراز معمارى فريد يسمى «الماروطى»، الذى يميز معظم كبارى ومبانى القناطر الخيرية القديمة، وقد تحول من تحفة معمارية وفنية إلى خرابة مهجورة بعد أن توقف عن الإنتاج فى بداية التسعينيات. ورغم أن معداته كلها مصنوعة فى إنجلترا، ومر عليها أكثر من 100 عام، إلا أنه تعرض للإهمال الجسيم، وأصبح خرابة تملأها الثعابين والخفافيش والكلاب وكافة الحيوانات الضالة. وكان المحلج ينتج حوالى 200 ألف قنطار سنوياً من القطن فى بداية الثمانينيات، ويضم ورشاً خاصة بتصنيع أخشاب المحلج وقطار مخصص لنقل بالات القطن إليه من خلال قضبان سكك حديدية خاصة بالمصنع بسبب المساحة الشاسعة التى يشغلها والتى تصل إلى 6 أفدنة، كما كان محاطاً بأبراج يرى البعض أنها كانت للمراقبة أنشأها سعيد باشا عندما جلس على كرسى الحكم بعد وفاة محمد على وتشبه هذه الأبراج القلعة المحصنة. ويضم المحلج ماكينة حلج سويسرية يرجع تاريخ صنعها إلى عام 1900 وكانت تدير أكثر من 100 دولاب حلج، ورغم أن محافظة القليوبية اشترت المحلج بنحو 28 مليون جنيه فى عهد المحافظ الأسبق المستشار عدلى حسين، بعد أن عرضته الشركة القابضة للغزل والنسيج للبيع وقررت تحويله لمركز إبداع ثقافى عالمى، ومكتبة عامة، وتم الإعلان عن أنه جارى التنسيق مع كافة الجهات المعنية لتطوير المكان وظهوره بصورة تليق بمصر وبالمحافظة، إلا أن الصورة ما زالت قاتمة. كما يعانى محلج طوخ من إهمال شديد، حيث أصبح مرتعاً للحيوانات الضالة، وقد تمت إزالته بالكامل فلم يتبق منه سوى سور كبير يحيط بأرض المحلج فقط للحفاظ عليها من تعديات البائعين. وكان هذا المحلج ملكاً لشركة حليج الأقطان وبعد تعرضها للخسارة بعد انهيار القطن وحجز البنك على المعدات الموجودة ولكن أسعارها لم تفِ بالمديونية. وقد بيع المحلج بعدها فى مزاد علنى واشتراه أحد رجال الأعمال بملايين الجنيهات وقد هدم وقسمت أرض المحلج لعرضها للبيع لإقامة عقارات سكنية عليها. يقول الدكتور إبراهيم راجح مستشار وزير التعليم العالى السابق ووكيل كلية الطب بجامعة بنها، إن محافظة القليوبية تحتوى على عدة مواقع أثرية كبيرة منها محلج محمد على، وقد حولتها أيدى العبث والإهمال إلى وكر للمنحرفين بعد أن كانت رمزاً للعظمة والتاريخ، وكانت مقابر فرعونية لها حرمتها وقدسيتها، امتلأت بكل معانى الإهمال وتحولت «اتريب» من مدينة الحضارة إلى مدينة للإهمال. معبراً عن حزنه الشديد لإهدار هذه المناطق الأثرية وعدم الاستفادة منها. وأضاف «راجح» ل«الوفد» أن تقاعس المسئولين منذ سنوات بعيدة هو السبب الرئيسى لإهدار هذه الثروة الهائلة، مشيراً إلى أن معظم أراضى المحالج أصبحت مأوى للحيوانات الضالة والبلطجية والمنحرفين، مقترحاً بتحويلها إلى مزارات سياحية أو حدائق حتى تستفيد الدولة منها. وطالب وكيل كلية الطب ببنها المسئولين بالحفاظ على تراث وآثار مصر التى يفتخر بها العالم، وإنشاء متحف يضم آثار القليوبية التى تضم عدداً من المواقع الأثرية المميزة جداً. فيما طالب الدكتور السيد فضل عميد كلية الآداب ببنها الأسبق بوضع حد للانتهاكات التى تتعرض لها المناطق الأثرية بالمحافظة وعودة الآثار المنهوبة من المحافظة والموزعة على المتاحف المحلية والعالمية إلى المحافظة وتخصيص مكان لإنشاء متحف بمدينة بنها. وانتقد العشرات من مواطنى بنها سوء حال المنطقة الأثرية ببنها باعتبارها المسئول الأول عن المناطق الأثرية بالمحافظة، مؤكدين أن المنطقة تحاصرها مياه الصرف الصحى من كل جانب وتسودها حالة من الإهمال وتم إلقاء بعض القطع الجرانيتية النادرة فى الشارع أمام مبنى منطقة الآثار ببنها. وقال عدد من مواطنى المحافظة لماذا لا يتم جمع القطع الأثرية الخاصة بالمحافظة الموجودة بمتاحف اللوفر وبرلين والمتحف المصرى وبلدية الإسكندرية والزقازيق وإنشاء متحف بالقليوبية باعتبار أن ذلك حقها الأصيل.