أخذت أتأمل طويلا في عملية القتل الممنهج التي استعرت في سوريا من قبل قوات الجيش والأمن التابعة لبشار الأسد خاصة في الأيام الأخيرة تحت زعم حسم الأمور لصالح نظامه، وظل السؤال يلح عليّ كلما قرأت أو شاهدت هذا القدر من البشاعة في القصف ودك الأحياء والمنازل على ساكنيها خاصة في حمص وحماة وريف دمشق وإدلب وغيرها من مدن ومناطق صامدة ومثابرة: لمن يقتل بشار شعبه؟ هل ينزع إلى تثبيت مرتكزات حكمه ونظامه؟ أم يريد أن يدخل التاريخ كرئيس لم يسقط تحت سنابك ثورة شعب؟ أظن أنه يريد إنجاز الأمرين معا بيد أن الحقيقة تشير إلى أن بشار يستجيب لحتمية التغيير والركض بسرعة نحو دائرة السقوط فدماء الشعب السوري ليست بهذا القدر الذي يتصوره هو وأركان حكمه -رجال الأمن والاستخبارات والحزب وطبقة رجال أعمال ومهربين -من السهولة بحيث يتم القفز عليها وتجاوزها ليتمكن من تكريس نظامه الذي فقد شرعيته عندما أطلق أول رصاصة ضد الثائرين عليه. كان بوسع بشار أن يفتح الباب لحوار حقيقي وجاد ودون مشروطية عوضا عن إطلاق الهراوات وفوهات البنادق وتحريك جنازير الدبابات والمدرعات في مهمات تتناقض مع مهمتها الرئيسية والمركزية والمتمثلة في الاستعداد لحرب العدو الذي ترابط قواته على مسافة بضعة كيلو مترات محتلة الأرض وجاثمة على أنفاس الوطن دون أن يحرك ساكنا منذ أكثر من أربعين عاما بل إن أحدا لا يتذكر أن هذا الجيش أطلق رصاصة واحدة على هذا العدو طوال هذه المدة بينما- وتلك هي المفارقة - لديه قدرة فائقة على محاربة الأشقاء في لبنان وأبناء الوطن في الشام. وكلما شاهدت هذه الطوابير الممتدة من دروع ودبابات ورجال الجيش وهي تجوب المدن والأحياء والمناطق المختلفة وتفتك بالبشر من رجال وأطفال ونساء نراهم على الشاشات جاثمين بأجسادهم على الأرض سواء قتلا أو إصابة يجتاحني الألم ويسكنني الوجع فهذا جيش كابد الشعب السوري من أجل بنائه وتسليحه وتحديثه دوما ولم يبخل عليه خاصة بعد سقوط الجولان في قبضة العدو ومع ذلك لم يدفع باتجاه تحرير الهضبة وأظن أن ذلك هو السر وراء الانشقاقات المتزايدة من ضباط وجنود فهم يكرهون أن يكونوا أداة طيعة في نظام لا يرغب في تحرير التراب الوطني المحتل ولكنه يمعن في قتل شعبه بوتيرة تنطوي على نوع استثنائي من الحق من النخبة الحاكمة على هذا الشعب الذي تجرأ وأعلن رفضه لاستمرار الاستبداد والقمع وغياب الحرية وانزواء العدالة الاجتماعية. وإذا استمر بشار في قتل شعبه على هذا النحو من الهمجية تحت زعم أنه يحارب الجماعات المسلحة والإرهابيين (وهي نفس العبارات التي استخدمها من قبله كل هؤلاء المستبدين الذين رحلوا إما بقوة السلاح أو بقوة هدير الجماهير أو بقوة السياسة) فهل يمتلك القدرة على الاستمرار في حكمه؟ وأتساءل مرة أخرى: أي ضمير يسكنه وهو يجلس على عرش الشام خلفا لوالده سامحه الله على تدشينه أسوأ تقليد يتمثل في توريث الابن لسلطة الأب في ظل نظام جمهوري؟ ألم يقرأ بشار وقائع التاريخ والمفروض أنه قارئ جيد أم المقربون منه يجنبونه الكتب التي تتناول هذا النوع من الأحوال؟ ومتى كانت الرغبة في البقاء في السلطة والركض خلف مميزاتها وامتلاك ناصيتها قادرة على تغييب الضمير الإنساني وممارسة الإبادة الجماعية ضد الشعب وأظن أن تقريرا داخل مجلس حقوق الإنسان الدولي يعد الآن وسيصدر وفق معلوماتي في شهر مارس الجاري ليكشف حقائق الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي مارسها بشار وزبانية نظامه والذي يبدو أنهم يتأسون بالإرهابي الصهيوني العائش في الغيبوية منذ سنوات خلال عدوانه على الضفة الغربية ردا على انتفاضة الشعب الفلسطيني على اقتحامه هو وجنده المسجد الأقصى ليس ثمة فوارق بين المنهجين قتل واقتحام ودك للمنازل والأحياء ومطاردة للسكان دون حرمة لعجوز أو طفل أو امرأة فضلا عن فرض الحصار على الأماكن ومنع كل ما ييسر الحياة ويداوي جرحا، ولا تتورع قوات الأسد عن قتل الناس خلال تشييع الجنازات أي قسوة وغياب لكل المحددات الدينية والقيمية التي تكرست عبر التاريخ الإنساني. هل يعيد بشار نفس أساليب بعض خلفاء الدولة الأموية والذين كانوا يحكمون المسلمين من دمشق ولم يتورعوا عن حصار الكعبة المشرفة وقصفها والاعتداء على حرمتها التي قررها الله في كتابه العزيز وقتل وسحل المعارضين سواء في المدينةالمنورة أو في العراق خاصة في كربلاء عندما هجمت القوات التابعة للخليفة يزيد بن معاوية على المجموعة المنضوية تحت قيادة حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما فأبادت أفرادها جميعا في موقعة كربلاء الشهيرة سوى طفل صغير هو زين العابدين حفيد الحسين ودون ذلك لما بقي من ذرية الرسول أحد وقامت بسبي نساء من آل البيت وفي مقدمتهن زينب بنت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم والاستيلاء على ممتلكاتهن. لقد قرأت كتابا مؤخرا عن هذه الفترة وهو ما يجعلني أقول إن بعضا من تاريخ بني أمية يعود من جديد وليته يعود عبر المحافظة على الثغور وفتح الأمصار الجديدة وتمديد الحضارة الإسلامية وذلك هو الشق المشرق في سيرة نخب بني أمية الحاكمة لكنه يعود من بوابة الدم والقتل وانتهاك الحرمات والفتك بالمعارضين بأشد أنماط القسوة والجبروت. لم يعد أمام بشار سوى الرحيل لأنه لن يكون بمقدوره أن يتواصل حاكما على شعب يقتله، فهو – أي هذا الشعب- قرر الثورة ضده والثبات في الميدان رغم الجوع وسطوة الشتاء وقسوة الضربات المتتالية في الصباحات والمساءات واستخدام كل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ضد الأطفال والنساء القابعين في الحجرات المعتمة بلا طعام أو دواء. هذا الشعب لن يغفر لبشار صناعة مدن الدم في أنحاء الوطن الجريح ومن ثم فإنه من الحري به أن يبادر بالمغادرة عبر قبوله بالمبادرة العربية الأخيرة التي تقترب من النموذج اليمني التي حققت تحولا مهما على الأرض يتمثل في غياب الرئيس الذي ظل جاثما على عرش سبأ منذ العام الذي تخرجت فيه من الجامعة – العام 1978 - ورغم التحفظات المتعلقة بمنح صالح الضمانات ضد الملاحقة الأمنية فإن هذا النموذج شكل البداية لتحقيق أهم مطالب ثورة شباب اليمن والمتمثلة في إسقاط النظام ولا أشك أن الرئيس الجديد الطالع من رحم النظام السابق سوف يقدم على تبني سياسات مغايرة بل ومناقضة لسياسات سلفه لإعادة بناء وطن ظل خاضعا لهيمنة آل صالح التي كانت قائمة على ثنائية السلطة والثروة وهي الثنائية ذاتها التي نهض عليها نظام مبارك ومن قبل بن علي ومن بعد معمر القذافي وما زالت قائمة في الشام. إن الشعوب لم تعد مهيأة للقبول بهذه الثنائية التي تخصم من حضورها وحظوظ حياتها وأشواقها الكبرى للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وبالتالي فإن بشار مطالب بالإسراع بالرحيل لأن قرار الشعب صدر ولا نقض له ولا يظنن أن فيتو تمارسه دولة أو أخرى لحمايته أو موقفا من هنا أو هناك أو حتى تقديم إسناد له بالسلاح والمال من هذا الطرف أو تلك الجماعة سيجديه نفعا. المجدي الحقيقي هو أن ينحني لثورة شعب لم يعد يهمه أن يقتل أو يصلب أو تدمر مقدراته فهو مدرك أن للانتصار أثمانا باهظة هو يدفعها بالفعل عبر أرواح شهدائه البررة الذين تجاوزت أعدادهم أكثر من ثمانية آلاف شخص أو عشرات الألوف من الجرحى والمئات من البيوت المهدمة وأشجار الكرز والزيتون المصلوبة بحدائق الشام. السطر الأخير: تمادت حروف الكتابة تصلبت بأصابعي قلت لها: شاعر أنا فكوني طيعة لإلهامي سكتت تمددت أمامي صرخت في وجهي: اكتب عن العشق عن طوابير الواقفين ببوابات الشام حالمين بالطهر والياسمين لبردى والسكينة والعدل لبلاد تحلم بالحرية وعزف الأنغام