القنوات الناقلة لمباراة إنتر ميلان ضد فلومينينسي في ثمن نهائي كأس العالم للأندية    سعر الذهب في مصر اليوم لإثنين 30 يونيو 2025 مع بداية التعاملات    نشرة منتصف الليل| كامل الوزير: مستعد للمحاسبة.. وموسى:حملات تشويه تستهدف المسؤولين    اليوم.. "النواب" يناقش تعديل قانون الإيجار القديم في الجلسة العامة    مدير الCIA يُطلع الكونجرس على معلومات سرية بشأن الضربة على إيران    مقتل شخصين وإصابة آخرين في إطلاق نار على رجال إطفاء بولاية أمريكية    "لا سلام دون الجولان".. تفاصيل جديدة بشأن المحادثات بين سوريا وإسرائيل    مجدي الجلاد: أداء الحكومة بعد حادث المنوفية يعكس غياب الوعي السياسي    اعتماد نتيجة الإعدادية بقنا بنسبة نجاح 68% وإعلانها بالمدارس الثلاثاء    5 حالات اختناق في حريق شقة بمصر الجديدة    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم مروع بالإسماعيلية    بالفيديو.. آسر ياسين يكشف تفاصيل جديدة عن فيلم "الشايب"    الصور الأولى من عقد قران حفيد الزعيم عادل إمام    تأجيل عرض مسرحية "الملك لير" للنجم يحيى الفخراني إلى 8 يوليو المقبل    بنسبة 12% سنويًا.. تفاصيل الزيادة الجديدة في أسعار السجائر وموعد التطبيق    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. الشروط والتنسيق وأماكنها    طقس اليوم الإثنين يخالف التوقعات.. اعرف التفاصيل    «مصدر إلهامي».. إنزاجي يفاجئ جوارديولا قبل مواجهة الهلال ومان سيتي    حالة الطقس تهدد مباراة الهلال ومانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    رسميًا.. تنسيق المدارس الفنية في الجيزة 2025 يبدأ من 140 درجة لجميع التخصصات    6 أعراض تسبق الجلطة الدماغية.. تعرف عليها    من الشواطئ للحدائق.. فرنسا تتوسع في منع التدخين وتثير جدلاً واسعاً    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع تحت الإنشاء بالتجمع الأول    رسوب 10 حكام و8 مساعدين فى الاختبار البدنى لمعسكر تأهيل حكام الVAR    محافظ كفر الشيخ يفتتح ميدان وحديقة المحطة بعد تطويرهما    برلماني: قانون تقنين أراضي وضع اليد سيعود على الدولة ب المليارات (فيديو)    «الرقابة النووية» تطلق العدد السابع من مجلتها التوعوية بعنوان «الأمن المستدام»    بالقاهرة والمحافظات| مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 30 يونيو 2025    المخابرات البيلاروسية تحبط هجوما بمسيرات على منشآت استراتيجية    اتحاد الكرة: ننتظر موقف الشركة الراعية من مكان السوبر ولا نمانع إقامته في مصر    ما فضل صيام يوم عاشوراء؟.. أجرٌ عظيم وتكفيرٌ للسنة الماضية    آسر ياسين ل إسعاد يونس: «استحالة كنت أفكر أبقى ممثل» (فيديو)    اعتداء على كنيسة البشارة الأرثوذكسية في الناصرة بفلسطين.. التفاصيل    وزير الشباب والرياضة يهنئ أبطال مصر بعد تصدرهم جدول بطولة إفريقيا للسلاح بنيجيريا ب21 ميدالية    محمد علي رزق يكشف أسرار دوره المختلف في فيلم "في عز الضهر"    قد ينتهي بفقدان السمع.. العلامات المبكرة لالتهاب الأذن الوسطى    وزيري: لدينا 124 هرما.. وهذه أهداف مشروع «تكسية منكاورع» | فيديو    اللحظات الأخيرة لفتيات العنب قبل حادث الإقليمي المروع بالمنوفية (فيديو)    مصرع سائق ونجله فى حادث سير ب"صحراوى البحيرة"    القبض على السائق المتسبب في مصرع شخص سقط عليه ونش أثناء تواجده داخل سيارته على الأوتوستراد    أسعار الفراخ البيضاء والبيض بعد آخر تراجع اليوم الاثنين 30 يونيو 2025    عاجل- إعلام عبري: سلاح الجو يشن غارات كثيفة وواسعة في قطاع غزة    إعلام عبري: نتنياهو لن ينهي الحرب في غزة بسهولة    عضو مجلس إدارة الزمالك يُجبر شيكابالا على الاعتزال.. عبدالعال يفجر مفاجأة    قناة الأهلي تكشف حقيقة العروض الأوروبية لزيزو    إيران تدين تصريحات ترامب ضد خامنئي    4 أبراج «سابقة عصرها»: مبتكرون يفكرون خارج الصندوق وشغوفون بالمغامرة والاكتشاف    «محضرتش جنازة أمي».. فاروق فلوكس يكشف كواليس تأثير الفن على حياته الشخصية    البحرين تدين الهجوم الإرهابي على قافلة عسكرية شمال غربي باكستان    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف أصلي الصلوات الفائتة في نهاية اليوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم الاغتسال بمياه الصرف الصحي بعد معالجتها؟ أمينة الفتوى تجيب    مرصد الأزهر يحذر الطلاب من الاستسلام للأفكار السلبية خلال الامتحانات: حياتكم غالية    في ذكرى إصدارها الأول.. "البوابة " 11 عامًا من المواجهة وكشف الحقيقة    محافظ الغربية: لا تهاون في فرض الانضباط أو الحفاظ على حق الدولة    مستشفى قنا العام ينظم يومًا تثقيفيًا لمرضى الغسيل الكلوي ويطلق أول دليل استرشادي (صور)    لمرضى متلازمة تكيس المبايض.. نصائح هامة لإنقاص الوزن    ما هو حق الطريق؟.. أسامة الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلب مكاوى سعيد يتوقف عن حب «چيهان»
بعد 61 عاماً من الركض فى طرقات وسط البلد ومقاهيها
نشر في الوفد يوم 06 - 12 - 2017


كتبت - نعمة عز الدين:
ظل فترة طويلة مبتعداً عن الوسط الثقافى.. وكان يقطع عزلته الإجبارية بقصة قصيرة
يجلس أمام الباب الرئيسى لمقهى البستان يوزع ابتساماته على المئات يومياً
فى حزن مهيب وصمت تغلفه آلاف الكلمات نعت منطقة وسط البلد بشوارعها، الانتكخانة ومحمود بسيونى وهدى شعراوى 26 يوليو.. ومقاهيها: سفنكس، ايزافيتش، وسوق الحميدية.. ودور العرض السينمائى ميامى ومترو وديانا وبيجال وعماراتها يعقوبيان والإيموبيليا وأبورجيلة وممرات الكونتينتال وبهلر وكاليسكر، وبابيك وفيلبس، بما فى ذلك الأمكنة التى اختفت وأصبحت أثراً بعد عين، أحد مقتنياتها العزيزة، التى لا تقدر بثمن فى دنيا العشق للأمكنة والبشر، عرابها المخلص ودرويشها الكبير الكاتب والمبدع مكاوى سعيد.. بل رفعت الصحف وفقدت أكواب الشاى وفناجين القهوة سخونتها، وصمت الجميع عن الكلام ولم يبالوا فى تلك اللحظة بمراقبة العابرين أمام كافة مقاهيها: ريش، وجروبى، والنادى اليونانى، وأسترا، وعلى بابا، وقهوة الحرية، وستلا، وإستوريل.. بل أعلنت تلك المقاهى الحداد وأنها سوف تروى عنه كتابه الجديد «القاهرة وما فيها: حكايات وأشخاص وأزمنة وتواريخ»، الذى لم يمهله العمر لمراجعته.
هكذا تخيلت منطقة وسط البلد وقد تحولت إلى سرادق كبير متشح بالسواد، فور الإعلان عن خبر وفاة الروائى الاستثنائى مكاوى سعيد الذى توقف قلبه عن عشق «جيهان» أى «العالم» باللغة الفارسية.
قبل الرحيل بساعات يجلس مكاوى سعيد كعادته بجوار الباب الرئيسى للمقهى أو فى مقابلته المكتوب عليه بحروف من رخام «زهرة البستان.. ملتقى الأدباء والفنانين»، بصحبة الكاتب الليبى زايد على والكاتب الكبير سعيد الكفراوى الذى يروى عنه لحظاته الأخيرة فى ممارسة فعل الحياة مع الآخرين: إذ فجأة دون سابق إنذار يقف بفزع «خلاص أنا زهقت أنا مروح».
هل حقاً ضاق مكاوى سعيد بجيهان أى العالم بعد أن ظل مخلصاً عبر سنواته الواحد والستين لاقتناص البهجة ولحظات الفرح المجانية التى تمنحها منطقة وسط البلد بامتياز للقاطنين فيها على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ووضعهم المادى.
لماذا ضاق مكاوى سعيد بدورانه الأثير فى طقس يومى لمنطقة وسط البلد وترك طواعية ميدان التحرير الذى كتب عنه كراسة التحرير تسجل وتوثق لحظات ثورة 25 يناير الهادرة بعيون مهمشيها ومثقفيها فى ثمانية عشر يوماً حميمة وحزينة ودافئة من عمر الوطن.
لم يكن منظر مكاوى سعيد جالساً، خصوصاً يوم الجمعة، شيئاً يسترعى الانتباه.. وقد تجد برفقته الكاتب الكبير عزت القمحاوى أو الكاتب الكبير وحيد الطويلة، فهو ملك وسط البلد، والحاكم الفعلى لمقهى زهرة البستان، يجلس أمام بابه الرئيسى أو بجواره يوزع الابتسامات وكلمات التشجيع بيمينه لمئات الشباب الذين يحجون إليه يومياً، لكى يقرأ أعمالهم أو يناقش قناعاتهم فى قضايا الحرية والإبداع والمعقول واللامعقول فى يومياتهم البائسة أو يفتح لهم الطريق لدار نشر أو مجلة ثقافية تقدم أعمالهم بتزكية مخلصة منه، وبيساره يكتب
الرواية والقصص القصيرة والسيناريو بعد أن توقف عن كتابة الشعر فى السبعينيات وتغريبته عن منطقة وسط البلد بعد موت مفاجئ ومباغت للكاتب الشاب وقتها يحيى الطاهر عبد الله الذى تعرف عليه فى مقهى «على بابا» فشجعه ووقف بجانبه، لتزيد الهوة بينه وبين الوسط الأدبى، فظل فترة كبيرة مبتعداً يقطع عزلته الإجبارية أحياناً بقصة قصيرة، هنا وهناك. لتأتى كما يروى عن نفسه فى إحدى سهراته الليلية فى مقهى زهرة البستان وحوله مريدوه وجمهوره من شباب المبدعين وشيوخ المثقفين: كانت أحداث 18 يناير وانتفاضة الطلبة فى أواخر السبعينيات تؤرقنى وأود الكتابة عنها، إلى أن كتبت أحداثها فعلاً فى رواية «فئران السفينة» عام 1985 وبقيت الرواية حبيسة أدراج الهيئة المصرية العامة للكتاب لمدة تزيد على الخمس سنوات.
ترك الكاتب الكبير مكاوى سعيد صخب وسط البلد ومروحتها البشرية التى طالما أحب التأمل فى تفاصيلها والكتابة عنها، ليستقر جثمانه فى أحد المقابر القاهرية القديمة وهى مقابر باب الوزير أسفل سُور قلعة صلاح الدين، لتحتضنه المدينة صامتاً بعد أن ملأ مقاهيها بحكايات لا تنتهى عن نفسه وعن أشخاص سكنوها وأماكن عاش فيها مشاهير ومتسكعين، بعض هذه الشخصيات كان موهوباً ولكنه فضل الصمت واكتفى بالتسكع والفرجة على البشر بديلاً عن الكتابة عنهم، وبعضهم حارب طواحين الهواء مثل الروائى الإسبانى الأشهر ثربانتس «دون كيشوت» فتحطم سيفه بيده أو بيد غيره فانطوى على نفسه أو أصابه الجنون أو مات أو ابتعد، وبعضهم آثر السكينة وظل يغرف من حكمة الحياة الصافية. أما هو فيقدم نفسه وسط تلك الشخصيات فى كتابه الشهير الصادر عام 2010 بعنوان مثير «مقتنيات وسط البلد»: أنا أحد تلك المقتنيات فلم يكن يعرفنى أحد، أو سمع بما أكتب، ففى بداية الثمانينيات كانت لنا ندوات دائمة بمقاهٍ شهيرة بوسط البلد كعلى بابا واسترا وسوق الحميدية نلتقى فيها بالأدباء الكبار والقصاصين الجدد الذين يتلمسون الطريق، وعرضت قصصى الأولى فى هذه الندوات وأثنى عليها الكثيرون، كما فاز بعضها بجوائز فى نادى القصة. وفى تلك الفترة نشرت قصصاً بمجلات وصحف مصرية وأصدرنا نشرات بالاستنسل تضم قصصاً لمجموعة كتاب شباب مثل يوسف أبورية، سحر توفيق، عبده المصرى، كما احتفلت مجلة «مصرية» التى كان يصدرها آنذاك عبدالعزيز جمال الدين والدكتور صلاح الراوى بقصصنا وأشعارنا. ثم أصدرت أول مجموعة لى وكان اسمها «الركض وراء الضوء» بمساهمات الأصدقاء، ولاقت قبولاً رائعاً فى الوسط الأدبى.
يرحل الكاتب الكبير مكاوى سعيد عن معشوقته منطقة وسط البلد فزعاً تاركاً مقعده فى مقهى البستان قبل ساعات من رحيله أمام الكاتب الكبير سعيد الكفراوى قائلاً: «خلاص أنا زهقت أنا مروح»، ولسوف تحزن جيهان لسنوات طويلة قادمة على الفتى المتيم بالقاهرة وقلبها النابض وسط البلد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.