أطلت علينا القرارات، التي أصدرتها الحكومة السعودية حيال الفساد والمفسدين، لتردع ضعاف النفوس ممن ضعف عندهم الوازع الديني والأخلاقي، فأصبحوا طرفاً في منظومة الفساد، تلك الآفة التي نخرت في كيان عدد من المجتمعات والبلدان الغنية والفقيرة، لتهدر مقوماته وتسلب حقوق شعوبه ومواطنيه، وتؤخر تقدم وازدهار عدد من البلدان سياسياً واقتصادياً وتنموياً. لقد بلورت قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الرؤية في مكافحة ومحاسبة كل مسؤول أفسد في عدم تحمل المسؤوليات التي أوكلت إليه، أو استغلها في شكل يخدم مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة للوطن والمواطن. لقد عانى عدد من جهاتنا الحكومية من الفوضى والمحسوبيات وفساد بعض المسؤولين، الذين لا يستحقون أن توكل إليهم تلك الأمانة؛ فمنهم من يستغل منصبه لمجاملة المحسوبين عليه وأقاربه بتوظيفهم في تلك الجهات من دون وجه حق، ويغفل الكفاءة والخبرات التي يمكن أن تستفيد منها الجهات من المواطنين وأصحاب المؤهلات، وكذلك تساهل بعض الجهات في شبهة الفساد وعدم وجود التفاعل، والمبادرة بمعاقبة أي شخص يحاول تجاوز الأنظمة والتعليمات، واستغلال سلطاته في شكل غير نظامي، ما يحفز الفساد والمنتمين إليه، وبالتالي فإن ترك بعض المسؤولين غير المبالين بالتجاوزات في بعض الجهات يسهل استمرار الفساد. وهناك صور عدة للفساد، مثل من يستغل منصبه ليقفز إلى منصب أعلى، من خلال الظهور الإعلامي، وتمرير عدد من المخالفات، من باب المجاملات، لمسؤولين آخرين، وهناك من يستغل سلطته في إقصاء آراء الآخرين وهضم حقوقهم من دون وجه حق، ويحارب الكفاءة لإخفاء تجاوزاته في العمل، وأحياناً إخفاء أخطاء سابقه قد تضر بتقلده مناصب أعلى، وكذلك أن تستغل تلك السلطة في إهانة الموظفين وتحقيرهم وتخويفهم وإذلالهم والتقليل من شأنهم، لتعويض ضعف في شخصية ذلك المسؤول! وهناك الفساد المالي، والإداري، والأخلاقي والسلوكي أحياناً وللأسف، فالفساد يولد الفساد، فنجد الفاسدين يحيطون أنفسهم بشبكة من الفاسدين الآخرين، الذين يدعمونهم ويساندونهم ويدافعون عنهم، كي تستمر تلك الحلقة من الفساد، بل إن الأمر وصل إلى أن الموظفين أصحاب النزاهة والكفاءة يحاربون في بيئة عملهم، لأن جرمهم الوحيد هو أنهم نزيهون في ظل تلك البيئة غير الصحية، بغية الاستمرار في نهج الفساد والإفساد المالي والسلوكي والإداري، والاستهانة بتلك الأمانة الملقاة على عاتق هؤلاء المسؤولين، لتعاني الجهات الحكومية من مثل تلك النماذج البائسة. إن استحداث وحدة رقابية مستقلة استقلالاً كاملاً لمكافحة الفساد ومنحها صلاحيات واسعة من شانه أن يردع ويزرع في آن واحد قيم النزاهة والعدالة في بيئة عمل الجهات الحكومية. أبناء هذا الوطن يريدون أن تحقق رؤية الوطن 2030 أهدافها، وليتحقق ذلك لا بد من المحافظة على كل مدخرات هذا الوطن، ومحاربة الفساد بصوره وأشكاله كافة، وترسيخ مبدأ المحاسبة والنزاهة، وربط مبدأ الشفافية والمحاسبة برؤيتنا ستسهم في تحقيق نقلة نوعية لهذا البلد، ويمهد الطريق أمامنا لتحقيقها. نقلا عن صحيفة الحياة