ما يحدث في سوريا الآن يضعنا أمام اختبار حقيقي لقدرتنا على النقد الموضوعي ،وقرائة الأمور وفق ما تقتضيه المصلحه القوميه بعيدا عن اي حسابات فؤوية قد تضعنا في خانة المأزق الاخلاقي اللذي يعمينا عن التحليل المنسجم مع مصلحة الشعب السوري وحقه في استرداد دوره كنعصر اساسي في معادلة الصراع العربي الصهيوني . فليس من مصلحة تحالف المقاومة العربي بشكل عام والنظام السوري بشكل خاص الاستمرار بالتذرع بالموقف السوري الممانع للمشروع الصهيو امريكي في الوطن العربي لقمع الشعب المنتفض في سوريا وإرتكاب الجرائم البشعه بحقه باستخدام القوة المنفلته من عقالها واطلاق يد البوليس والامن لتركيعه واذلاله . فكيف يمكن تبرير هذا القمع الوحشي بموقف النظام الممانع اذا كان أهم استحقاقت هذا الموقف هو التحلي بالبعد الأنساني في التعامل مع الشعب بما يطرح الصوره المغايره لدموية العدو ولا إنسانيته ؟ إن التماهي مع العدو في تعامله مع الشعوب يفقدنا القدرة على إقناع العالم بصدق شعاراتنا الوطنية والقومية ويفقدنا إلتفاف هذه الشعوب خلف شعارات الممانعة بما يترتب عليها من أثمان باهظه تدفعها الشعوب من أنماط حياتها وارزاقها في سياق اشتباكها مع المشروع المعادي وإن كان هذا الاشتباك لا يتعدى الموقف السياسي الرافض للتطبيع وتمرير المؤامرة فهذا الاشتباك السياسي وحده كافي بأن تدفع الدولة ممثلة بشعبها الثمن الكبير. وذلك بسبب النبذ والحصار الدولي الضاغط باتجاه التسليم بما يطرح عليها ، فكيف يعقل ان تعاقب هذه الشعوب ايضا على أيدي اجهزة دولتها بحجة حماية الموقف الممانع ؟؟؟ أوليس في هذا من الظلم واللامنطقية والتناقض ما يكفي للوقف أمام هذه الحاله وتحليلها والتعبير عنها بصدق ينصف هذه الشعوب من ظلم مركب لا مبرر له ؟؟ لم يكن مجابهة ألمشروع الصهيوني في يوم من الآيام موقفا رسميا للنظام العربي بقدر ما هو حالة شعبية واسعه تتبناها الجماهير بالآساس ثم يعبر عنها من خلال الموقف الرسمي ، هذا هو التوافق السليم لمعادلة المقاومة الشاملة لأي مخطط قد يستهدف هوية وإرادة بلد ما . إن الجماهير المعبئه والمنظمة التي تتمتع بحقوقها ألطبيعية في الحرية والعدالة والمساوة وعمق انتمائها للوطن هي اهم عناصر نجاح المجابهة مع العدو ، بل هي وحدها القادرة على حمل أعباء هذه المواجهة والسير بها نحو النصرمهما عظمت التضحيات كونها تخدم قضيتها الوطنية باحساس عالي بالمسؤولية والانتماء . لقد أثبتت التجربه القريبه أن إعتماد ألدولة على على مؤسساتها الرسمية في مواجهة العدو لن يؤدي في النهاية الا الى احدى نتيجيتن : الهزيمة بكل معانيها أو تآكل الموقف الممانع تدريجيا حتى يصبح مجرد شعار فارغ المضمون لا يتحلى بأي فاعلية بسبب تآكل مؤسسة الدولة وتلاشي ألحرس ألتقليدي لهذا الشعر لصالح بروز قوى أكثر مرونة في التعاطي مع القضايا التاريخية للدولة . ولعل المثال الأكبر على هذا القول هو هزيمة نظام عبد الناصر أمام العدوان ألصهيوني سنة 67 فقد ثبت فشل الحروب التقليدية في إحراز ألنصر أمام عدو يمتاز بالتفوق العسكري والتكنولوجي. حيث إعتمد عبا الناصر كليا على جيشه ومخابراته حتى في حرب ألإستنزاف مع ألعدو والتي تلت الهزيمة ، وأهمل بالمقابل طاقات الجماهير التي خرجت للشوارع بعد الهزيمة مطالبة بتمكينها من أداء دورها ألطبيعي بخوض حرب شعبية طويلة الأمد تسترد من خلالها كرامتها وأرضها. فالحرب الشعبيه ألتي تخوضها ألجماهير المنظمة هي البديل ألطبيعي عن ألمؤسسة العربية ألفاسدة بالكامل بل اللتي أفسدت عمدا خشية إستمرارها في مسلسل ألإنقلابات العسكرية ألتي أوصلت ألعديد من رموز ألأنظمة إلى سدة الحكم فأفسدوها لقطع ألطريق على غيرهم . فكيف يمكن لهذة ألمؤسسة أن تكون قادرة على مواجهة ألعدو بعد ان تكرش قادتها وأفرغت مؤسساتها من عقيدة ألمواجهة وصدأت أسلحتها في المخازن ، هذا لو فرضنا جدلا أن المواجهة ألعسكرية مع العدو هو خيار مطروح أصلا على اجندة هذه الأنظمة . ناهيك عن ألسياسة ألإمبريالية في إضعاف ومنع تسليح هذة المؤسسة والحفاظ على تفوق العدو العسكري في المقابل. إستنادا إلى هذه المعطيات نسأل: هل الممانعة هي مشروع قومي حقيقي أم لا يتعدى كونه مصلحة نظام في البقاء في سدة الحكم ؟؟ وهل جبهة المقاومة هي فعالة بما يكفي لتحقيق شعارتها ألوطنية وألقومية أم هي مجرد تحالفات إقليمية تعبر عن التزاوج العقيم بين النظام ألعربي وبين شعاراته التقليديه بحيث أصبحت هذه الشعارات من ألقدسية بما يكفي لإضفاء هالة ألقدسية هذه على النظام اللذي يوظفها للتغطية على عجزه وفساده وتبرير قمعه لحريات شعبه ؟؟ ثم ، هل كانت مشاركة النظام السوري في التحالف الامبريالي الدولي لضرب العراق إبان غزوه للكويت من مقتضيات ألمشروع القومي الممانع ؟ وهل علينا كشعوب أن نقتنع ونرضى بكون سوريا ملكا إرثيا لعائلة ألاسد؟ وكأن المواقف ألوطنية والقومية في مواجهة أ لمشروع ألمعادي هو من ألسمات الجينية لهذة العائلة دون غيرها؟ وهل الديمقراطية الحقه المحيمة بدستور يضمن قدرتها على الفعل العميق والبناء تتعارض مع شروط مواجهة العدو؟ أم هي شرط أساسي لتجنيد الجماهير بفاعلية مجدية في هذه المواجهة؟ إن القمع ألوحشي الذي يتعرض له الشعب السوري الأن ليس نتيجة للإحتجاجات ألتي عمت سوريا وليس بهدف القضاء على رؤوس المؤامرة التي تستهدف النظام ،بل هو تتويج لسياسة رسمية قديمة في السيطرة الامنية المطلقة على الشعب وإخضاعه بالقوة البوليسيه ومنعه من ممارسة حقوقه في التعبير عن اماله وتطلعاته المشروعه بوطن ديمقراطي يضمن له العيش الكريم العادل . وهي إستمرار في سياسة تفكيك أو ترويض مؤسسات الشعب بحيث لا تتجاوز هوى ورغبة النظام . اذا، قمع الإنسان في سوريا هي حالة قديمة العهد ، مما أفقد هذا الانسان ( المواطن ) إحساسة بالإنتماء الحقيقي لوطنه، وعزز في داخله مشاعر الخوف والعزلة ،والإغتراب عن قضاياه الوطنية والقومية ، وغرق حتى أذنيه في همومه اليوميه ،مما أوصله إلى حالة من اللامبالاة ألتي باتت تبرر شعبيا بمنافقة ألنظام وتملقه خوفا من ألإعتقال وملاحقة أجهزة ألدولة ، مما شوه المعنى الحقيقي للإنتماء وأفقده المفهوم الطبيعي للمواطنة . وهذه الحالة من الإرهاب والتغييب ألتي يعانيها الإنسان السوري هي المسؤولة تحديدا عن تغذية ألحركات ألسلفيه ألمتهمة بحمل ألسلاح والتآمر ضد النظام . فإنتزاع ألفرد من محيطه الجماعي عبر قمع إرادته وتحويله الى مجرد طبل اجوف يردد صدى أصوات النظام يدفعه بالمقابل نحو الإرتداد إلى ذاته ومعاداة محيطه الإجتماعي ومن ثم التفتيش على بدائل مذهبية وطائفية او جهوية لينتمي اليها تعويضا عن الشعور بالخوف والعزلة . إن المواطنة ألطبيعية لا تتحقق إلا من خلال إطلاق الحريات الفرديه والعامه وصون حق التعبير والتنظيم والمشاركة الفعالة في البناء والتنمية ، وحتما لا تتحقق من خلال ألشعارات فارغة المضمون التي لا ينفك النظام عن ترديدها بهذا الصدد . فهذه الشعارات لم تقنع ألمواطن ألعراقي المرعوب من قمع نظام صدام حسين في ألدفاع عن بغداد ألتي سقطت في يد ألعدو خلال ساعات قليلة . ولم تكفي أيضا في إقناع المواطن ألسوفيتي بإستمرار تمسكه بمنجزاته الإشتراكية حين بدأ يشعر بأنه مغيب وأنه ليس أكثر من ضرس في ماكنة الإنتاج ألتي أصبحت تصب في حسابات الطبقه الطفولية ألتي نمت داخل الحزب الشيوعي وتضخمت بتضخم ثرواتها وأنحرفت عن مسارها الاشتراكي بانحراف بوصلة مصالحها ألخاصة . وكذلك ايضا لنا مثلا مشابه وغني في تمرد ألشعب الصيني في بكين .وبالتالي نحن متأكدون بأن هذه الشعارات ألفارغة ألتي تحاول إستبدال حرية المواطن بدكتاتورية مبررة بمقولات الممانعة غير كافية إطلاقا لتجنيد الإنسان ألعربي في جبهة ألمقاومة مع ألعدو الصهيوني . وإن عدم ألتنبه إلى هذه الحالة من إغتراب المواطن عن قضاياه الوطنية والقومية ستكون عواقبها وخيمة بلا شك .فالحديث اذا عن مؤامرة خارجية تستهدف النظام السوري بغية تركيعه واستبداله بأخر أكثر ليونه في التعاطي مع الطروحات ألمعادية هو حديث يتسم بالسطيحة ويفتقد للعمق وألموضوعية، إذ نسمع الكثير عن ألمتآمرين مع ألأجنبي ضد سوريا ألذين يحملون ألسلاح فتقصفهم ألدبابات وتقتل منهم ومن غيرهم بدون تمييز ، ولكننا لم نسمع قط عن حجم ألمؤامرة ضد سوريا من داخل ألنظام نفسه. فالأنظمة التي تمتاز بمواقف ممانعة للمشورع المعادي ليست عصية على الإختراق بل هي مستهدفة أكثر من غيرها بغية تقويض مواقفها بإفسادها وتقويض فاعليتها من ألداخل . وإذا كانت ملامح هذه المؤامرة الآتيه من دهاليز ألنظام السوري نفسه بادية للعيان فيما مضى من خلال تجليها في إفساد ألحياة العامة وتكريس تخلف ألمجتمع ألسوري وتبعيته بتدمير إقتصاده وحجزه داخل خوفه من الدولة ، وإجتثاث جذور أي تجربة ديمقراطية حقيقه قد تنمو هنا وهناك ، فهي أليوم اوضح بما لايقاس ، لأن استخدام هذا الشكل المبالغ فيه للقوة وسفك الدم هو في حقيقته بمثابة استدعاء للتدخل الأجنبي ، فلا شيئ قد قد يجذب هذا الأجنبي المستعمر أكثر من رائحة ألدم المراق حيث توازي رائحة ألنفط في بلدان اخرى مثل ليبيا. إذا يجب النظر على ان نقاط ضعف الجبهة السورية آلتي يمكن إختراقها من قبل العدو ، ليست فقط آولئك الملتحون اللذين يحملون السلاح لتنفيذ اجندة التدخل لأنهم في المحصلة النهائية من صنع ادوات النظام القمعية ، وإذا كانو هم نقطة يمكن اختراقها فالفاسدين في النظام ايضا كذلك ، حيث يستكملون المخطط بإراقة الدماء وتبرير ألتدخل ، واما تغييب الجماهير وإبعادها عن القيام بدورها في الدفاع عن أوطانها والإستئثار الرسمي غير الفاعل بهذا الدور فهو بحد ذاته اختراق متقدم لجبهة ألمواجهة . المطلوب من النظام السوري الأن ليس القيام بإصلاحات تجميليه لا يتعدى كونها مناورات للحفاظ على ذاته من ألزوال ، بل ان عدم األقيام بشيئ هو أفضل بكثير من ألتضليل وألخداع في وقت تتجه في سوريا بشعبها ونظامها ومواقفها نحو ألهاوية . بل ألمطلوب هو تحول ثوري للنظام ألسوري من ألإعتماد على البوليس والأمن والبيروقراطية في ألتعاطي مع مطالب ألشعب إلى ألديمقراطية ألحقيقية والفاعلة ألتي تتيح للمواطن ألسوري تحرير طاقاته وإمكانياته وقدراته ألخلاقة ، والمشاركة بشكل جدي وفاعل في البناء الإجتماعي والسياسي وتعزيز الديمقراطية كسمة يومية للمارسة الجماعية المنظمة بدون قيود . هكذا فقط وعبر العودة الى ألجماهير يمكن تعزيز أدوات المواجهة للمشروع ألصهيوإمبريالي وهذا يتطلب إنقلابا جذريا من داخل النظام نفسه على ألفاسدين والمنتفعين الذين ارتووا من عرق ألشعب حتى الثمالة . لقد وفرت الثورات العربية في اكثر من بلد فرصة تاريخية للنظام السوري بان يبدأ تحوله الثوري هذا إذا كان الهدف ألحقيقي هو ألحفاظ على وحدة سوريا وحمايتها من الحرب الاهلية والتفكك وتسهيل التدخل الاجنبي . وفي المقابل على الشعب السوري بكافة اطيافه والوانه السياسيه ومثقفيه ومبدعيه القيام بدور اكثر فاعلية من أجل الضغط بإتجاه هذا التحول وتفادي التخندق في جبهات شعبية متضاده مع النظام او ضده .لما قد يشكله هذا التخندق من مخاطر إندلاع حرب أهلية . فلا يجوز ترك ألساحة لفئة دون غيرها ، ومن الضروري قطع الطريق على المؤامرة ، ليس بالقتل الجماعي ولا بحماية ألنظام ، بل بتوحيد الشعب السوري تحت شعارات واضحة المضمون والتوجه ، وعلى هذه الشعارات أن تجمع بكل بوضوح كل عناصر ألمشروع القومي : وهي التحول الديمقراطي وتحرير طاقات الشعب ،دعم المقاومه والحفاظ على إئتلافها وتعزيزه ، ألرفض ألقاطع للتطبيع مع ألعدو او التعاطي مع مشروع ألتسوية ألتركيعي ، ورفض ألتدخل الأجنبي وإستبداله بالدعم الشعبي العربي والتعهد بمقاومة هذا التدخل بكافة السبل . هكذا فقط يتحرر الشعب السوري وتتعزز جبهة المقاومة في ذات الوقت. وهكذا فقط يتم حماية الثورة وقطع ألطريق على المتآمرين على وحدة سوريا والمستهدفين لجبهة ألمقاومة سواء من خارج الساحة ألشعبية أو من داخل ألنظام نفسه .