تؤلمني هذه الحكاية التي لا تريد فصولها أن تتوقف ويقوم بروايتها يوميا بشار الأسد وأركان حكمه. ليس اعتمادا على لسانه. كما يفعل الرواة في ليلات العرب القمرية وإنما يستخدم يده الباطشة في قسوة شديدة الإفراط تنزل على الأجساد فتمزقها والأرواح تنتهك حرمتها فتثكل أمهات وتترمل زوجات ويفقد أبناء وبنات آباءهم الذين يبدون اعتراضا على البطش ويطلبون العودة إلى ضوء القمر ولكن يبدو أنه بات يخاصم الشام فلم يعد يرغب في معانقة لياليها وقرر مغادرة أفقها الذي كان يمتلك القدرة على احتواء الجميع. إنها حكاية قتل يومي ممنهج. لا يفتر بشار وزبانيته عن روايتها بالدم على رؤوس الأشهاد. مفتونا بنفسه وبجنده متناسيا أن ثمة من هو أقوى منه ولديه جنود لا يراها. قادر كما فعل في وقائع قريبة للغاية أن يشل حركته وينهي نظامه. ولعل الله سبحانه وتعالى يمنحه الفرصة تلو الفرصة. لكنه لا يريد أن يقتنصها. يعلن تحديه لكل هذه الفرص. من الذي يصور له الأمر بحسبانه إرهابا ضده ومؤامرة خارجية تسعى للنيل من سوريا دولة المقاومة والممانعة؟ في حين أنها لم تعد كذلك بل إن جيشها الذي كان يمثل الاحتياطي الاستراتيجي للأمة في المواجهة المرتقبة مع الكيان الصهيوني وقبل ذلك الوسيلة الوحيدة لتحرير الجولان المحتلة منذ يونيو 1967. بات موجها لصدور النساء والصبايا والشباب والرجال الثائرين المطالبين بالحرية معتمدين المنهجية السلمية بعيدا عن العنف. هل أصبح مغيبا بعيدا عن القرار الذي لا يمتلكه إلا المجموعة الأمنية المحيطة به؟ أنه ينفي إصداره أوامر بالقتل بينما وليد المعلم يقول إن حكومته من حقها أن تواجه الإرهابيين وفق وصفه للثوار وذلك يعني اعترافا صريحا بممارسة القتل وهو قتل للأسف بات قريبا من أساليب العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. بينما رصاصات الجيش السوري لم توجه أبدا إلى هذا العدو في الجولان منذ أكثر من 45 عاما فلماذا تكون الجيوش العربية قادرة وقوية وصلبة المراس مع شعوبها بينما يخفت صوتها مع العدو الحقيقي هي مأساة أو ملهاة بكل تأكيد. بشار يقتل شعبه ولا أعلم كيف ينام مسكونا ضميره بالارتياح؟ إن شرعية الحاكم لا يمكن أن تتكئ على البندقية أو الدبابة أو المدرعة أو حاملة الجنود وإنما تستند على مقوم واحد فقط هو الرضا أو القبول العام به ويبدو أنه لا يوجد أحد من المحيطين ببشار يطلعه على حقائق ما يجري وأن مئات الألوف في محافظات سوريا تطالبه بالرحيل بعد أن سئمت حكمه القائم على القهر والاستبداد والدم وإن كنت استبعد ذلك فبشار من الجيل الجديد ويجيد التعامل مع وسائل التقنية الحديثة من إنترنت وغيرها وهو ما يهيئ له الاطلاع على ما تبثه لوقائع الدم المسفوك يوميا في سوريا. ألا تتحرك فيه مشاعر إنسانية قد تجتاحه بحكم دراسته للطب والذي من المفترض أن يضفي على المرء قدرا من الرحمة ولا نطالب أن يكون ملاكا للرحمة حسب ما كان يوصف به الطبيب قديما؟ لا أظن فمن يتابع حالات القتل والاغتيال والاختطاف والاعتقال والزج في السجون السرية بالآلاف يتيقن أنه بات مجردا من أي مشاعر ولعل المرء عندما يقرأ وجهه وهو يلقي خطابا أو يخرج للقاء من تعدهم له الأجهزة الأمنية القوية القبضة في العاصمة دمشق يدرك جيدا هذه المسافة الشديدة الاتساع بينه وبين الرحمة والمشاعر والعطف والدفء الإنساني سقطت كلها مع أول رصاصة وجهها جندي أو شبيحة ضد مواطن صرخ مطالبا بالحرية بعد عقود من الصمت والصبر والمثابرة والسكوت المفروض قسرا. ثمة حرص عربي واضح على التعامل مع الأزمة التي صنعها بشار وأركان حكمه من منطلق قومي يحول دون العامل الدولي الذي يقود بالضرورة إلى التدخل العسكري وقدم النظام الإقليمي العربي الذي تجسده الجامعة العربية أكثر من مبادرة وتصور وخطة عمل كان آخرها قبل أيام فيما يعرف بالمبادرة السياسية التي تسعى إلى تطبيق النموذج اليمني الذي يقود إلى تغيير أمن وسلمي في السلطة ووفق الآليات الديمقراطية المتعارف عليها لكن نظام سارع إلى الرفض وطلب وزير خارجيته وليد المعلم العرب بأن يذهبوا إلى نيويورك أو القمر ويبدو أنهم فضلوا الذهاب إلى نيويورك وتركوا القمر الذي يبدو أنه غادرنا إلى كون آخر وبشر مختلفين. وأظن أن هذه المبادرة السياسية هي آخر ما تحمله جعبة النظام الإقليمي العربية بعد أن استنفذ كل المبادرات التي قبلها نظام بشار ثم التف حولها وسعى إلى تجييرها لصالح بقائه مثلما فعل مع بعثة المراقبين العرب الذين انتشروا في أكثر من عشرين مدينة سوريا لكن فيضان القتل لم يتوقف وهو ما دعا دول الخليج الست إلى سحب مراقبيها حتى لا تكون شهود زور على قتل النظام لشعبه حسب التعبير الذي استخدمه سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مداخلته الصريحة أمام وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة. ما الذي يدفع بشار إلى رفض كل ما هو عربي لإنقاذ وطن وشعب يتعرض لما يمكن وصفه بالإبادة؟ أول هذه العوامل تكمن في سوء تقدير موقف لأركان نظامه استنادا على ما يمتلكه من مقومات قوة منية وعسكرية وهي لن تبقى للأبد وقابلة للزوال أو التلاشي في أي لحظة وثانيها الموقف الروسي المتحيز له لأسباب تتعلق بحالة الاستقطاب الدولي ولكنه سرعان ما يمكن أن يتخلى عنه لو حصل على الثمن وثالثها ربما يكمن فيما يعتقد أنه تناقضات في المواقف العربية تجاه أزمة بلاده وبعضها يرتبط بعوامل مذهبية وطائفية ورابعها تحليلات يقدمها البعض ربما من قبيل أن الدول الغربية الكبرى التي تمتلك القدرة على الخيار العسكري غير راغبة في اللجوء إليه تحت زعم أن سوريا لا تمتلك فاتورة التدخل فهي دولة ليست نفطية مثل ليبيا أو رغبة في حماية الكيان الصهيوني من تداعيات أي تدخل عسكري قد تتجسد في تعريض أمنها لمخاطر إقليمية. وذلك قد يكون صحيحا إلى حد كبير ولكن ترديد مثل هذه الطروحات بكثافة في الآونة الأخيرة قد يكون من مقام التوريط مثلما حدث مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مما دفعه إلى غزو الكويت في الأول من أغسطس من العام 1990 فدفع النظام الإقليمي العربي: حكومات وشعوبا. فاتورة باهظة الثمن من جراء هذه القابلية للتورط فيما لا تحمد عقباه. إن بشار لا يتوقف عند حد ويزداد ولعه بلعبة القتل ضد شعبه ويرفض النصيحة معتقدا أنه مختلف ومغاير عن غيره من زعماء سقطوا من قبل يبدو لي أنه يصدق هذا الوهم العبث الزيف. إنها يا سيدي حتمية تاريخية بديهية تحققت ملايين المرات وكان آخرها قبل أشهر في تونس ومصر وليبيا مؤداها: أن من يقتل شعبه يتحول إلى عمل غير صالح بوضوح أشد عمل فاسد. لا تجدي معه محاولات تصحيح المسار أو تقديم النصح أو طرح المبادرات السياسية ومن ثم فإن الشعب السوري وحده المهيأ لتغيير المعادلة عبر ثورته السلمية غير أن ذلك مرهون بتوحيده قواه الحية بعيدا عن الاستقطاب الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. صحيح قد يطول الأمد لكن الحتمية التاريخية تؤكد أيضا أن الشعوب هي من تحقق الربح وغيرها من الحكام القتلة من يقذف بهم التاريخ إلى أحط مواضعه فهل يستوعب بشار والذي يزعم أنه قارئ جيد للتاريخ وكثيرا ما كان يقدم مواعظه لحكام عرب أقدم منه سنا وأكثر خبرة هذه الحقائق لعل وعسى حتى لا تسقط سوريا الوطن الجميل والشعب الصابر في براثن تدخل عسكري لن يكون بمقدور روسيا أو غيرها أن تحمي نظامه من التحلل. السطر الأخير: أجيبي دعوة الروح دثريني بأثوابك الحبلى بالعشق دعيني أتمدد بحقولك أتصبب عرقا في جداولك أستميحك عذرا أيا فاتنتي لم أكتب القصيد إلا لعينيك امنحيني البشارة هيئيني للدوران بمناراتك صبي زيتك الفضي على بقاياي المنهارة فأستعيد سيرتي الأولى يسكنني بهاؤك والنضارة