من بين الأسئلة الصعبة التي تواجه مصر في الفترة الانتقالية المؤلمة التي تعيشها، ذاك المتعلق بنوايا إسرائيل لجهة شبه جزيرة سيناء، والتفكير في محاولة إعادة احتلالها ثانية، رغم وجود اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين البلدين. والشاهد أن الحديث عن سيناء بالنسبة لشعب إسرائيل، هو حديث ذو وجهين، ودائما ما يغيب في عالمنا العربي التحليل الذي يتناول البعد الديني والتاريخي للقضية، مكتفين بالبعد الجيواستراتيجي فقط.. ماذا يعني ذلك؟ تمثل برية سيناء بالنسبة لليهود، ذكريات رحلة مريرة دامت في التيه والترحال أربعين سنة، مارس فيها الشعب غليظ الرقبة حماقات كثرا ضد موسى الكليم عليه السلام، وبسبب حماقة هذا الشعب غضب الله عليهم، فمات جيل الآباء كله في سيناء. ويطول الحديث لاهوتيا وتاريخيا عن الأهمية الرمزية لسيناء بالنسبة لبني إسرائيل، الذين لم يغيروا شعارهم حتى الساعة "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل". ومن القديم إلى الحديث، والأحدث، فالمتابع للتصريحات والقراءات، بل والحلقات الدراسية التي تناولت شأن سيناء في العام الأخير، وخاصة منذ قيام ثورة 25 يناير في مصر، يؤكد أن هناك حالة من الندم والعض على الأصابع داخل إسرائيل بسبب تخليهم عن سيناء، بل ويلفت إلى وجود خطط فعلية تسعى لاحتلالها من جديد، حتى ولو كان لمساحات حدودية متواضعة، لا سيما وأن فكرة تكرار سيناريو 1967 لا يمكن حدوثها بالمطلق ثانية. يتذكر الإسرائيليون اليوم في السر والعلن، وصية أسد إسرائيل كما يطلقون عليه "بن غوريون"، الذي أوصى عام 1948 بضرورة الاستيلاء على سيناء، بنفس القدر الذي يجترون فيه هذه الأيام تصريحات شيمون بيريز رئيس إسرائيل الحالي، عندما كان رئيسا للوزراء، من أن "إسرائيل كانت أفضل بشرم الشيخ دون اتفاقية السلام"، وأن "إسرائيل باتفاقية السلام وبدون شرم الشيخ، أسوأ بكثير". وبين التصريحين يبقى ما قاله الجنرال "جيورا ايلاند" رمز الأمن القومي الإسرائيلي الشهير، والذي أجرى بحثا في أحد المراكز البحثية في تل أبيب، أوصى فيه بضرورة الاستيلاء على سيناء، مقابل إعطاء مصر القيمة المادية لهذه الأراضي! ولعل المتابع للأحداث التي جرت في العريش منذ فترة ليست بعيدة، ثم عمليات تفجير أنابيب الغاز، يجد أنها تؤكد أن هناك من يبعث لإسرائيل برسائل تمكنها من الادعاء بخطورة المشهد في سيناء على أمنها القومي، ولهذا السبب يرى كثير من الأصوات العقلانية، أن الحركات الراديكالية والسلفية التي علا صوتها في مصر مؤخرا، تخدم إسرائيل وأهدافها. ليس سرا ذاك الاتصال الذي جرى بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما، عقب أحداث العريش في أغسطس الماضي، وتبادل إطلاق النار بين الجانبين، وفيه هدد نتانياهو بأن إسرائيل لن تصمت إزاء القلاقل التي تحدث في مصر، على حد قوله، وأكد لأوباما أن إسرائيل سوف تتدخل بإجراء عسكري في سيناء ما لم تضمن أمريكا أمن إسرائيل، ولذلك اتصل أوباما برئيس الوزراء البريطاني وطلب منه تهدئة إسرائيل. ولم يكن لنتانياهو أن يهدد وبقوة، ما لم يكن على علم بأن 89% من الإسرائيليين يؤيدون الاستيلاء على كل أو جزء من أراضي سيناء، بحسب استطلاعات رأي أخيرة جرت هناك. هل كان تخلي إسرائيل عن سيناء أسوأ أكبر صفقة عقارية في القرن العشرين؟ هذا ما يؤكده "موشي أرينز" وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، في مقال له عبر صحيفة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ الأول من أغسطس الماضي، يرى فيه أن: "إسرائيل تنازلت عن عمق استراتيجي مهم ينقصها اليوم كثيرا، وعن قواعد عسكرية، وعن وجود سلاح البحرية في البحر الأحمر، وعن أراضٍ أصبحت مواقع سياحية مطلوبة، ويضاف إلى كل هذا إخلاء المستوطنات التي أنشئت في سيناء". هل كان لأصدقاء إسرائيل في المراكز البحثية الأميركية أن يلزموا الصمت؟ كلا بالطبع، ففي يناير الماضي شهدت أروقة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الداعم لإسرائيل، جلسة تعد خطيرة بكل المقاييس، بشأن سيناء التي وصفت بأنها "الثقب الأسود" في مثلث السلام بين مصر وإسرائيل والأردن، وشارك فيها إضافة إلى روبرت ساتلوف المدير التنفيذي للمعهد اليهودي للديانة، كل من إيهود يعاري الزميل في المعهد والمعلق في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، والخبير العسكري الأمريكي نورمان سان بيير ممثل المدير العام للقوة متعددة الجنسيات في مصر.. هل من خلاصة لتلك الندوة؟ الخلاصة هي أن سيناء من ذاك المنظور الإسرائيلي المدعوم بحلفاء إيديولوجيين أميركيين، قد باتت تمثل خطرا قائما، لا قادما، على إسرائيل، من جراء انتشار الجماعات الراديكالية ذات العلاقة بتنظيم القاعدة في هذه المنطقة، وعلى العاقل أن يستنتج التبعات والعواقب. هل بات واجبا على المصريين استيعاب أبعاد أحدث المؤامرات الإسرائيلية المستمرة؟ اليقظة والسهر على أمن وأمان سيناء واجب وطني مصري، حتى لا تجد إسرائيل من الذرائع والمبررات ما يدفعها لمغامرات حمقاء، لم يعد لها موقع أو موضع في زمن عودة الروح لمصر والمصريين. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية